قصة زوجان متيمان تجاوز عمرهما 100 عام.. هكذا التقيا أول مرة

photo_0170430845fkzzuu (1)

رام الله الإخباري

جلس موري ماركوف على الأريكة في شقته الواقعة بوسط مدينة لوس أنغلوس، بجانب زوجته بيتي، وقال: "لا نعرف أي شخصٍ آخر غيرنا تجاوز المئة عام، حالتنا غريبة حقاً: شخصان تزوجا منذ 78 عاماً، وأحدهما يبلغ 103 أعوام، بينما يبلغ الآخر 100 عام. لقد عشنا أكثر من كل من كنا نعرفهم، وهذا أمر نادر الحدوث، أدرك ذلك. نحن محظوظان للغاية، لذلك أفضل ما أتمناه لك هو أن يكون لك مثل حظنا".

  عبَّر الزوجان عن سعادتهما لأن شخصاً من صحيفة "مانشستر غارديان" البريطانية قد جاء ليتحدث معهما، مع أنَّهما معتادان هذه الأيام على ازدياد الاهتمام بقصتها. عندما بلغ موري 100 عام أقام معرضٌ في المدينة أولَ عرضٍ فني له، عارضاً تماثيل من الخردة المعدنية، وصوراً، ورسوماً. وقال موري عن شعوره ذلك الوقت: "هوَّن ذلك الأمر فكرة وصولي للعام المئة. فلقد كنت أريد الوفاة عند عُمر التسعين". سيظهر الزوجان ماركوف في كتاب الكاتبة كارستن ثورمايلين "Aging Gracefully"، وهو كتاب يجمع صوراً لأشخاص مُعمرين، ولكنهما الزوجان الوحيدان على صفحات هذا الكتاب.  

وقال موري: "نعيش معاً منذ قرابة ثمانية عقود، ولم يقتل أحدنا الآخر حتى الآن!"، وفق تقرير الغارديان.

  وعلَّقت بيتي على ذلك قائلةً: "مع أننا حاولنا ذلك عدة مرات. كنا نتشاجر كثيراً، يا إلهي.. ولكنه لم يضربني قط، ولم أضربه أبداً. مع أنَّني أعتقد أنني دفعته مرة قبل ذلك".

  ثم قال موري مداعباً إياها إنَّه سيبادلها بامرأتين في عُمر الخمسين عاماً. ولكن أية مجادلات خاضها كلاهما هي من الماضي الآن. وقالت بيتي وهي تضع يدها على عنق موري: "نعيش في هدوء الآن". واستبعدت فكرة وجود أي سرٍّ لاستمرار زواجهما لفترةٍ طويلة بشكلٍ جيد. وقالت عن ذلك: "ما عليك سوى ألا تجعل كل شكوى تتحول إلى حالة غضب، إلى جانب التحلي بالتسامح والاحترام، وأن يكون شريكك عزيزاً عليك. لم يقل موري كلمة "حب" أبداً، ولكنني قلتها له، ومع ذلك فلا يوجد فرق بين أفعالنا".  

o-S-570   

سألتُ موري لِمَ لم يستخدم كلمة "حب"؟ فأجابني قائلاً: "بالنسبة لي، الحب امتلاك؛ يغلب عليه الإحساس بالسيطرة، ويفرض الكثير من التطلبات. لذلك أفضِّل استخدام كلمة "الاهتمام". أن تهتم بالآخرين. بالنسبة لي، الاهتمام له معاني أعمق بكثير. فالحب كلمة غامضة، يستخدمها الناس ليعنوا الكثير من الأشياء دون تفكير مثل: "أحب لعب التنس" وما إلى ذلك. أعانق بيتي وأقبِّلها دوماً، واهتم بها كثيراً". وأكَّد موري لي أن اليوم الذي اجتمعا به هو أسعد أيام حياته حظاً.

  تقابل الزوجان في مدينة نيويورك عام 1938، في حفل زفاف ابن عم بيتي، الذي كان أخاً لأحد أصدقاء موري. كانت بيتي تجلس على الطاولة إلى يسار موري. ويسرد موري القصة قائلاً: "كانت تجلس على يميني روز ليبوفسكي، وهي فتاة غاية في الجمال والرُقي، ووالداها أغنياء. وسألتني بيتي: لماذا اخترتني أنا؟ فقلت لها: لأنك أكلتِ طعاماً أقل".  

