سلط مركز التعليم البيئي/ الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة الضوء على طيور فلسطين، لمناسبة بدء موسم الهجرة الربيعية، التي تنطلق في الخامس عشر من شباط كل عام.
وقال المركز، في بيان صحفي تلقت "وفا" نسخة منه، اليوم الثلاثاء، إن فلسطين تتميز بموقعها الجغرافي العالمي الفريد، فهي تقع بين ثلاث قارات: آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، وبالرغم من صغر مساحتها إذا ما قورنت ببلدان شاسعة أخرى، وتتميز بالتنوع الواسع في عناصر المناخ: درجات الحرارة، ومعدل سقوط الأمطار، والتضاريس. كما تنفرد بأربعة أقاليم نباتية: البحر الأبيض المتوسط، والصحراوي، والإيراني – الطوراني، والتوغل السوداني، ما يمنحنها سحرًا خاصًا في نباتاتها وطيورها.
عنق الزجاجة لطيور العالم
وتابع المركز: تعد هجرة الطيور الربيعية كأبرز مثال على الأهمية البيولوجية التي تتمتع بها فلسطين، حيث تشكل سماؤها واحدة من أهم مسارات الهجرة التي يمر فيها 500 مليون طائر سنويًا، عبر عنق الزجاجة بين الصحراء والبحر. ويعتبر غور الأردن المتفرع من وادي الشق الكبير (مسار الطيران فوق البحر الأحمر) ثاني أهم مسار لهجرة الطيور المُحلّقة في العالم. وهو أيضًا أهم المسارات في نظام هجرة الطيور بين أفريقيا وأوروبا.
وأردف: تبدو الطيور كالزينة للسماء، وهي أيضًا واحدة من أهم رموز الحرية، التي يفتقدها الشعب الفلسطيني منذ عقود، ويكافح لنيلها. وتبهر أسراب الطيور المهاجرة ومجموعاتها المقيمة والمختلفة الأنظار، وتعزف مقطوعات عذبة تبعث الصفاء في النفس، أما ألوانها فتأسر الأنظار، فيما يمنح تحليقها في عنان السماء الشموخ.
ومضى المركز: يمكن مشاهدة الطيور الجميلة في فلسطين في معظم الأحيان، وفي كافة الأماكن تقريبًا بما فيها الشواطئ، والوديان، والصحاري، وكذلك فوق التلال. وتصنف بعض أنواعها بأنها ليلية، أي أنها نشطة أثناء الليل، بينما تصنف أنواع أخرى منها بأنها نهارية، أي أنها نشطة أثناء النهار. وتشكل تلك الطيور رمزًا قويًا للتنوع الحيوي في فلسطين، وتذكرنا بأهمية الحفاظ عليها.
واستطرد المركز: من المؤسف الإشارة إلى أن سوء استخدام المصادر الطبيعية يعرض النباتات والحيوانات والطيور للخطر، وهذا ما تبين لاحقًا جراء انقراض أنواع متعددة من الطيور ومنها النعامة وبومة السمك البنية. وبالتالي فإننا لم نعد نرى العديد من الطيور التي كانت موجودة في القرن الماضي. ومن المتوقع انقراض أنواع أخرى من الطيور في القرن المقبل، نتيجة للصيد الجائر وتدمير موائل الطيور في فلسطين، وفي كافة أرجاء العالم، ما يدق جرس إنذار لمراجعة سلوكنا ووقف ممارساتنا الجائرة بحق الطيور وحماية موائلها.
أول محطة طيور فلسطينية
أوضح "التعليم البيئي" أن باحثيه أول من راقب هجرة الطيور في فلسطين، وأول من حصلوا على رخص لتحجيل الطيور وإنشاء محطات مراقبة لهجرة الطيور في فلسطين منذ عام 1998. فيما حرص المركز والمطران منيب يونان على تقديم مبادرات لحماية الطيور، كالدعوة لتبني عصفور الشمس الفلسطيني طائرًا وطنيًا، وإطلاق الأسابيع الوطنية لمراقبة الطيور وتحجيلها بالشراكة مع سلطة جودة البيئية، والدعوة لحماية طائر الحجل والنسر الذهبي من الصيد الجائر.
