قال رئيس الوزراء رامي الحمد الله: "إن بلادنا تواجه بالإضافة إلى تأثيرات التغير المناخي، تداعيات وتبعات الاحتلال الإسرائيلي العسكري، التي أنهكت، وانتهكت البيئة الفلسطينية، بكافة مكوناتها وعناصرها، في إطار سياسة ممنهجة للسيطرة على المصادر الطبيعية الفلسطينية، والاستيلاء على الأراضي، لصالح بناء الجدار، وتوسيع الاستيطان، والمناطق العسكرية المغلقة".
جاء ذلك خلال مشاركته بالإنابة عن الرئيس محمود عباس في أعمال مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ في المغرب.
وأوضح أن قوات الاحتلال تمعن في تدمير، وتقطيع الأحراش، والغابات، والمحميات الطبيعية، والحقول الزراعية، وحرق واقتلاع ملايين الأشجار الحرجية والمثمرة، خاصة أشجار الزيتون المعمرة، هذا بالإضافة إلى منع جهود التنمية والاستثمار في حوالي 64% من مساحة الضفة الغربية هي المناطق المسماة "ج".
وأضاف الحمد الله: "ألحق العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، دمارا هائلا في البنية التحتية، وبمصادر الطاقة، والمياه، والأراضي الزراعية، ما فاقم بالتالي معدلات التلوث الذي لا يقتصر أثره على قطاع غزة، بل له آثار بيئية مستقبلية قد تشمل الإقليم بأكمله"، وأدى كل ذلك إلى قحط وإزالة الغطاء النباتي الطبيعي البيئي، بما يحتويه من نظم ايكولوجية وحيوية، وأثر على أهم قطاعين تنمويين، هما المياه والطاقة".
وأردف: "تأتي هذه القمة في العام الأول من عمر اتفاقية باريس، التي كانت فلسطين من أوائل الدول التي وقعت وصادقت عليها، تعبيرا عن التزامنا الجاد بالقضايا الكونية التي تجمعنا، وتهمنا جميعا، وهو ما أكدناه وكرسناه، بحضورنا وتفاعلنا في كافة المحافل والمؤتمرات الدولية، منذ قمة الأرض في ريو عام 1992، وهو التوجه الذي توج بتوقيع ومصادقة سيادته في 22 نيسان الماضي على اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ".
وقال: "نفخر بأننا الدولة 196 التي وقعت على اتفاقية تغير المناخ، وبأننا نشارككم هذا الحدث الهام، ويرفرف علم دولتنا عاليا هنا بين أعلام الدول المشاركة فيه، وهو ما يعد بحد ذاته إنجازا سياسيا، يترجم إصرارنا على أن نأخذ مكاننا الطبيعي والطليعي بين شعوب العالم"، مشيرا إلى أن اجتماع اليوم جاء لوضع الخطط العملية، والآليات الفاعلة، للتصدي معا للتحديات الكبرى التي تواجهها حكومات، وشعوب العالم، نتيجة التبعات الخطيرة الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي، والتي لم تكن العديد من الدول المتأثرة بها من أسبابها، كما هو الوضع في دولة فلسطين".
واستطرد رئيس الوزراء: "لقد مررنا بالكثير من التحديات، وقطعنا الأشواط للوصول إلى اتفاقية باريس، فمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، إلى بروتوكول "كيوتو"، وخريطة الطريق في بالي، واتفاقية "كانكون"، ومنهاج عمل ديربان للعمل المعزز، إلى بوابة الدوحة للمناخ، ومخرجات وارسو، ومن ثم دعوة ليما للعمل، وصولا إلى خطة التنمية المستدامة 2030، التي تعتبر مظلة التنمية الأكثر شمولية، وهي التي تعاهدنا فيها جميعا على حماية الأرض من التدهور، من خلال اعتماد الخطط واستراتيجيات العمل اللازمة لإنقاذها، ومنها نهج الإنتاج والاستهلاك المستدام، وإدارة الموارد المتاحة بصورة مستدامة، واتخاذ إجراءات فاعلة لحماية مستقبل البيئة وضمان تلبية ومواءمة احتياجات الأجيال المتعاقبة".
وتابع، "في الرابع من الشهر الجاري، دخلت اتفاقية باريس حيز النفاذ بعد ثلاثين يوما من توقيع ومصادقة ما لا يقل عن خمس وخمسين دولة تنتج 55% من غازات الدفيئة، ما يشكل بوابة الأمل، خاصة للدول والشعوب الجزرية والمدن الساحلية التي يتهددها بشكل مباشر، وخطير ارتفاع درجات الحرارة"، مشددا على ضرورة الالتزام والعمل الجاد لتنفيذ ما أجمعنا عليه في اتفاقية باريس، فالتهديدات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة بصورة مطردة، هي تهديدات كلية وشاملة، لا تخص دولة بعينها، ولا تستثني في الوقت ذاته أية دولة".
وقال"لقد كانت مشاركة الرئيس في مؤتمر الأطراف الواحد والعشرين كانون الأول الماضي، وتوقيعه ومصادقته على اتفاقية باريس، رسالة واضحة للمجتمع الدولي حول خطورة ظاهرة تغير المناخ وآثارها على الشعب الفلسطيني، الذي يعاني أشد المعاناة من تبعات هذا التغير المناخي".
