رام الله الإخباري
يوم الثلاثاء عيّن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب صهره جاريد كوشنر، المطور العقاري والناشر المتزوج من ابنته المثيرة للجدل إيفانكا، في منصب كبير مستشاري البيت الأبيض، كما أعلن مكتبه في بيان.
ويعتبر جاريد كوشنر، شخصية شبه غامضة، يبدو ذكياً وناضجاً في بعض المرات، وأحياناً يتهم بأنه الذي دخل جامعة عريقة مثل هارفارد دون مؤهلات سوى وساطة والده عبر إغراء الجامعة بالمال.
وثمة من يراه رجلا ذكيا يعمل بصمت ليمرر أهدافه، لاسيما زواجه من ابنة ترمب ليعزز شراكة بين عائلتين تعملان في مجال واحد هو العقارات، أو تخلصه من خصومه أثناء الحملة الانتخابية لترمب.
وقد تزوج من إيفانكا سنة 2009 ولهما ثلاثة من الأبناء، وهو رجل أعمال وثري ومستثمر يمتلك شركة "كوشنر بروبرتي" المتخصصة في مجال التطوير العقاري، كما أنه مالك صحيفة "نيويورك أوبزيرفر" منذ عام 2006.
في مهام جديدة
نقل البيان الذي أصدره ترمب في شأن تعيين صهره، قوله إن كوشنر البالغ من العمر 36 عاماً، والذي لن يتقاضى أي راتب طيلة فترة توليه هذا المنصب "نجح بشكل هائل في الأعمال كما في السياسة".
وأكد ترمب أن "جاريد كان ذا قيمة هائلة ومستشارا موثوقاً به طوال الحملة والمرحلة الانتقالية، وأنا فخور بأنه سيتولى دوراً قيادياً في إدارتي".
وأضاف: "سيكون ذا قيمة هائلة في فريقي لإطلاق ووضع برنامجي الطموح موضع التنفيذ".
وقد سبق ذلك الإعلان تكهنات بأن الشاب الثري سوف يعين في منصب ما، ليس لنجاحه السياسي فحسب، بل لأنه أيضا زوج نجلة ترمب الكبرى التي وضح أثرها الكبير في سياسة والدها، وظهورها المتكرر معه في اللقاءات الرسمية، كما أنها سوف تقوم بدور "السيدة الأولى" في بداية دخول ترمب للبيت الأبيض، لأن زوجة الرئيس لن تنتقل من نيويورك إلى واشنطن بسبب التزام ابنهما بارون بالمدرسة.
وكانت التقارير قد رشحت كوشنر سابقا لمنصب وسيط السلام في الشرق الأوسط ونسجت القصص حول ما يمكن أن يقوم به في هذا الإطار، في ظل علاقة عائلته الوطيدة بإسرائيل وخلفيتها اليهودية.
وفي الأسبوع الماضي كان كوشنر وستيف بانون كبير مستشاري ترمب قد التقيا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، وقد عملا معا في قضايا ذات صلة بإسرائيل بما في ذلك مناقشات نقل السفارة الأميركية إلى القدس وقضايا الاستيطان وموضوعات أخرى تتعلق بالشرق الأوسط.
ولا يقتصر تأثير كوشنر على الأمور المتعلقة بالسياسة الخارجية، بل له دور داخل البيت الأبيض في المسائل التنظيمية فهو منسق واضح لاتصالات ترمب مع الزعماء الأجانب وساعد في تنظيم اللقاءات مع المرشحين لمناصب وزارية.
ويوم الاثنين الماضي كان قد شارك في اجتماع حول الإصلاح الضريبي مع بول ريان المتحدث باسم مجلس النواب.
كما أنه كان من المدافعين عن اختيار صديقه غاري كوهن، رئيس بنك جولدمان ساكس، ليشغل منصب مدير المجلس الاقتصادي الوطني.
ويلاحظ أن الأمور الأخيرة تتعلق بصلب الموضوعات التجارية، التي ستكون في دائرة عمله أيضا.
