قال رئيس الوزراء رامي الحمد الله: "إن إحياء ذكرى استشهاد الزعيم ياسر عرفات في كل مكان، في الوطن وفي الشتات، إنما يؤكد التفافنا حول حلم وإرث هذا الزعيم الخالد، وتوحدنا خلف نهجه، "نهج الثبات والمقاومة والصمود" الذي يعبر عنه اليوم أبناء شعبنا، في غزة الشامخة رغم جراحها، والقدس الصامدة، وفي الخليل والأغوار، وفي نابلس وجنين وفي الداخل، وفي كل شبر من أرضنا، وأهلنا اللاجئون في سوريا ولبنان والأردن، الذين ذاقوا مرارة العديد من الويلات والمحن، وما يزالوا صامدين متشبثين بأحلامهم وتطلعاتهم المشروعة في العودة إلى وطنهم".
وأضاف الحمد الله: "سنبقى أوفياء مخلصين لإرث ياسر عرفات، ثابتين كما كان، صامدين كما أراد لنا دوما، وسنصون وحدتنا التي ظل مخلصا لها حتى آخر لحظات حياته".
جاء ذلك خلال كلمته في احياء الذكرى الثانية عشرة لاستشهاد الزعيم ياسر عرفات، اليوم الخميس، في قصر رام الله الثقافي، بحضور امين عام الرئاسة الطيب عبد الرحيم، وعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة المركزية لحركة فتح، وعدد من الوزراء والشخصيات الرسمية والاعتبارية.
وتابع رئيس الوزراء: "في مثل هذا اليوم، ينهمر الحزن والألم على فلسطين، فهو تذكير بغياب امتد لاثنتي عشرة سنة، ليصبح غيابه الموجع، كحضوره الدائم فينا كل عام، إحياء وتجسيدا لهويتنا الوطنية الجامعة، ورحلة في فصول حياته الغنية، التي تختزل حكاية وطن وثورة شعب عصيا على التدمير والموت والإبادة. فقد كان الزعيم الخالد ياسر عرفات، قلب فلسطين وتاريخها وشرعيتها، وكانت هي له مرفأ ووطنا وروحا. لم يكن غيابه، أبدا نهاية الحكاية بل أنه مضى لينهض ويبقى، كما قال سيد الكلمة محمود درويش، "فكرة حية تحرضنا على عبادة الوطن والحرية، وعلى الإصرار على ولادة الفجر بأيد شجاعة وذكية".
واستطرد الحمد الله: "إنه لمن عظيم اعتزازي، أن أتواجد مع هذا الحشد الكبير من رفاق دربه والأوفياء والمخلصين له ولإرثه الغني، لنحيي ذكراه، ونستذكر معا حياة ياسر عرفات التي تحتشد بالنضال والكفاح والصمود، كما بالتحديات والصعاب والمخاطر. لكم جميعا، أنقل تأكيد فخامة الرئيس الأخ محمود عباس على مواصلة مسيرة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي، حتى نيل حقوقنا الوطنية العادلة وإقامة الدولة والخلاص التام من الاحتلال الإسرائيلي، ومن استيطانه وجدرانه وتعنته".
وأردف: "لقد رافقت فلسطين حياة ومسيرة ياسر عرفات، فعاشت فيه وسكنته حلما وأملا، تحدى به الصعاب وتجاوز بإيمانه العميق بها أعتى التحديات، فأصبحت مرادفا له، بل وأصبح هو أحد أسمائها الجديدة. لقد سخر لتحريرها جل طاقاته وجهوده، فصان قضيتنا الوطنية ونهض بها من قلب المعاناة ومن آلام النكبة ومآسي التهجير، إلى دروب الثورة والكفاح والمقاومة، فأعاد لها الروح والحياة وعبّد لها، مع رفاق دربه من المؤسسين الأوائل، طريقها إلى الوعي الدولي والضمير الإنساني، فكانت ولا تزال حاضرة بقوة في خارطة السياسة الدولية، بعد أن كان يتهددها الاندثار والموت والنسيان، ووحد الهوية والشعب، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، وانتزع اعتراف دول وشعوب العالم بها، ممثلا شرعيا ووحيدا لشعبنا الفلسطيني".
وقال الحمد الله: "لقد عاش أبو عمار متنقلا من منفى إلى آخر، بطلا ثائرا أسطوريا لا يخاف الموت ولا ينحني أمامه، صلبا متمسكا بحلم العودة إلى الوطن الذي عاد إليه، صانعا للدولة والمستقبل زعيما مؤسسا وشريكا للسلام. ولقد شارك أصدقاؤنا العرب والدوليون أمس الرئيس محمود عباس، افتتاح متحف ياسر عرفات، الذي به نتوج فعاليات هذا العام، إذ يحتضن ذكرياته ومقتنياته وصوره، ليكون بيتا للذاكرة الوطنية المعاصرة، يؤرخ حياة قائدنا الراحل، ويخلد قصة نضاله العنيدة من أجل نيل الحرية والاستقلال، ويسهم في ديمومة إرث واحد من أعظم رجالات فلسطين".
