ديختر يكشف ...هكذا عثرت اسرائيل على "يحيى عياش "

يحيى عياش

رام الله الإخباري

 تحدث آفي دختر رئيس الشاباك السابق ورئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست حاليا الى "الجيروساليم بوست"العبرية  حول فوز ترامب، وجود روسيا في سوريا، والوسيلة الصحيحة لمحاربة الارهاب كما تحدث بالتفصيل عن اغتيال الشهيد يحيى عياش .

وابتدأ ديختر حديثه بالقول:" كان الاختراق الاول عام 1995. حيث اشارت معلومة جديدة حصل عليها الشاباك الى احتمال ان يحيى عياس قد توقف عن صنع القنابل وانه في الطريق من شمال الضفة الغربية نحو قطاع غزة.

احد مؤسسي كتائب القسام كان المطلوب رقم 1 لاسرائيل وكانت كل امكانات الشين بيت مسخرة للقبض عليه او اصطياده.  لم تكن اسرائيل قد ذاقت سوى الطعم الاول للعمليات التفجيرية، وكانت يد يحيى عياش الملقب بـ"المهندس" ظاهرة في اغلبها.

فعياش هو الذي زور سيارة فولكسفاغن التي تفجرت قرب مستوطنة بيت ايل عام 1993، وهو الذي زور سيارة الاوبل التي تفجرت في العفولة وقتلت ثمانية اسرائيليين عام 1994 وفي كل الهجمات التي خطط لها قتل 80 اسرائيليا وجرح حوالي 400.

لكن عندما وصل عياش الى غزة اختفى، وفي حركة غير عادية قرر آفي دختر- مسؤول الشاباك في المنطقة الجنوبية آنذاك-  السماح لزوجة عياش الذهاب الى غزة من الضفة الغربية. بعد اشهر اكتشف الشاباك انها حامل، وهذا اكد ان المهندس موجود في مكان ما داخل مخيمات غزة المكتظة. 

انسحبت اسرائيل من اجزاء من القطاع وفقا لاتفاق اوسلو عام 1994، وفيما ابقت على قواتها في مستوطنات غوش قطفيف، كان من الصعب الحصول على معلومات استخبارية، فالمصادر الاستخبارية باتت محدودة. ومع هذا استطاع دختر ورجاله ان يمسكوا بطرف خيط حوله بعد اسابيع ونجحوا في التسلل الى الدائرة الداخلية من رجال حماس الذين يحيطون به.

وعلم الشاباك من مخبرين ان عياش يتكلم كل جمعة عبر الهاتف مع والده الذي يعيش في الضفة ، ولهذا استغل الشين بيت مخبريه وعملائه لايصال هاتف خليوي الى بيت يتردد عياش على زيارته في بيت لاهيا. فليس سهلا ادخال هاتف خليوي الى غزة والى الدائرة الصغرى حول عياش دون ان يشك احد بشيء، لكن ديختر نجح.

كانت المخاطر عالية، اذا اكتشف او القي القبض على احد العملاء الذين هربوا جهاز الهاتف، فعياش سيزيد من تحوطات اختفائه، الان بات تحت نظر اسرائيل، ويجب الوصول اليه. وقادت المشاورات مع الجيش الى قرار يقضي باستبعاد مداهمة لاعتقاله، وبينما كان الشين بيت يفضل اعتقاله حيا واستجوابه، كان التفكير بعملية برية  من بعيد ، لكن هذا استبعد ايضا لانه ربما ينجح في الهرب. كان هناك خيار وحيد هو قتله. ولكن كيف؟

اخذ احتمال ضربة جوية لكن ذلك اخرج ايضا من القائمة، فقد كان البيت شقة في عمارة كبيرة بها العديد من المدنيين.  وهنا فان للضربة نتائج غير مناسبة. هنا تذكر الشين بيت الهاتف الخليوي.

اذا كان بامكانهم استعادة الهاتف الى اسرائيل، وشحنه بكمية صغيرة من المتفجرات، وتسليمه لعياش بعدها لاستخدامه هنا يستطيعون قتله على الاغلب، هنا برزت اكثر من "اذا"، ولكن كان هناك ايضا العقبة التكنولوجية-  كان الهاتف من نوع متورولا  القديم والذي كان  على شكل دفتر، وعملية شحنه بالمتفجرات الكافية مع بقاء الجهاز عاملا يمكن ان تكون صعبة. بعض ضباط الشين بيت اقترحوا تهريب جهاز فاكس مفخخ الى البيت، وان الانفجار كما يقول خبراء الشين بيت سيقتل فقط من يتواجدون في غرفة الفاكس. المشكلة انه كان هناك اطفال في البيت، ولا طريقة لمعرفة ان كانوا في الغرفة ام لا في لحظة الاغتيال.

