رام الله الإخباري
يدفع المدنيون في اليمن ثمن تصاعد القتال وإخفاق جهود السلام، فيوما بعد آخر تزداد أوضاعهم الإنسانية سوءا، حتى بات هذا البلد العربي على شفا مجاعة خلال العام الجاري، بحسب تحذير الأمم المتحدة.
ومع اقتراب الحرب من إكمال عامها الثاني، أصبح 18.8 مليون يمني (من أصل نحو 27.4 مليون نسمة) بحاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، وبينهم 10 ملايين بحاجة إلى مساعدات عاجلة لإنقاذ أرواحهم.
شرارة الحرب في اليمن اندلعت باجتياح مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) العاصمة صنعاء، في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، قبل أن يحاصروا مقر إقامة الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة، أواخر يناير/ كانون ثان 2015، ومن ثم السيطرة على محافظات أخرى.
غير أن الأمم المتحدة تؤرخ الحرب في اليمن بـ26 مارس/ آذار 2015، وهو اليوم الذي أطلق فيه تحالف عربي، تقوده الجارة السعودية، عملية عسكرية باسم "عاصفة الحزم"، لـ"إنقاذ شرعية الرئيس هادي" من مسلحي الحوثي والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الذين كانوا يومها يزحفون صوب محافظة عدن (جنوب).
قتلى وجرحى
وفق أحدث إحصاء حلصت عليها الأناضول من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في صنعاء، أسفرت الحرب، منذ أول يناير/ كانون ثاني 2016، عن مقتل 7 ألف و469 شخصا، بينهم 1400 طفل، وجرح 40 ألف و483 آخرين.
لكن الأمم المتحدة تقول إن الأرقام الحقيقية للضحايا قد تكون أكثر من ذلك؛ نظرا لتضرر المرافق الصحية وتوقف غالبيها عن العمل.
فيما تفيد معلومات حصلت عليها الأناضول من مصادر خاصة في طرفي الصراع بأن عدد قتلى الحوثيين، المدعومين من إيران، تجاوز 20 ألف قتيل، مقابل أكثر من 10 آلاف قتيل بين القوات الحكومية، المدعومة من التحالف العربي.
ولا بد أن أرقام الضحايا زادت خلال يناير/ كانون ثان الماضي، حيث شهد تصعيدا عسكريا كبيرا على جبهات مختلفة، وخصوصا في السواحل الغربية لمحافظة تعز جنوب غربي اليمن.
غذاء شحيح
مشددة على أن النزاع في اليمن هو المحرك الرئيسي لأكبر حالة طوارئ في مجال الأمن الغذائي بالعالم، حذرت الأمم المتحدة قبل أيام من أنه إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية، فإن المجاعة تمثل مشهدا محتملا في عام 2017.
وحسب أرقام حصلت عليها الأناضول، يعاني 14 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بينما يعاني نصفهم من الانعدام الشديد للأمن الغذائي، فهم ليسوا قادرين على إطعام أنفسهم بشكل كاف.
ووفق وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، خلال إحاطة أمام مجلس الأمن الدولي أواخر الشهر الماضي، فإن "كثير من اليمنين مجبرين على تفويت وجبات الطعام وتناول وجبات ذي قيمة غذائية منخفضة للغاية".
وبين هؤلاء المتضررين في اليمن يدفع الأطفال الثمن الأكبر، إذ يعاني مليونا طفل من الرضع والفتيان من سوء التغذية، فيما يعاني قرابة نصف مليون بينهم من سوء التغذية الحاد، وهو ما يمثل، بحسب مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في صنعاء، زيادة بنسبة 63% منذ أواخر عام 2015.
تلك الأوضاع الاقتصادية تدهورت أكثر؛ جراء توقف صرف الرواتب الحكومية، حيث فقدت الأسر الأشد فقرا والأرامل إعانات شهرية كانت تقدمها الحكومة، وتعادل 10 دولارات شهريا.
كما فقد قرابة 1.2 مليون موظف رواتبهم، خلال الأشهر الماضية، وإن عادت الحكومة إلى صرف رواتب بعض الجهات الحكومة.
ورغم انعدام السيولة، ارتفعت الأسعار بنسب كبيرة؛ ما فاقم من معاناة اليمنيين، حيث ارتفع مثلا ثمن عبوة الدقيق 40% مقارنة بقيل الحرب، وهي النسبة ذاتها التي ارتفعت بها أسعار الوقود، وفق الأمم المتحدة.
وتتخوف المنظمة الدولية من نفاذ احتياطات القمح في اليمن، خلال الشهور المقبلة، مالم يتمكن التجار، في الأسابيع المقبلة، من الحصول على العملة الأجنية من البنك المركزي لاستيراد القمح.
ومع هذا الوضع المتردي داخل اليمن، أعربت منظمة "أوكسفام" الإنسانية، في بيان قبل أيام، عن خشيتها من قطع الغذاء والإمدادات الإنسانية غير المتوفرة لليمنيين، في حال تصاعد القتال بين القوات الحكومية والحوثيين على الساحل الغربي لليمن.
المنظمة حذرت من وصول المعارك إلى ميناء الحديدة (غرب) في البحر الأحمر، واحتمال حظره من قبل التحالف العربي؛ جراء استهداف الحوثيين، الأسبوع الماضي، لفرقاطة سعودية بزوارق يقول التحالف إنها انطلقت من الميناء، وهو ما ينفيه الحوثيون.
نزوح متواصل
جراء القتال الدائر، ووفق الأمم المتحدة، نزح 3 ملايين شخص من منازلهم منذ مارس/ آذار 2015، بينهم أكثر من مليوني شخص لا يزالون نازحين، فيما عاد نازحون إلى مناطق جرى استعادتها من مسلحي الحوثي وصالح، ولا سيما جنوبي اليمن.
وفي حين يحاول عشرات الآلاف العودة إلى منازلهم تحاول المعارك المتواصلة دون ذلك، بل وتدفع مزيدا من المدنيين إلى النزوح.
وفي مدينتي "ذوباب" و"المخا" غربي محافظة تعز، تسببت المعارك الدائرة، منذ مطلع العام الجاري بين القوات الحكومية والحوثيين، في نزوح أكثر من 22 ألف شخص، وفق الأمم المتحدة.
وعجز آلاف المدنيين عن العودة إلى منازلهم جراء الدمار الذي لحقها بسبب الحرب، وخصوصا في مدينة تعز.وفضل أكثر من 170 ألف شخص اللجوء إلى خارج اليمن، وفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
ومع فشل جهود الأمم المتحدة حتى الآن في تحقيق اختراق في مشاورات السلام بين طرفي الحرب، وفي ظل استمرار المعارك دون قدرة أي من الطرفين على حسم الصراع عسكريا، فإن الأوضاع الإنسانية في اليمن مرشحة لمزيد من تدهور ربما يتحول معه التحذير من مجاعة إلى واقع في هذا البلد الذي كان يسمى يوما بـ"اليمن السعيد".
الاناضول