مسيرة كوشنر الابن
ينتمي كوشنر لعائلة ثرية فهو الابن البكر لـ"تشارلز كوشنر" واحد من أشهر مطوري العقارات في ولاية نيوجيرسي الأميركية، حيث ولد جاريد في يناير 1981 وتلقى تعليمه الأساسي في مدرسة فريش ونشأ كيهودي ملتزم.
ثم دخل جامعة هارفارد في عام 2003 ليتخرج في مجال علم الاجتماع، وكان والده من مساندي وداعمي الجامعة نفسها حيث قدم لها منحة بمبلغ 2.5 مليون دولار.
لكن قصة دراسته بجامعة نخبوية مثل هارفارد لا يدخلها إلا الأذكياء أثارت الجدل كثيرا بعد كتاب نشره الصحفي الأميركي "دانيال غولدن" المتخرج من الجامعة نفسها، زعم فيه أن دخول جاريد وشقيقه أيضا إلى هارفارد جاء نتاج تبرع والده بالمبلغ المذكور.
وفي عام 2007 تخرج كذلك من جامعة نيويورك في الدراسات العليا بمجال القانون وإدارة الأعمال.
ومن ثم تزوج من نجلة ترمب المطور العقاري أيضا، في عام 2009 بعد أن اعتنقت الديانة اليهودية، وأنجبا من الأبناء، أرابيلا (5 سنوات) وجوزيف (3 سنوات) وثيودور (8 أشهر).
كيف بنى ثروته؟
يعمل كوشنر الابن في مجال العقارات وقد كوّن ثروة قدرها 20 مليون دولار وهو لا يزال طالبا جامعيا بهارفارد، حيث كان يشتري ويبيع المباني في المنطقة بهدف التسلية.
وفي عام 2006 اشترى صحيفة "نيويورك أوبزيرفر" بمبلغ 10 ملايين دولار، موظفا بعض من الأموال التي ادخرها في السنين السابقة، وقد كانت واحدة من وسائل الإعلام القليلة التي وقفت بجانب ترمب في الحملات الانتخابية.
وقد كسب شهرة واسعة بعد أن قام بشراء مبنى للمكاتب في حي 666 وهو في سن الـ 26 وكان ذلك في عام 2007 وقدرت الصفقة بحوالي 1.8 مليار دولار.
وفي عام 2012 حاول شراء فريق البيسبول في لوس أنجلوس، لكنه انسحب في الوقت الأخير.
والآن هو المالك الرئيسي لعقارات كوشنر، وهو الدور الذي اضطلع به منذ عام 2008 عندما كان والده الذي اتهم بالتهرب الضريبي ورشاوى، قد نظم حملة تبرعات غير قانونية، قضى بسببها سنوات وراء القضبان.
وبحسب "هوليوود تيك" فإن صافي ثروته يقدر حاليا بـ200 مليون دولار.
دوره في المرحلة السابقة
رغم أن كوشنر ينتمي لعائلة عرفت بتأييد الحزب الديمقراطي، إلا أنه وقف بجوار نسيبه ترمب، وأنفق من حر ماله ما لا يقل عن 100 ألف دولار في الحملات الانتخابية للمرشح الجمهوري.
كما أن كوشنر وطوال الحملة الانتخابية كان مشرفا على النواحي التقنية، حيث تولى مسؤولية مباشرة على وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في الترويج لوالد زوجته.
كذلك قام بتدبيج وكتابة عدد من خطابات ترمب، وتنظيم زيارات منسقة، كما تولى تصميم خطة انتقال الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض.
ويبدو أن الدور الأخير جعله أهلا للثقة بنظر ترمب في إمكانية الاستمرار في الدور نفسه، في شؤون البيت الأبيض ليصبح كبير المستشارين، برغم تحذيرات كالتي أطلقها الرئيس أوباما وهو ينبه ترمب بألا يقحم الأمور العائلية في الحكم والسياسة.