استطاع ديختر ان يستعيد الهاتف الى اسرائيل وحملوه الى رئاسة الشين بيت، هناك استطاعوا ان يزرعوا 50 غراما من المتفجرات داخله، هذا كاف قال الخبراء، انه كاف لتفجير رأسه اذا وضع الهاتف على اذنه. بعد ايام جمع عدة وبعد ان اعيد تهريب الهاتف الى غزة، هاتف والد عياش يحيى، كان الشين بيت يتنصت على المكالمة وبينما كان يمكن التحكم بالصاعق من مركز الشين بيت، حيث اوقف عملية التفجير طيرت طائرة فوق غزة لتكون نقطة البدالة في البث.

وعندما استمع ضباط الشين بيت الى بداية المكالمة، كان شغلهم الشاغل التبين ان عياش هو الذي يتكلم، وبعدها يضغط اصبع آخر على الصاعق. وبعد لحظات من التوتر، استطاع احد الضباط تبيان الصوت وقال "عياش" واعطى الاشارة.

قام ضابط آخر بالضغط على الزر لكن لم يحدث شيئا، ضغط مرة اخرى بقوة اكثر لكن شيئا لم يحدث ايضا. لقد ضغط الشين بيت الزر 3 مرات ذاك الجمعة، لكن خطأ ما حصل. مكث ديختر وفريقه في الشين بيت طوال السبت، محاولين تحديد مصدر الخطأ، بعد ايام استطاعوا الحصول على الهاتف مرة ثانية ، ورغم خطورة فتح هاتف مفخخ، قاموا بقتحه ليجدوا ان احد اسلاك الصاعق كان غير موصول.

في الخامس من كانون ثاني 1995 ، رد عياش على مكالمة عبر الهاتف، وعندما ضغط ضابط الشين بيت الزر، انطفأ الكلام وساد الصمت، في البداية لم يفهم لماذا حصل ذلك. لكن ضابطا آخر ذكرة بان كل ما جرى هو ان الهاتف انفجر.

بعد 21 عاما تستمر قصة عملية اغتيال عياش في التفاعل في اسرائيل وقطاع غزة. ليس لانها احدى اول الامثلة على كيفية تعامل اسرائيل مع الانتحاريين، ولكن بسبب المهارات التي ظهرت لدى الجيش والشين بيت في خدمة البلاد اليوم في حربها غير المنتهية على الارهاب.

  ويقول مراسل الجيروزالم بوست "التقيت مع ديختر هذا الاسبوع في محادثة مطولة عن الارهاب، المنطقة، والمصالح الاستراتيجية لاسرائيل في عهد دونالد ترامب. كان اللقاء عبارة عن سياحة مشتركة في الشرق الاوسط وعن حياة ديختر.  في الثامنة عشرة التحق بالجيش وخدم في وحدة الاركان وكان قائده نتنياهو، بينما كان باراك قائد وحدته". بعد تسريحه من الجيش التحق بالشين بيت وارتقى في درجاته حتى صار رئيسه عام 2000،  بعد استقالته من الشين بيت عام 2005  دخل عالم السياسة كعضو في حزب كاديما ثم كعضو في الليكود.

بعد نجاحه في الانتخابات العام الماضي عين رئيسا للجنة الخارجية والامن في الكنيست وهي اهم لجنة، وهذا يعطيه امكانية الوصول الى مؤسسة الدفاع ولهيئات الاستخبارات الاسرائيلية المختلفة، كما انه غالبا ما يلتقي وفودا اجنبية . ففي الاسبوع الماضي فقط  استقبل نائب رئيس الوزراء البلجيكي ووزير الخارجية الروماني، واعضاء كبار في لجنة الخارجية في البرلمان التشيكي.

يرى ديختر انه يمكن هزيمة الارهاب. فحينما كان رئيسا للشين بيت قال: " ان الارهاب هو كالبرميل الذي له قعر" ويعني بذلك ان له نهاية، وفيما يتبدد الارهاب  خلال السنين الماضية فانه لم يختف، ورغم ذلك لا زال ديختر على قناعته بانه سينتهي. وكي يحصل ذلك فان على اسرائيل او غيرها من الدول ان لا تتوقف عن محاربته، انها معركة ثابتة لا تنتهي.

يقول ديختر: " الارهاب هو كسياقة جيب في الرمل، اسوأ شيء تفعله ان تقف وانت تغرق، يجب ان تبقى سائقا، وهذا ينطبق على مقاومة الارهاب، انك لا تستطيع ان تتوقف".

ويضيف: "نفس الشيء ينطبق على بقية العالم الذي لم يستدخل بعد كيف تكون المعركة مع الارهاب". فعندما تقول الدول الاوروبية انها تراقب مواطنيها العائدين من سوريا والعراق، فانها تخطيء.

كما يقول: "ان استخدام كلمة " مراقبة" هي هذر، الارهاب يهاجم دون تحذير، فالانتحاريون لدينا كانوا يجندون قبل ساعات او ايام دون اعداد".

كما انه خائب من قول بعض الدول انه من الصعب اعتقال 1000 او حتى بضع مئات من الارهابيين ، فاسرائيل تعتقل 8000 مشتبه بالارهاب خلال 3 سنوات من عملية السور الواقي عام 2002.

