رام الله الإخباري
لا يُمكن أبدًا إهمال دور الشبكات الاجتماعية في عصرنا الحالي، فنحن نعيش في عالم اجتماعي افتراضي تداخل مع عالمنا الحقيقي بشكل أو بآخر؛ فعند ممارسة الرياضة نستخدم تطبيقات لقياس المسافة والسرعة، لكنها في نفس الوقت تسمح لنا بمشاركة هذه الأرقام مع بقية المشتركين في الشبكة كنوع من التحدّي والتحفيز. نذهب لتناول وجبة لذيذة فنخرج الهاتف أول ما نصل لمشاركة اسم المطعم باستخدام تطبيقات مثل (سوارم - Swarm)، ومن ثم وبعد وصول الوجبة نُمارس طقوسنا التي تسبق الأكل، ولا اتحدث هنا عن الصلاة والشكر على النعم، بل التقاط الصورة ونشرها على "إنستجرام".
وسواءً كنّا نتفق أو نختلف مع مثل هذه المُمارسات، فإن هذه الصيحة جاءت بسبب، أو بفضل، شبكة فيسبوك الاجتماعية، الشبكة التي وصل عدد مُستخدميها إلى أكثر من 1.7 مليار مستخدم نشط شهريًا [1]، أي أن 80٪ من مستخدمي الهواتف الذكية يستخدمون فيسبوك [2]، وهو رقم كبير جدًا. لكن وفي الآونة الأخيرة بدأت فيسبوك بتوريث هذه السلطة إلى تطبيقها الآخر، (مسنجر Messenger)، الذي فُصل عام 2014 ليُصبح تطبيقًا للتواصل الفوري مع الأصدقاء [3]، لكنه سُرعان ما بدء بأخذ طُرقات أُخرى قد تدفع المستخدمين لقضاء وقت أطول عليه من الوقت الذي يقضونه على فيسبوك نفسها.
تطبيق مسنجر الذي نراه اليوم مُجرد وسيلة أُخرى للتواصل مع الأصدقاء في طريقه لأن يكون تطبيق كل شيء على الهواتف الذكية، أي أنك بمجرد دخوله سوف تقضي مُعظم مهامك الإلكترونية عبره، دون الحاجة للانتقال إلى أي تطبيق آخر.
الحياة ما قبل تطبيق مسنجر
يُعتبر متجر التطبيقات ( آب ستور - App Store) الذي قدّمته شركة آبل عام 2008 في نظام (آي أو أس - iOS) واحدًا من أعظم المشاريع التي خلقت فُرصًا للعمل لا يمكن حصرها، فعملية صناعة التطبيقات طويلة، وليست مُجرد سطور برمجية. ومن هنا حققت هذه الفكرة طفرة في سوق العمل بشكل عام، وأتاحت فرصة للتخلّص من الاعتماد على التطبيقات الافتراضية الموجودة داخل أنظمة تشغيل الأجهزة الذكية [4].
وبالتالي استفادت جميع الأطراف، فالمستخدم لديه الآن أكثر من خيار لتصفّح بريده الإلكتروني أو تدوين ملاحظاته اليومية. والمبرمج فُتحت أمامه أبواب للاستفادة من تقنيات الأجهزة الذكية والخروج بأفكار مُميّزة، وأخيرًا الشركات مثل آبل وجوجل اللتان تُسيطران على سوق الهواتف الذكية بنظامي آي أو أس وأندرويد، حيث تحصل كل شركة على عوائد مالية من مبيعات التطبيقات والحزمات المتوفرة بداخلها، إلى جانب المُطوّر أيضًا الذي يكون له نصيب الأسد من هذه الكعكة.
هذا النموذج قد يبدو منطقيا جدًا، لكن شبكة فيسبوك التي تُسيطر على الإنترنت يبدو أنها لم تقتنع أو أنها لا ترغب في أن تكون خارج هذه المُعادلة، صحيح أنها تُحقق عائدات خيالية من الإعلانات في كل عام، لكنها هي الأُخرى تُريد أن يكون لديها متجر تطبيقات للتحكم بالمحتوى، فالتطبيقات وكما يعلم الجميع وقود أنظمة التشغيل في وقتنا الحالي.
ويبدو أن مارك زوكربيرج المؤسس والرئيس التنفيذي لشبكة فيسبوك يبرع في نسخ، أو تقليد، أو اقتباس، أو سرقة الأفكار، فلا يُمكنني اختيار الكلمة المناسبة لأن خبايا تأسيس شبكة فيسبوك لا يعلم بها إلا مارك وحده [5]، لكن سرقة أو اقتباس فكرة سناب شات Snapchat ووضعها كاملة في إنستجرام تُساعدنا قليلًا في استبعاد كلمات واختيار بعضها الآخر [6]، خصوصًا أن زوكربيرج وجد حلًا لرغبته في الحصول على متجر تطبيقاته الخاص، لكن هذه المرّة من شرق آسيا وتحديدًا اليابان والصين، وهو كوكب خاص لوحده يأبى أن ينسخ أي فكرة موجودة دون وضع بصمته والخروج بمنتج تتصارع كُبرى الشركات للحصول عليه.