المتدخل الهادئ!
أطلقت صحيفة "نيويورك تايمز" لقب "المتدخل الهادئ في حملة ترمب" على كوشنر الابن، خاصة بعد أن قام ترمب بطرد مدير حملته "كوري ليواندوسكي" في يونيو 2016، ويبدو أن هذا التأثير الخفي لكوشنر قد استمر.
ففي الوقت الذي كان فيه ترمب يتحدث مع أوباما في البيت الأبيض بعد يومين من فوز ترمب بالرئاسة، فقد التقطت الكاميرات في اللحظات نفسها كوشنر، وهو يتحدث مع رئيس موظفي أوباما وذلك بالحديقة الجنوبية من البيت الأبيض.
كذلك شغل السوشيال ميديا بعد أن ظهر هو وإيفانكا مع ترمب في لقاء رسمي مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، بعد أقل من أسبوعين من فوز ترمب.
وصحب تلك الأحداث الدامغة التكهن المستمر، والأسئلة: هل سيقوم ترمب باصطحاب كوشنر معه إلى البيت الأبيض؟! وكان هناك من يرى أن ذلك صعبا من النواحي القانونية.
ومع المنصب الجديد والرسمي يبدو أن كوشنر يدخل البيت الرئاسي بكل قوة.
المرحلة المقبلة
يكمن الدور الرئيسي الذي سيضطلع به كوشنر في أمرين هما المسائل التجارية والشرق الأوسط، والملف الأخير كان مطروحا بقوة منذ البداية، منذ أن كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" بعد فوز ترمب، عن دور محتمل لكوشنر في سلام الشرق الأوسط، وقد أكده ترمب نفسه تلميحا بقوله في مقابلة مع "نيويورك تايمز" إن زوج ابنته قد يلعب دورا حتى لو كان غير ملحوظ في محاولة إحلال السلام في الشرق الأوسط. وبتولي كبير المستشارين فهو يقترب من هذا الدور بطريقة أو بأخرى حتى لو لم يعين مباشرة.
وكان جدل قد ثار في الوسائط الأميركية حول أهلية كوشنر لهذا المنصب الجديد قانونيا، وهل ينتهك قانون مكافحة المحسوبية بالولايات المتحدة، وجاءت الإجابة بحسب مختصين بأن هذا المنصب عكس مناصب أخرى لا يتطلب موافقة مجلس الشيوخ الأميركي، كذلك فهو سيكون بلا راتب.
وتطرح الآن أسئلة بخصوص وضعية التجارة والأعمال والمحافظ المالية لكوشنر وزوجته، إذ سيكون عليهما الانتقال من نيويورك إلى واشنطن. وكيف سيكون للطرفين أن يوفقا ما بين السياسة والتجارة بحيث لا يخل ذلك بالنواحي القانونية.
علاقته مع إسرائيل
فيما يتعلق بمسائل الشرق الأوسط فإن الملف الفلسطيني – الإسرائيلي هو الأوضح بلا منازع، وهنا يمكن الإشارة إلى صداقة جاريد مع رئيس بلدية القدس، لكنه لا يلتق به إلا في أميركا.
وقد حاول كوشنر الابن ذات مرة شراء شركة تأمين إسرائيلية، كما أن اسمي والديه مكتوبان على مستشفى مهم في القدس.
وقد سبق لترمب أن صرح بأن كوشنر الابن "يعرف المنطقة جيدا ويعرف الناس، ويعرف طرفي النزاع". وهو ما شكك فيه بعض الناس، إذ ليس من المعقول أنه يعرف الشرق الأوسط وفلسطين كما يعرفها جهابذة المفاوضات في الماضي.
لكن المسؤولين الإسرائيليين لاسيما المقربون من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ينظرون إلى كوشنر بتفاؤل وبوصفه حليفا لهم، وسبق لسفير إسرائيل في واشنطن رون ديرمر الذي تربطه علاقة وثيقة بكوشنر، أن صرح قائلا: "لا مجال للشك إنه يشعر – أي كوشنر - بالتزام نحو أمن إسرائيل ومستقبلها".