كان أصدقاء بيتي غير مطمئنين لهذا الميكانيكي الساحر، الذي نشأ في سكنٍ في إيست هارلم، ولكنها سمحت له أن يقلِّها إلى المنزل في منطقة كوليدج بوينت في كوينز.

o-S-570 (1)  

  وروت بيتي أيامهما الأولى معاً قائلةً: "كان وسيماً جداً، ولديه شعر أسود مُجعَّد، وفي أحد أيام مواعداتنا الأولى تعطَّلت السيارة، وأصلحها هو سريعاً ودون تذمُّر، وأعجبني ذلك. فلم ينفعل كباقي الرجال، وقد تأثرت بذلك"، ثم كررت كلمتها: "كان وسيماً جداً". سألتها ما الشيء الآخر الذي أعجبها به: هل حسه الفكاهي؟ ولكن بدت عليها علامات الحيرة: "ممم، نعم، حسناً، أعتقد ذلك!"  

لم يستمر موري وبيتي في المواعدة كثيراً؛ فقد غادر موري الساحل الشرقي وعاد إلى كاليفورنيا، التي كان يقيم بها لبعض الوقت بعد أن ذهب في نزهةٍ هناك مع أصدقائه ووقع في غرام أشعة الشمس وجوَّها المعتدل. وحين سألتها: هل كانت طريقة عرضه للزواج منكِ مؤثرة؟ أجابتني بيتي: "لا بكل تأكيد. فهو لم يعرض علي الزواج قط، بل سألني: هل تريدين العيش في كاليفورنيا؟".  

أرسل موري لها أجرة الحافلة، وأقلَّها من لوس أنغلوس بعد قضاء رحلةٍ دامت لأربعة أيام. ووجدا حاخاماً ليزوجهما في نطاق إمكانياتهما المادية، وأقاما حفلاً بسيطاً، دعا به الحاخام قائلاً: "عسى أن يكون زواجكما في نقاء ذلك الخاتم الذهبي"، وهنا نظرت بيتي وموري إلى بعضهما البعض وانفجرا في الضحك، لأنهما كانا قد اشتريا خاتماً من ذهبٍ مزيف من متجر "وول وورث".  

بالنسبة إلى بيتي، لوس أنغلوس مدينة رائعة، وقالت واصفةً المدينة: "لديك الشاطئ والجبال، كما أن المناخ لطيف جداً؛ أعتقد أنها كالجنة". وتباهت بيتي بشقَّتهما المكونة من غرفةٍ واحدة، والتي يعيشان بها منذ أكثر من خمس سنوات، منذ انتقالهما من المنزل الحداثي المحبب لهما الذي يبعد عنهما عدة أميال. الشقَّة مُزينة بأعمال موري الفنية، ومعظمها يعود إلى خمسينات وستينات القرن السابق. وتطل شقتهما على السُّحُب الزرقاء وناطحات سحاب بانكر هيل؛ وتقع قاعة حفلات والت ديزني، بالتواءاتها ومنحنياتها اللامعة التي أشرف على بنائها المهندس المعماري الشهير فرانك جيري، على بُعد خطواتٍ منهما.  

o-S-570 (2)  

قالت بيتي إنَّ التقدم في العمر بالنسبة إليها يعني فقدان الكثير من الطاقة: "لا أستطيع السير جيداً، وأشعر بارتباك شديد". ويستخدم موري هذه الأيام دراجة مخصصة للتنقل. وقالت بيتي: "لا يمكنه مسامحتهم على أخذهم سيارته". ولكنهما لا يزالان يذهبان للإفطار بالخارج، ويستعيضان عن الحيوية المتناقصة بقدرتهما على الشعور بالامتنان الشديد تجاه كل ما هو حولهما في العالم. وتستمتع بيتي بالجلوس خارج مقهى محلي لرؤية حركة أشعة الشمس والظل، كما تهوى مشاهدة الأطفال الصغار وهم يتراشقون بالمياه عند النافورة القريبة، وتتساءل من سيواجه منهم المياه، ومن سيكون حذراً بشدة ويبتعد عنها.