كوكبي اليابان والصين الشقيقين
رأى تطبيق واتس آب النور في عام 2009 وتحديدًا شهر يناير/كانون الثاني ليحقق نجاحًا باهرًا بسرعة كبيرة [7]، فهو خلّص المستخدمين من الاعتماد على (الرسائل النصيّة القصيرة SMS) من خلال منصّة للمحادثات الفورية بميّزات حديثة العهد تعتمد على الإنترنت أولًا وأخيرًا.
لكن الأصدقاء في الصين واليابان تنبّهوا إلى أهمّية هذا النموذج، فمنصّات المحادثات الفورية بدأت بالظهور الواحدة تلو الأُخرى، لذا خرجوا لنا بتطبيقي (وي تشات WeChat) في الصين، (ولاين - Line) في اليابان، وهي تطبيقات غنية عن التعريف، والتي بدت للجميع على أنها مُجرد تطبيقات أُخرى تُضاف إلى مُجلد تطبيقات المحادثات الفورية داخل هواتفنا الذكية. لكن الواقع غير ذلك، على الأقل في شرق قارة آسيا.
يُمكن الآن لمستخدمي تطبيق لاين في اليابان الدخول إلى التطبيق لإجراء محادثات فورية مع الأصدقاء، أو إجراء مكالمات صوتية أو فيديو، أو مشاركة (المُلصقات - Stickers) وشراء المُميّز منها، وجميع هذه الميّزات موجودة تقريبًا ما بين مسنجر فيسبوك وواتس آب. كما يُمكن أيضًا الحصول على مدونة شخصية لكتابة ونشر التدوينات عبرها، دون نسيان أن لاين بحد ذاته تحوّل إلى شبكة اجتماعية، وبالتالي يقضي المستخدم جُل وقته داخل تطبيق واحد على الهاتف الذكي [8].
أما وي تشات، فهو ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، لأن ما يُمكن فعله يتجاوز كل الحدود، فإلى جانب إمكانية التواصل الفوري كتابيًا وصوتيًا، يُمكن من خلال التطبيق الدخول إلى بوابة المستخدم الوطنية ودفع الفواتير، والضرائب، وتحويل العملات، وإدارة الحسابات البنكية. يُمكن أيضًا البحث عن الفنادق أو بطاقات السفر وحجزها من داخل التطبيق نفسه، دون نسيان إمكانية تحويل الأموال للأصدقاء بسهولة كبيرة خصوصًا إذا ما كانوا يستخدمون نفس التطبيق أيضًا.
هل من مزيد؟ بكل تأكيد، فكمواطن صيني؛ بإمكانك التقدّم بطلب تجديد جواز السفر أو الحصول على تأشيرات سفر عبر التطبيق نفسه، دون نسيان إمكانية الاطلاع على حالة الطرق ومستوى الازدحام التي تُعتبر ميّزة ثانوية أمام ما ذكرناه سابقًا [9].
مسنجر.. تطبيق واحد لكل شيء
ما قام به القائمون على تطبيق وي تشات مُثير لأنه يوفر كل تلك الخصائص داخل التطبيق نفسه، والحساب نفسه. وللأمانة، فإن إدارة المعاملات عبر الإنترنت شيء متوفر الآن في الكثير من الدول العالمية والعربية، صحيح أن عملية الربط ما بين الخدمات الإلكترونية ما تزال بحاجة للتحسين، لكنها كخطوة أولية مُميّزة.
المُثير في كل هذا أن فيسبوك ترغب بتحويل تطبيق مسنجر إلى "سي السيّد"، فهي ترغب بإنشاء متجر تطبيقاتها الخاص، وتوفير خدمات لا حصر لها باستخدام حساب واحد فقط، حساب مسنجر الخاص بالمستخدم. وهذه ليست بخطوات قادمة، بل هي شيء موجود الآن ويمكن للجميع تجربته.