وأضاف رئيس الوزراء: "نحيي اليوم الذكرى الثانية عشرة من غياب القائد المؤسس، في غمار معاناة إنسانية متفاقمة، إذ يمعن الاحتلال الإسرائيلي في توسعه الاستيطاني، ويصادر المزيد من الأرض والموارد، ويهدم البيوت والمؤسسات، ويعتقل أطفالنا ويزج بهم في سجونه ومعتقلاته، وتستمر معاناة أسرى الحرية. يأتي هذا في وقت تشهد فيه القدس، التي عاش فيها ياسر عرفات، سنوات طفولته الأولى، حملة تهويد واقتلاع وتهجير. أما غزة المكلومة، التي كانت موطئ القدم الأولى في رحلة عودته إلى الوطن، فيستمر الحصار الإسرائيلي الظالم عليها، ويسلب مقومات الحياة منها ويخنق أبناء شعبنا فيها".
وتابع الحمد الله: "لقد راكمنا العمل والخطى لبناء دولتنا وتطوير مؤسساتها وتعزيز صمود شعبها، تماما كما أراد الشهيد أبو عمار، وطرقنا كل الأبواب لتدويل قضيتنا الوطنية لخلق إطار قانوني ودولي جديد يدعم حقوقنا، فانتزعنا إقرارا دوليا متناميا بحقنا وبجاهزيتنا لإقامة دولتنا المستقلة، وأوصلنا عذابات شعبنا إلى كل محفل ومنبر دولي، فتوالت اعترافات برلمانات وشعوب العالم بدولة فلسطين وحشدنا التضامن الدولي الرسمي والشعبي معنا، هذا هو الدرب الذي اختاره وسار عليه شعبنا بقيادة الرئيس محمود عباس، على قاعدة المقاومة الشعبية والبناء الديمقراطي والعمل الدبلوماسي، وفاء لتضحيات الشهيد ياسر عرفات وكافة شهداء وأسرى الثورة الفلسطينية".
واستطرد رئيس الوزراء: "في الوقت الذي يتصاعد فيه الحراك الدولي لإحياء السلام، فإننا نؤكد للعالم بأسره، أن العملية السياسية لا يمكن أن تتم إلا من خلال إطار دولي جديد، يستند إلى قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وبإلزام إسرائيل بإنهاء احتلالها وفق جدول زمني واضح، والإفراج عن الأسرى جميعهم، ووقف كافة الأنشطة الاستيطانية".
وأردف الحمد الله: "إننا اليوم بحاجة ماسة إلى أن نكرس وحدتنا وصمودنا، وأن نستلهم كل العبر والدروس من حياة الشهيد القائد ياسر عرفات التي كانت محفوفة بالمخاطر ومحتشدة بالانتصارات والإنجازات، فكلما اشتدت وعصفت من حوله الصعاب، كلما ظل صلبا قويا متمسكا بالثوابت الوطنية الأصيلة، مدافعا شرسا عن حقوق شعبنا العادلة، عن اللاجئين وحق عودتهم، وعن القدس وأهلها ومقدساتها، عن الأسرى وحرية كل شبر من أرضنا، فلا سقطت بندقيته ولا غصن الزيتون من يده".
وتابع رئيس الوزراء: "يطول الكلام، ونحن نتحدث عن رجل احتشد بمواقفه وصموده وكفاحه تاريخ وطن بأكمله، فقد تنوع إرث ياسر عرفات بين المقاومة والكفاح والمفاوضات والسلام، وازدحمت الذاكرة بقصص صموده وثباته في وجه الموت في لبنان وتونس وفي الصحراء الليبية، وفي المقاطعة الذي تحول صموده فيها إلى ملحمة في البقاء والصمود والثبات، فكان دائما "سيد النجاة".
واختتم الحمد الله كلمته قائلا: "نثمن عاليا العمل الوطني الهادف الذي تجسده مؤسسة ياسر عرفات، برئيس مجلس إدارتها ناصر القدوة، ومجلس أمنائها، وكافة العاملات والعاملين فيها، للحفاظ على ديمومة هذا الإرث العظيم، وهي بعطائها وتكريمها للوطنيين والمبدعين والمؤسسات الوطنية الرائدة من خلال جائزة ياسر عرفات للإنجاز، إنما تمثل جزءا من إنسانية وشخصية الزعيم، فقد كرمت العام الماضي، مؤسسة دار الطفل العربي تتويجا لمسؤوليتها الوطنية والمجتمعية وتحفيزا لها لمواصلة عطائها وصمودها".
هذا وقد سلم رئيس الوزراء جائزة ياسر عرفات للعام 2016 لمسرح الحكواتي ومؤسسة الكمنجاتي.