لكن رغم ذلك فلا تبدو علاقة كوشنر بإسرائيل واضحة، كما والده اليهودي بالتحديد، فكوشنر الابن ليست له روابط واضحة مع رجال الأعمال في إسرائيل، ولا يعرف نتنياهو إلا عابرا ومنذ طفولته عن طريق والده، حيث أن كوشنر الأب له أعمال عقارية في إسرائيل.
هل سيكون مفيداً في صنع السلام؟
أدى كوشنر دور الوسيط بين ترمب وشخصيات إسرائيلية مهمة مثل نتنياهو وغيره، وقد توسط في لقاء نتنياهو وترمب في سبتمبر الماضي أثناء الحملات الانتخابية، بل حضر اللقاء.
وبحسب مارتن بيرتس المالك السابق ومحرر صحيفة "نيو رببليك" الذي عاصر جاريد في هارفاد فإن كوشنر "مفكر استراتيجي".
وتابع: "إنه يعرف المنطقة أكثر من أوباما وجون كيري"، لكن لا يمكن أن يقارن قطعا بمخضرم مثل دينس روس!
غير أن أحد مستشاري ترمب قلل من الأمر وقال إن كوشنر قد يكون - ببساطة - واحدا من عدة مستشارين في الشرق الأوسط.
لكن في مقابل ذلك فإنه يتوقع أن تزيد زيارات كوشنر لإسرائيل، خاصة مع المنصب المكلف به، وحيث إن عددا من المحيطين بترمب لديهم قناعة بأن كوشنر سيكون له رأي مهم في الأمور المتعلقة بالعلاقة مع إسرائيل.
الأصول اليهودية
يعود جاريد إلى عائلة نجت من المحرقة وبالتحديد جده الأكبر كوشنر، وقد نشأ في بيت يهودي ملتزم، في نيوجيرسي، كما درس في مدرسة يهودية في الصغر.
بل كان سببا في تحوّل إيفانكا للديانة اليهودية بعد زواجهما وهذا يدلل على ارتباطه القوي بالدين اليهودي.
وقد زار جاريد إسرائيل في عام 2014 عندما حاول شراء حوالي نصف أسهم شركة "فينيكس هولدنغز" للتأمين، وقد وقع فعليا مذكرة وإن كانت غير ملزمة "تفاهم" لشراء 47% من الشركة من مجموعة "ديدليك غروب" بمبلغ 434 مليون دولار، وحالت متطلبات تنظيمية دون إكمال الصفقة.
وكانت الزيارة بدعوة من صديقه "شلومو غروفمان"، الذي يعمل في مجال تطوير العقارات، وكان يسعى لشراكة مع كوشنر، ودعاه لهذا السبب لإسرائيل.
وأثناء تلك الزيارة كانت الحرب بغزة في أوجها، وكانت أنباؤها ترد إيفانكا التي أبدت خوفا على زوجها مع سماع أخبار سقوط صواريخ على إسرائيل، وبحسب صحيفة "يديعوت أحرنوت" في مقابلة مع كوشنر فقد قالت له: "ماذا تفعل بحق الجحيم؟".
وفي العام نفسه 2014 سافر والدا كوشنر إلى القدس لإهداء 11.5 فدانا لمستشفى "شار زيديك"، كما وعدا بمبلغ 20 مليون دولار للمستشفى، وقد كانت والدته عضوا في لجنة تدعم المستشفى نفسه من أميركا.
ويشارك والده كذلك في صندوق استثمار عقاري أميركي إسرائيلي مشترك منذ 10 سنوات، ويؤكد ذلك السفير الإسرائيلي السابق لأمريكا وأحد مؤسسي ذلك الصندوق "زلمان شوفال" بقوله: "إن العائلة تشارك في أنشطة كثيرة متعلقة بإسرائيل".
العربية نت