وسلّط الضوء على أول قائمة رسمية للطيور في فلسطين، التي توجت جهود سبعة عشر عامًا، عبر استخدام منهجية البحث العلمي، وهي القائمة ذاتها التي صدرت باللغة الإنجليزية العام الماضي، واعتمدتها سلطة جودة البيئة والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني مرجعية رسمية في الأرقام الخاصة بطيور فلسطين، وجرى تبينها في التقارير الوطنية الخاصة بالتنوع الحيوي، التي نشرتها سلطة جودة البيئة محليًا ودوليًا.
17 عامًا للبحث العلمي
قال "التعليم البيئي" إن منهجية الدراسة اشتملت على التحجيل، والمراقبة، ودراسة عينات جلد تعود لطيور محنطة، إضافة إلى مراجعة الأدبيات والإصدارات العلمية ذات الصلة. فيما كرّس المركز منذ العام 1998، أبحاثه للتاريخ الطبيعي في فلسطين، ولدراسة وحفظ الطيور فيها. وقد حقق خلال السبع عشرة سنة الأخيرة، نجاحات وتقدمًا لافتًا في تلك المجالات، بالرغم من شح الموارد والعراقيل، فأقام أربع محطات لمراقبة الطيور وتحجيلها في فلسطين: واحدة دائمة في بيت جالا (هي الأولى في فلسطين أقيمت عام 2000)، وثلاث موسمية في أريحا وطولكرم وجنين تغطي محطات المركز مقطعًا عرضيًا من الضفة الغربية. وأطلق أول متحف للتاريخ الطبيعي، يضم أكثر من 2500 عينة من المتحجرات ومحنطات الحيوانات المختلفة، والتي يعود تاريخ تحنيطها إلى عام 1902. ورعى مشاريع البحث الميداني، التي تتضمن تحجيل الطيور، ومراقبتها، وإجراء المسوح الميدانية، وطوّر الحديقة النباتية، الممتدة على أكثر من 40 دونمًا، وتضم العشرات من الأشجار والأزهار والنباتات الأصيلة والمهددة بالانقراض. وأقام شراكات مع منظمات ومعاهد عالمية من ضمنها شبكة هجرة الطيور الأوروبية الشرقية – الجنوبية (SEEN)، ومؤسسة EURING، وجمعية الشرق الأوسط للطيور (OSME)، وسابقًا مع مؤسسة (بيرد لايف انترناشينل)، وحديثًا مع الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN). كما نفذ حملات توعية وحماية بالتعاون مع منظمات محلية وإقليمية ودولية ووزارات حكومية. وتضمنت استكشاف الحيوانات والنباتات المحلية، وكذلك إطلاق الأسابيع الوطنية لتحجيل ومراقبة الطيور، التي وصل عددها بنهاية عام 2016 إلى ثمانية؛ لتشجيع السياحة البيئية.
التحجيل "جوازات سفر" للطيور
ووفق الأرقام والمعطيات، فقد حجّل "التعليم البيئي" ما مجموعه 14686 من الطيور التي تنتمي إلى 120 نوعًا مختلفًا، والتحجيل هو إمساك الطيور بشباك خاصة لتتبع خطوط هجرتها، ووضع حلقات حول أرجلها تحمل اسم فلسطين، تشمل الحلقة المعدنية رقمًا تسلسليًا يكون بمثابة جواز سفر للطيور، وينفذ التحجيل وفق المعايير المتبعة الخاصة بالطيور باستخدام الشبكات المخفية، ويتم فيه قياس طول الجناح، وطول الذيل، وشكل الجناح، كما يجري تسجيل كتلة الطيور ونسبة الدهون لديها، واتجاهات الهجرة.
وأكدت المعطيات أن أبو قلنسوة (Sylvia atricapilla)، هو أكثر طير تم تحجيله في فلسطين، وجرى تحجيل أنواع مهددة بالانقراض كالدرسة الرمادية (Embreiza cineracea)، ومن أهم الأنواع التي تمت مراقبتها نسر جريفون (Gyps fulvus).
وتابعت: تستخدم الألوف من طيور اللقلق الأبيض، الجبال الوسطى للهجرة مرتين في السنة، فيما تقع محطة أريحا في غور الأردن ثاني أهم مسار طيران لهجرة الطيور في العالم، فيما يعد سهل مرج ابن عامر من أكبر السهول في فلسطين حيث أقيمت محطة تحجيل رابعة.
