قبل 68 عاماً أمسك محمد مصطفى زهد "أبو أشرف" بيده المقص والمشط، ليمارس أول حلاقة في حياته، ويصبح اليوم أقدم الحلاقين في مدينة سلفيت.
زهد المولود في العام 1935، قال للوكالة الرسمية " وفا " : تعلمت الحلاقة أباً عن جد، وفي المرة الأولى التي جربت فيها المهنة، جرحت ذقن زبون، وتلقائيا ألقيت موس الحلاقة من يدي، ما دفع والدي لصفعي، مشددا علي ضرورة تعلم مهنة الحلاقة.
في البلدة القديمة من مدينة سلفيت، استقر زهد في صالون الحلاقة منذ 55 عاماً، بعد أن تنقل صالونه بين ثلاثة أمكنة في المدينة. اعتاد أهالي سلفيت والقرى المجاورة على الذهاب إليه كلما تطلب شعر رؤوسهم القص وأذقانهم للترتيب والتجميل، حتى صار الصالون جزءاً من تماسك النسيج الاجتماعي وملتقى الجيل القديم.
أصرّ زهد على الاستمرار في عمله حتى بعد تقدمه بالسن وتراجع حالته الصحية، ويقول: اتخذت من الحلاقة مهنة وحيدة طيلة حياتي، علمت أبنائي من دخلها، رغم المقابل القليل الذي كنا نحصل عليه، فأجرة الحلاقة قديماً كانت صاع قمح طوال السنة، "صاعاً" للرجل الكبير، ورُبعية للصغير، ففي وقت الحصاد والتذرية نذهب إلى البيادر للنأخذ أجرتنا، فلم يكن في ذلك الوقت سوى ثلاثة صالونات حلاقة، بينما اليوم تصل في المدينة وحدها إلى عشرة، وفي كل قرية اثنان وثلاثة وربما أكثر.
ويضيف: في العهد الأردني أصبحت أجرة الحلاقة بالقروش، بعد أن نصحني أحد الحلاقين بأن الحلاقة بالقروش، فأصبحت أحلق للرجل بـ5 قروش وللصغير بقرشين، فهي أفضل بكثير من أجرة القمح. كنت أحلق لما يقارب عشرين شخصا يومياً ويزيد العدد في عطلة نهاية الأسبوع، وفي فترة الأعياد نبدأ بالحلاقة قبل أسبوعين والصالون لا يتسع للزبائن. ينتظرون دورهم الذي يصل في أزمات الأعياد إلى أذان الفجر، أما الآن فقد يمر يومان أو ثلاثة دون أن نرى زبونا واحدا.
يدخل أبو يوسف، يلقي السلام والابتسامات ويجلس، قبل أيام فقط كان على كرسي الحلاقة التي جلس عليها لسنوات، فهو زبون لزهد ورفيق الحديث معه في أوقات فراغه.
يتابع زهد: كانت الماكنة تعمل على اليد، نقوم بتنظيفها بواسطة الكاز، أما المشط فمصنوع من المعدن، والموس كان بنصلة واحدة نقوم بسنّه على حجر "كايش"، وفي آخر اليوم أشعر وكأن يدي اليمنى أصيبت بالشلل، حالياً التعامل مع الأدوات أسهل، حيث أستخدم الماكنات الحديثة والمريحة وشفرات الحلاقة ذات النوعية الجيدة، وأدوات التعقيم والجل والعطور والكولونيا.
إلى جانب الحلاقة، تعلم زهد من جده "الطب" القديم كخلع الأسنان وتجبير الكسور وتضميد الجروح، وهكذا أصبح الحلاق طبيبا لفترة زمنية طويلة حتى تطورت أساليب الطب في فلسطين، لكن هوايته الغناء والعزف على شبابته البسيطة بقيت إلى اليوم، وما زال يحتفظ بها ويُسلي نفسه وزبائنه بصوتها.
يقول: قديما في الأعراس كنت أحمل عدتي وأذهب الى منزل العريس، أقصّ شعره وأهذب لحيته، وحين أنتهي من ترتيبه، أُخرج شبابتي وأبدأ بالغناء: "طلع الزين من الحمام الله واسم الله عليه.. عريسنا زين الشباب ورشوا لي العطر عليه"، فيلتف شباب البلدة حولنا ويشبكون أياديهم ويبدؤون بالدبكة، وفي نهاية اليوم أعود الى زبائني في الصالون.
لم تزيّن جدران صالون "أبو أشرف" بصور قصات شعر نجوم السينما، فهو لا يؤمن بما يسمى "الموضة" التي تتغير من سنة إلى أخرى والتي ساعدت وسائل الإعلام وإعلانات التلفاز المصورة على انتشارها بشكل كبير، إلا أنه كان يتفاعل مع رغبات زبائنه ويلبيها.
يقول: تتغيّر قصات شعر الزبائن حسب فئاتهم العمرية ومكانتهم الاجتماعية، وبتغير الموضة التي فرضتها أنماط العيش الجديدة، فهي لم تأخذ شكا ثابتا ومحددا، وما كنا نعتبره في الماضي لا يليق بالزبون، يعتبرونه اليوم موضة العصر. قديما كان الزبون يثق بالحلاق أكثر من اليوم، لذلك كان لا بد من مواكبة التغيرات، سواء باستخدام الأدوات الحديثة أو بطريقة التعامل مع الزبون والخدمات التي تقدم حتى أصبح لدي خبرة واسعة في مجال عملي، واليوم أستطيع تقليد جميع القصات.
يعتبر يوم الاثنين عيد الحلاقين، وفيه تغلق صالونات الحلاقة أبوابها، إلا أن أبو أشرف يذهب الى صالونه في هذا اليوم من باب التسلية، والذي يعتبره أفضل مكان على وجه الأرض لأنه يجمعه بالأصدقاء وجيران العمر ولقربه من المسجد، كما يقول.
يحتفظ شريف الأخ الأكبر لأبو أشرف، والذي كان حلاقا أيضا، بالماكنات القديمة بعد أن ترك المهنة، أما ضياء الأبن الأوسط لأبو أشرف فتعلم من أبيه مهنة الحلاقة وفتح صالونا على الطراز الحديث.