" لا تخافوا من الارقام، يمكن ان تبنوا سجنا يتسع لخمسة او عشرة آلاف او حتى 50 الف. فاذا كان الارهابيون خارج السجن فان احتمالية تنفيذهم لاعمال ارهابية يزيد. ان اسم اللعبة هي الاعتقال.

ان اول افضل الخيارات هو الاعتقال، والثاني هو القتل، اذا لم تكن تريد معلومات من الجثة". هكذا يقول ديختر. اصطياد ثابت للارهابيين، يدفع المطلوبين  الى قلب كل نظام حياتهم. " هذا ما فعلناه في عملية السور الواقي، فحتى ذلك الوقت كان الارهابيون يقضون 95% من وقتهم في التحضير للارهاب بينما يقضون 5% للاختباء، عملية السور الواقي عكست المعادلة.

كرئيس للجنة الخارجية والامن يتلقى ديختر بانتظام تقارير عن  اهم القضايا الامنية والدبلوماسية الاسرائيلية. انه يترأس ايضا اللجنة الفرعية للاستخبارات، والتي تتطلب طبقة اخرى من الشفافية الامنية، والتي يتمتع بها منذ كان رئيسا للشين بيت.

بهذا استطاع ان يعرف عن المحادثات الجارية حول صفقة الغواصات والتي ربما يرأسها ديفيد شمرون، الذي هو المستشار القضائي لنتنياهو، وقريبه وموثوقه. يقول ديختر ان صفقة الغواصات قد قدمت قبل شهور للجنته، حيث نوقشت واقرت. انه شخصيا يدعم الصفقة، لان الغواصات لها عمر افتراضي يقرب من ثلاثين عاما، وان هناك ست غواصات ستخرج من الخدمة في الاسطول  بعدعام 2020. وستصل الغواصات الجديدة بين 2026-2030، فانتاجها يستغرق عشرة اعوام.

يضيف ديختر عاملا آخر للمعادلة هو ان انجيلا ميريكل قد وضعت تقوية العلاقات والتحالف مع اسرائيل ضمن اولوياتها. ويقول: " ان حقيقة ان ميركيل موجودة في الحكم، تدفع بقوة نحو عقد الصفقة الان. مشيرا الى الدعم الذي ستقدمه المانيا بنسبة 30%. ويقول انهم في اللجنة لم ينظروا الى عملية ابرام الصفقة ، واذا كان هناك من يفكر ان هناك مشاكل اخلاقية او جرمية فهناك طرق اخرى للنظر فيها.

لكن ديختر قلق عندما ينظر  الى المنطقة اليوم، انه قلق من ان انتخاب ترامب وارتباطه بوجود روسيا في سوريا، ربما يخلق تداعيات طويلة المدى لاسرائيل، وهذا ليس كله ايجابيا. " الروس جاءوا ليبقوا، انهم لم يبنوا ما بنوه ليغادروا، انهم على طول الساحل الغربي، وهم يمتدون الى مناطق اخرى لكنهم لا يبنون قواعد فيها، لا يريدون التورط كما حصل في افغانستان".

ويرى ديختر ان ترامب وبوتين يمكن ان يقررا معا بشأن ذلك، وذلك بسبب ما يجري من اضطراب في المنطقة ، لقد حان الوقت لرسم الحدود، واعادة تشكيل الدول حولنا.

وهنا يمكن ان يأتوا لاسرائيل ويقولوا: " هذا هو الحل اما ان تأخذوه او تتركوه". " نحن على بعد قرن من سايكس بيكو، وانا اسأل نفسي اذا كنا ذاهبين الى سايكس بيكو القرن الحادي والعشرين مع بوتين وترامب.

لدينا قائدين قويين يقودان دولتين عظميين ولهما علاقات بالمنطقة ، يجب ان نتأكد ان لا شيء سيئا سينمو الى جوارنا، وان لا نجد انفسنا في عام واحد او اثنين  او ثلاثة امام عملية اعادة ترسيم للحدود، نريد ان نكون على رأس القائمة ونراقب ما يحدث. اذا قرر بوتين وترامب انه " كفى" يجب ان نضمن ان الحل الذي يقدمانه لا يأتي على حسابنا"، يعني ذلك عمليا بناء على دختر  ان اسرائيل لا تستطيع المقامرة بأمنها من خلال الانسحاب مثلا من اماكن استراتيجية مثل غور الاردن ومرتفعات الجولان.

 " ان النقاش حول غور الاردن انتهى" يقول ديختر، " نحتاج لان نفهم ان ما حصل خلال السنوات الست الماضية – هزة ارضية عربية لم يكن احد يتوقعها-  يعني اننا لا يمكن ان نخاطر بأشياء تحط من قدرتنا على الاستعداد للمفاجآت ولسيناريوهات تلوح في الافق".

 

وطن للأنباء