22 رتبة و64 عائلة
وبحسب المعطيات، تشمل قائمة طيور فلسطين أنواع الطيور التي تواجدت في فلسطين خلال 155 سنة ماضية، وتم تحديد 373 نوعًا من الطيور فيها، تنتمي الطيور إلى 22 رتبة، و64 عائلة. كما تشمل القائمة 30 عائلة فرعية، و186 جنسًا.
وأسهب المركز: الرتبة الأكبر للطيور هي "رتبة الطيور المغردة (الجواثم) التي تشمل 22 عائلة، وثانيها "رتبة القطاطيات" التي تحتوي على 10 عائلات، والرتبة الثالثة (النسور والعقبان) التي تحتوي على عائلتين، أما العائلة الأكبر لطيور فلسطين فهي (الهوازج) وتحتوي على 35 نوعًا، وثاني أكبر عائلة هي (الشحرورية) التي تضم 32 نوعًا، والعائلة الثالثة للطيور هي (الكواسر) التي تحتوي 30 نوعًا.
وكشف "التعليم البيئي" عن أن النعامة الإفريقية، وبومة السمك البنية أصبحت منقرضة، أما النسر الملتحي، والنسر الأوذن فانقرضت كطيور مفرخة، في وقت تتواجد فيه 132 أنواعًا من الطيور تفرخ في فلسطين، و52 منها تعتبر حصريًا مفرخة ومقيمة، و16 من الطيور المفرخة مهددة بالانقراض، كما تم إدراج أربع أنواع منها على قائمةIUCN الحمراء. والطيور المهددة هي: الرخمة المصرية، وحبارى مكويين، وغراب زيتوني أوروبي، وصقر الغروب. في وقت يهاجر 277 نوعًا من الطيور عبر سماء فلسطين، ويعتبر71 نوعًا منها حصريًا كطيور مهاجرة عابرة، و1277 نوعًا من الطيور المهاجرة عبر فلسطين وتقضي الشتاء هناك، و194 نوعًا زائرة شتوية خليطة، منها10 أنواع زائرة شتوية حصريًا، و22 نوعًا زائرة عابرة أو مشردة.
5 مجموعات ودعوات خضراء
بين المركز أن طيور فلسطين تنقسم إلى خمس مجموعات تبعا لمناطق تواجدها أولها، الطيور المقيمة المُفرّخة، التي لا تهاجر وتقضي كل أوقات السنة داخل فلسطين. وثانيها الزائرة الصيفية، التي تعود إلى فلسطين خلال هجرة الربيع وتتناسل. أما الثالثة فهي المهاجرة العابرة، التي تهاجر عبر فلسطين بشكل منتظم خلال الهجرة الربيعية والخريفية، فيما الرابعة الزائرة الشتوية تبدأ بالقدوم في الخريف وبداية الشتاء، وتترك فلسطين نهاية الشتاء أو بداية الربيع. وتعد الطيور الزائرة العابرة – المشردة، الخامسة فهي تزور فلسطين بشكل عرضي.
وتابع المركز في معطياته بالدعوة إلى الحفاظ على النظام البيئي والعناصر ذات الصلة به وحمايته وصيانته. وصون موائل الطيور وحمايتها وصيانتها؛ من أجل المحافظة على استقرارها وزيادة عددها. وترميم موائل الطيور التي تم تدميرها. وإعادة تشجير الغابات بأشجارها الأصيلة، وتزويد المناطق المائية الجافة بالماء ثانية. إضافة إلى حماية الأنواع المصنفة دوليًا بالمهددة بالانقراض، مع التركيز على تلك الأنواع الموجودة في فلسطين. وتجنب اصطياد الطيور أثناء فترة تعشيشها. ومنع تدمير الأعشاش، أو أخذ البيض أو صغار الطيور، ومنع الاتجار بالطيور البرية، وتأسيس بنك معلومات وطني لجمع البيانات حول الطيور، وأنماط هجرتها، وموائلها، ومناطق تناسلها.
وأنهى بالحث على وضع خطة إستراتيجية وطنية فلسطينية للحفاظ على التنوع الحيوي، في ظل الأوضاع السياسية والاجتماعية الراهنة، وتحديد وفصل المناطق التي تحتوي على طيور مهددة بالانقراض كمناطق لحفظ تلك الأنواع، وسن وفرض قوانين لتعزيز وحماية التنوع الحيوي، وتحويل متحف التاريخ الطبيعي إلى متحف وطني لحماية تراثنا الطبيعي والثقافي، وإطلاق حملات توعية بيئية وتشجيع مراقبة الطيور بدلاً من اصطيادها.