  وقال موري: "عشتُ حياة طويلة وكاملة. ولم أشعر بلحظةٍ من الملل. لطالما كنت مشغولاً بعملي، أو بصنع بعض الأشياء، أو التصوير، أو السفر، أو الكتابة حديثاً (فقد انتهى من كتابة مذكراته). ودائماً ما يوجد كتابٌ آخر أريد أن أقرأه. أقول في بعض الأحيان: هناك الكثير من الأشياء التي يجب أن أقوم بها، وليس لدي وقت للموت".  

في اليوم الذي سبق عيد ميلاده التاسع والتسعين، مات موري بالفعل، لبضعة لحظات على الأقل. فقد أصابته أزمة قلبية، وقال عن ذلك الأمر: "تصرفت بيتي سريعاً، واتصلت بالطوارئ، وأنقذت حياتي". وكان موري يخضع إلى عمليةٍ جراحية لزرع جهاز لتنظيم ضربات القلب، ثم حدث خطأ، وتوقفت ضربات قلبه. وقال عن ذلك: "كاد أن يقتلني الجراحون، لم تكن تلك فكرة سديدة، فأنا أعرف بعض المحامين". وحينما حدث ذلك الخطأ أثناء العملية الجراحية وتوقف قلبه، انفتح فمه، وتدلى لسانه بالخارج، وذهبت عائلته المكلومة إلى غرفة الانتظار بالمستشفى، ثم دعوهم بعد قليل ليعودوا واجدين موري حياً ويلقي النكات.  

وقال موري: "لو كنت رجلاً متديناً، لكنت أرجعت عُمري الطويل لتدخّل العناية الإلهية. ولكن لأنني لست كذلك فأظن أن السبب هو الحظ فقط". وذلك مع أن وفاة والده، الذي كان مدخناً شرهاً، حينما كان يبلغ من العمر 94 عاماً تشير إلى أن العوامل الوراثية هي السبب.  

لم يكن موري في بداية حياته مدللاً قط. ويتذكر أن المسكن الذي نشأ به كان به فئران، وأن المطبخ كان مليئاً بالصراصير، وكان الفراش يسكنه البق. وكان يعيش ستة أشخاص في ثلاث غرف؛ وهو كان ينام على كرسيين وضعتهما والدته، عليهما وسائد، أمام الموقد. ولكنه لم يشعر بالجوع قط، وأكد أنَّه حتى في سنوات الكساد، كان حراً بشكلٍ كامل.  

وتذكر أنه كان يسبح عارياً عندما كان صغيراً في نهر إيست ريفر، الذي كان مليئاً بالقمامة، والواقيات الجنسية، والغائط، والحطام العائم، وأحب وقتها الغطس أسفل زوارق الدقيق القريبة من المرسى. ويتساءل موري ما إذا كان قد اكتسب جهازاً مناعياً قوياً نتيجةً لهذا. أما بالنسبة لنظامه الغذائي، فاستمتع موري بتذكر طعم الهوت دوغ بالخردل والكرنب المخلل في كوني آيلاند، مع مشروب المياه الغازية بالكرفس الخاص بشركة "دكتور براون". وقبل إصابته بسرطان اللسان كان موري أيضاً يدخن السجائر، والسيجار، والغليون. وعندما كان يعمل ميكانيكياً كان يترك السجائر في فمه، لأن يديه كانتا شديدتي الاتساخ بالشحوم، وكان الدخان يملأ عينيه، حتى إنَّه في الصباح لا يستطيع فتحهما.  