بدأت الحكاية عندما وفّر تطبيق مسنجر متجرًا لشراء المُلصقات وتحميلها، سُرعان ما بدأ أيضًا بتوفير بعض الألعاب البسيطة مثل كرة السلّة أو الشطرنج [10]، وهي ألعاب يمكن لأي مستخدم تشغيلها طالما أنه قام بتحميل الإصدار الأخير من مسنجر بغض النظر عن جهازه أو نظام تشغيله أيضًا. لكن طموح زوكربيرج لن يقف عند حد واحد أبدًا، بل أطلق مؤخرًا منصّة داخل مسنجر لتشغيل ألعاب مُطوّرة باستخدام لغة (أتش تي أم أل5 - HTML 5) وتقنيات الويب [11].
باختصار، توفّر لغة "أتش تي أم أل" مجموعة من (الوسوم - tags) لكي يفهم المتصفح محتويات أي صفحة؛ فلو أردت إخبار المستخدم أن يطبع عبارة "بسم الله الرحمن الرحيم" بالخط الغامق، يجب استخدام وسم ، وبالتالي جميع المتصفحات تفهم أن هذه الجملة يجب أن تكون غامقة. وفي الإصدار الخامس من هذه اللغة، توفّرت إمكانية تحريك العناصر داخل الصفحة والتفاعل معها باستخدام لغات برمجة مثل (جافا سكريبت Javascript) و(سي أس أس 3 - CSS 3).
بالعودة إلى منصّة مسنجر الجديدة للألعاب فهذا يعني أننا سنحصل على مجموعة كبيرة من الألعاب التي يمكن تطويرها من قبل أي شخص طالما أنه يُجيد استخدام تلك التقنيات. هل يُذكرنا هذا بشيء؟ متجري تطبيقات آبل وأندرويد، فهي تسمح لأي مستخدم بنشر تطبيقاته الخاصّة طالما أنها مكتوبة باستخدام لغات برمجة خاصّة. ومن هنا سوف يبدأ تحوّل مسنجر من تطبيق للمحادثات الفورية إلى شيء آخر تمامًا.
ما يُمكن فعله في مسنجر قد يكون أكبر مما يمكن فعله الآن داخل وي تشات ولاين، لأننا أولًا سوف نشهد مجموعة كبيرة من المتاجر الإلكترونية عبر المسنجر، وبالتالي ستنتقل تجربة التجارة الإلكترونية إلى داخل التطبيق مع توفير إمكانية الدفع عبره أيضًا، وهنا لن يحتاج المستخدم لمغادرة التطبيق أبدًا. ماذا لو بدأ زوكربيرج بالتعاون مع الحكومات الإلكترونية؟ أي أن المستخدم بإمكانه ربط حسابه في فيسبوك أو مسنجر برقمه الوطني، هذا سيفتح مجالًا لربط الخدمات الحكومية الإلكترونية عبر مسنجر نفسه، صحيح أن هذه مُجرد احتمالات، لكن كل شيء وارد في العالم الرقمي.
أخيرًا، وليس آخرًا يجب عدم تجاهل المساعد الرقمي M، الذي بدأ بالوصول منذ عام تقريبًا على نطاق محدود [12]، صحيح أنه حتى الآن لم يُقدم مستوى عالي من الذكاء الاصطناعي AI، ولكنه في طريقه بكل تأكيد لتحقيق ذلك، فالخوارزميات المستخدمة في فيسبوك والتي تستطيع معرفة ورصد كل شيء عن المستخدم، وتحليل الأصدقاء الموجودين داخل الصور، لن تعجز عن فهم كتابات المستخدم وطلباته وتحويلها إلى حقيقة؛ هل ترغب بالذهاب إلى مطعم لتناول عشاء إيطالي فاخر؟ أخبر مساعدك الرقمي M في مسنجر ليقوم هو بالبحث عن أقرب الأماكن وأعلاها تقييمًا، وحجز طاولة مناسبة، وطلب سيّارة الأجرة كذلك، دون تجاهل أنه سيدفع جميع تلك التكاليف بنفسه [13].
ما نراه الآن في تطبيق مسنجر يُعتبر مُجرّد خطوات أولية للسيطرة الكُبرى القادمة، فتوفير منصّة لألعاب مكتوبة بلغة "أتش تي أم أل 5" يعني بشكل أو بآخر أن مسنجر سيصبح نظام التشغيل الذي يوفر أدوات لإتمام الكثير من المهام، إضافة إلى توفير متجر للتطبيقات الذي يسمح لأي مستخدم بتطوير التطبيقات ونشرها، وبالتالي نموذج جديد لمتجر تطبيقات جديد بشريحة مستخدمين كبيرة جدًا. وقاعدة مستخدمي مسنجر التي تصل إلى مليار مستخدم نشط شهريًا قد تقفز لتتجاوز قاعدة مستخدمي شبكته الأم -فيسبوك- التي تمتلك هي الأُخرى ما يُقارب 1.7 مليار مستخدم نشط شهريًا [14].
ميدان