وبين أن دولة فلسطين، هي دولة غير صناعية، بحكم رزوحها تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود متصلة من الزمن، فإن هناك كميات كبيرة من الانبعاثات الغازية والملوثات الكيماوية تطلقها مصانع المستوطنات الإسرائيلية إليها، حيث قامت دولة الاحتلال بنقل عشرات المصانع من داخل إسرائيل إلى المستوطنات المقامة على أراضينا، ليستفيد المستثمرون من انخفاض الضرائب ومن باقي الحوافز التي تقدمها حكومة الاحتلال، وتتعمد من خلال ذلك تلويث البيئة والأجواء الفلسطينية".
وتابع الحمد الله: "انبعاثات المواطن الفلسطيني السنوية تبلغ نصف طن من ثاني أكسيد الكربون، وعليه فإن كل ما تنتجه فلسطين من انبعاثات لا تساوي ما تنتجه منطقة استيطانية صناعية واحدة من تلك التي أقامتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية بطريقة غير مشروعة"، مشيرا إلى أن الحكومة الفلسطينية اعتمدت سياستي التكيف والتخفيف، ففي مجال المياه تم العمل على التوسع في تجميع وتخزين مياه الأمطار، وإعادة استخدام المياه العادمة، وتعزيز كفاءة استخدام المياه المتاحة، وتشجيع التخضير، وزراعة الأشجار الحرجية، والغابات، والمصائد المائية.
وأوضح أن الجهود مستمرة لزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، خاصة الشمسية، وقد تم إقرار قانون خاص لتنظيم وتشجيع الاستثمار في قطاع الطاقة المتجددة، مشيرا إلى أنه تم التنفيذ بدعم وتعاون من الجهات المانحة حوالي 15 مشروعا في مجال الطاقة الشمسية، كما أفردنا قسما كبيرا من الخطة الوطنية للأعوام (2017-2022) والاستراتيجيات القطاعية، لمواضيع تغير المناخ وإدماج البيئة، ولاستراتيجيات التكيف والتخفيف".
ونوه الحمد الله إلى "أن حماية البيئة تشكل بالنسبة لنا، أولوية وطنية عليا، لارتباطها بالأرض ومستقبلها ومصادرها الطبيعية، بل وبمستقبل شعبنا وبحقه في العيش الكريم في رحابها، ولهذا، اعتبرت الحكومة استدامة البيئة، واحدة من الأولويات السياساتية الوطنية، وانضمت بلادنا لشبكة واسعة ومتنامية من الاتفاقيات البيئية الهامة، وشكلنا اللجنة الوطنية لتغير المناخ، وقمنا بإعداد البلاغ الوطني الأول لدولة فلسطين، والذي سيتم رفعه لأمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية"، موضحا أنه تم اعداد خطة وطنية استراتيجية للتكيف مع تغير المناخ، تستهدف 12 قطاعا تنمويا، بكلفة تقديرية تصل إلى ثلاثة ونصف مليار دولار، لمدة عشر سنوات، معربا عن أمله الحصول عليها من الصناديق متعددة الأطراف ذات العلاقة، وتزويدنا بالخبرات، والدعم المالي، والتكنولوجي اللازم لتنفيذ هذه الخطط، وإنقاذ مستقبل البيئة الفلسطينية، ونجدة أبناء شعبنا".
كما ناشد المجتمع الدولي، وقادة ورؤساء دول العالم، إدراك أهمية دعم ومساندة دولة فلسطين في التصدي لتغير المناخ، وتبعاته الخطيرة على مسيرة التنمية المستدامة فيها.
وقال رئيس الوزراء: "لقد بدأنا أيضا بتنفيذ برنامج وطني شامل يهدف لرفع القدرات الفلسطينية في التعامل مع تغير المناخ، ضمن برنامج مكثف لعدة سنوات، ونعمل أيضا على إجراء التعديلات القانونية اللازمة، كما قامت الحكومة، بإعداد خطة لتوطين ودمج أهداف التنمية المستدامة، وفي صلبها، موضوع تغير المناخ، مع الخطط القطاعية وعبر القطاعية الوطنية. وتنفيذا لقرارات مؤتمر سنداو لعام 2015، عمدنا إلى تطوير الإطار القانوني والمؤسسي، وبلورة الإجراءات لتطبيق الأنظمة الخاصة للحد من مخاطر الكوارث في فلسطين".
وأضاف: "لقد اتخذت الحكومة كل هذه الخطوات والإجراءات لحماية الأرض والبيئة، انسجاما مع الأجندات العالمية لمعالجة التحديات التي تواجهها البشرية بأسرها، ونؤكد أننا ملتزمون وماضون في تنفيذ الاستحقاقات المترتبة على انضمامنا لاتفاقية باريس، وسنتحمل كامل مسؤوليتنا نحو أمن الأرض ومستقبل الأجيال القادمة".
وناشد الأسرة الدولية توسيع مشاركتها في صنع السلام ودعم جهود القيادة الفلسطينية لوقف الاستيطان، وإنهاء كافة أشكال الاحتلال الاستيطاني، وإقامة دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس، قائلا: "هذا هو المدخل الأساسي، الذي به نكمل عملنا في حماية البيئة والأرض، ونتمكن من تحقيق تنمية متوازنة ومستدامة ونمارس دورنا كاملا في صون كوكبنا".
واجتمع رئيس الوزراء على هامش المؤتمر مع الرئيس العراقي فؤاد معصوم، ورئيس وزراء تونس يوسف الشاهد، ووزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، وعدد من رؤساء الوفود المشاركة كل على حدة، حيث أطلعهم على تطورات الأوضاع في فلسطين، وآخر انتهاكات الاحتلال، وبحث معهم تعزيز التعاون، وعددا من القضايا ذات الاهتمام المشترك.