بينما أرجعت بيتي على الجانب الآخر عمرها المديد إلى مادة "التغذية المدرسية" في الصف السابع. إذ كانت دائماً على دراية بإعداد وجبةٍ من البروتينات والخضراوات، بالإضافة إلى سيرهما لعقود كل صباح مسافة ثلاثة أميال تقريباً حول البحيرة المحلية قبل الإفطار.  

o-S-570 (3)  

كانت لديهما حيويةٌ دائمة، وأصرَّا على أن الملل لم يجد لهما سبيلاً. وكانت السياسة من ضمن أنشطتهما السابقة. فقد كان موري عضواً في الحزب الشيوعي الأميركي، وكان يشارك بالتظاهرات كثيراً، ودخلت بيتي السجن مرة واحدة لمدة ساعة لتوزيعها المنشورات. ولكن لم يكن هدفهما أبداً إسقاط الحكومة، بل وجود مجتمع أكثر عدلاً. وكانا محبَّين لروزفلت، وتحمَّسا أكثر لحُكم باراك أوباما. أما بالنسبة إلى ترامب فقالت بيتي: "في حياتي بأكملها لم أر شخصاً أغرب من ذلك يصبح رئيساً منتخباً… فهو نرجسي، وغير مؤهل، ومالك لملهى. كم يدفع من الضرائب؟".  

وأضافت بيتي: "هو شخصٌ متعصب للغاية".  

أسفر نشاطهما السياسي عن تكوين بعض الصداقات، فقد كانت لهما دائرةٌ مقربة من الأصدقاء عندما كانا يربيان طفليهما جوديث وستيفن. (وقالت بيتي إنَّ من الأشياء الغريبة التي تواجه من يتقدمون في العُمر رؤية أطفالهم يصبحون من كبار السن). وكان منزل لوس أنغلوس الذي عاشا به لعقود جزءاً من مساكن تعاونية تقدمية مصممة لتكون مجتمعاً، حيث كان يدخل المقيمون بها داخل منازل بعضهم البعض طوال الوقت. وقالت بيتي: "لم يُعد الأصدقاء هنا… لقد رحلوا منذ وقتٍ طويل". وسألتها عما تشعر به حيال ذلك، فأجابت بهدوء ونشاط في الوقت نفسه: "أنا أتكيف جيداً مع الظروف".  

بعد الحرب، التي أُجِّل انضمامه للجيش خلالها ليصنع المتفجِّرات والصواريخ المحيطية، انتهى بموري الحال لامتلاك متجره الخاص لبيع الأجهزة. وكان يستخدم الخردة المعدنية من أجزاء أجهزة تكييف الهواء لصنع التماثيل الصغيرة المتحركة، والتي عُرضت لاحقاً. ولكن بعد ذلك، غلبت عليه الرغبة في السفر والتصوير، وتهللت سرائر موري وبيتي قليلاً عندما تذكرا رحلات التخييم ومغامراتهما السياحية. وأطلعوني على صور رحلاتهما حول العالم، من المكسيك إلى ماكاو، وكانت بجودةٍ مدهشة. وسألته ما نوع الكاميرا التي استخدمتها؟ فبدأ موري في التحدث بحماس عن كاميرات روليفليكس ولايكا، حتى تأوَّهت بيتي معبرةً عن استنكارها وغيَّرت الموضوع.  

يبدو واضحاً فخر بيتي بزوجها. ولكنَّها قالت في وقتٍ لم يكن بجانبنا: "هو موهوب جداً في عدة مجالات. ولكن إذا كان قد نشأ بطريقةٍ مختلفة، من يعلم وقتها ماذا كان سيكون بإمكانه تحقيقه؟".  

لا يزال يشعر موري أنَّ أيامه لم تكن طويلةً بما يكفي، وأصرَّ أن الإنسان لا يحتاج إلى مالٍ كثير ليحيى حياة نشطة وغنية. تعيش ابنتهما في البناية المجاورة لهما، لذا إذا توفي أحدهما لن يشعر الآخر بوحدة كاملة، وأشار مجدداً إلى حظهما السعيد.

  عندما كنت أستعد للرحيل، وبَّخني موري بخبث قائلاً: "لَمْ تسألنا عن حياتنا الجنسية!"، ثم ضحك وقال: "هي مجرد ذكرى الآن". ثم وضع موري يده على ركبة بيتي، ونظر إلى المرأة التي لم يصرِّح لها بحبه قط قائلاً: "بعد 78 عاماً، يمكنني القول إنَّني لم أرتكب أي خطأ. لقد خضنا أوقاتاً سعيدة وأخرى صعبة، ولكننا ما زلنا هنا معاً".



 

هايفنغتون بوست