رام الله الإخباري
تشكل نهاية سنة التقويم الغربي للكثير من الناس وقتاً للتفكير في الأشهر الاثني عشر التي انقضت، وانتظار ما ستسفر عنه أيام السنة المقبلة. وتشكل قرارات السنة الجديدة وترديد أغنية "نشيد الوداع" جزءا من عملية وضع السنة الماضية خلفنا والأمل في مستقبل أفضل.
مع ذلك، أصبح تحقيق مثل هذا المستقبل الأفضل في الشرق الأوسط ضرباً من الخيال. فإذا كنت من بين ملايين العائلات المشردة واللاجئة في المنطقة، فقد كانت 2016 سنة رهيبة، وربما تكون السنة المقبلة أسوأ -ولا شك أن هذا الواقع يقول شيئاً.
الأرقام مذهلة. وتقدر وكالات الإغاثة الدولية أن هناك 4 ملايين عائلة نازحة في العراق. ومن يعرف كم من الأسر الجديدة سوف تنضم إليها بينما يستعر أوار المعركة من أجل الموصل؟ وفي حين عرض تنظيم "داعش" علامات على إصابته بالأضرار جراء الهجوم الذي يشنه مزيج من القوات العراقية النظامية، والميليشيات الكردية والشيعية، فإنها ليست هناك علامات على أن التنظيم الإرهابي سيذهب في أي وقت قريب.
والأسوأ من ذلك، هو أن العائلات النازحة تواجه احتمال العنف من كلا الطرفين، اللذين لا ينظران إلى أفرادها غالباً كأناس باحثين عن ملجأ، وإنما كأفراد غير موالين بما يكفي لطائفتهم الدينية أو قضيتهم الفصائلية الخاصة.
في اليمن، تسبب القتال بين ميليشيات الثوار الحوثيين وبين قوات الحكومة اليمنية التي تدعمها السعودية، في نزوح 3 ملايين عائلة، وحاجة 14 مليون إنسان آخرين إلى المساعدة العاجلة، وخاصة المواد الغذائية. ويتعرض مئات الآلاف من الأطفال تحت سن الخامسة إلى خطر الموت جوعاً. وكان إسماعيل ولد شيخ أحمد، المبعوث الخاص للأمم المتحدة، قد قال إن البلد أصبح يترنح الآن على "حافة الهاوية".
للأسف، لا يبدو أن هناك الكثير من الفرصة لحلول السلام قريباً هناك أيضاً، على الرغم من الجهود الدولية المتكررة. وفي الأثناء، استفاد تنظيم القاعدة من القتال الدائر للاستيلاء على أجزاء من جنوب اليمن.
ومع ذلك، ليس هناك مكان تبدو فيه "الهاوية" أكثر رداءة مما هي عليه في سورية. ويبدو الوضع هناك أكثر شبهاً بتحقق اللوحة التي رسمها هيرونيموس بوش عن الجحيم قبل قرن من الآن. وقد شردت الحرب الطويلة هناك 4.8 ملايين عائلة في داخلياً سورية نفسها، و6.8 ملايين عائلة أخرى أصبح أفرادها لاجئين هاربين من العنف الذي لا ينتهي بحثاً عن الأمان في الخارج.
جلبت جهود هؤلاء الأفراد للحصول على الأمان في الخارج سلسلة من العواقب غير المقصودة. وساعدت ردة الفعل العنيفة من أوروبا والولايات المتحدة ضد اللاجئين في انتخاب سلسلة من القادة المعادين للمسلمين، والذين صوروا الناس اليائسين الهاربين من العنف على أنهم موجة من الإرهابيين المحتملين، المصممين على تدمير الغرب. وعنت هذه العاطفة لجوء العديد من الدول الغربية إلى إغلاق حدودها أمام اللاجئين الآخرين -أو عملها على إغلاق هذه الحدود في وقت قريب.
وهكذا، يصبح سؤال العام 2017 هو: إلى أين يذهب هؤلاء اللاجئون؟ لقد أصبحت الدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان وتركيا، تعاني مسبقاً من ضغط الملايين من الأسر المشردة واللاجئين. والمساعدة الدولية لا تأتي سريعاً. وقد عمدت تركيا، نتيجة الشعور بالألم من رد الفعل الغربي على محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو)، إلى التهديد بالانسحاب مما كان اتفاقاً غير فعال إلى حد كبير مع الاتحاد الأوروبي لاستيعاب اللاجئين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر. وربما يضع هذا الموقف مبلغ 60 مليار دولار من المساعدات التي وعد بها الاتحاد الأوروبي تحت الخطر.
يبدو أنه ليس هناك ضوء يلوح في الأفق لتخفيف هذا الجبل من المشاكل. وربما يبقى تدفق الناس عبر المنطقة مستمراً للكثير من السنوات المقبلة. وسوف يستمر الناس اليائسون الساعون إلى إنقاذ عائلاتهم في الهرب من القتال، وسوف يستمر الكثيرون منهم في المخاطرة بكل شيء من أجل محاولة العبور الخطِر عن طريق البر أو البحر، بحثاً عن حياة جديدة.
إذا كان يراد لهذا الوضع في المنطقة أن يصبح أفضل، فإنه سيتطلب جهداً من المجتمع الدولي بأسره لحله. ولسوء الحظ، ربما يأتي هذا الجهد بعد كثير من السنوات في المستقبل، تاركاً ملايين الناس في واقعين في إسار "ليمبو" جهنمي.
ترجمة صحيفة الغد