رام الله الإخباري
شكّل عدم وفاء الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بالوعود التي قطعها على نفسه تجاه الملف الفلسطيني خلال ولايتين رئاسيتين سواء بإطلاق عملية المفاوضات أو وقف الاستيطان، خيبة أمل لدى الأوساط الفلسطينية مع اقتراب انتهاء ولايته الأخيرة، وعلى مشارف انتخاب رئيس جديد لأميركا.
أوباما، الذي وعد الفلسطينيين، بعد خطابه التاريخي في جامعة القاهرة في فترته الرئاسية الأولى بأن يعمل على وقف الاستيطان الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية، تراجع عن تلك الوعود منذ ذلك الحين، بل لم يقدم شيئاً للفلسطينيين ولم يغيّر في السياسة الأميركية التي تقوم على الدعم الكامل لإسرائيل، بل إن دعم دولة الاحتلال زاد خلال فترة رئاسته.
وفي هذا السياق، قال الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي إن "أميركا في عهد أوباما شهدت توقيع أضخم اتفاقية دعم عسكري لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة. ورغم خلافه الشخصي مع نتنياهو حول موضوع إيران، فإن ذلك لم يؤثر، بل على العكس أدى إلى زيادة الدعم المقدم لإسرائيل بصورة غير مسبوقة".
وفي عهد أوباما أيضاً، واصلت أميركا اعتراضاتها بتقديم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن وفي كل المؤسسات الدولية ضد مصالح الشعب الفلسطيني، فيما يؤكد البرغوثي على وجود خيبة أمل من مواقفه تجاه الفلسطينيين، كما عبّر عن خشيته أن يقدم الرئيس الأميركي الحالي تصوره تجاه قضية الفلسطينيين قبل رحيله عن البيت الأبيض وأن يتضمن رؤية لصالح إسرائيل.
وشدد القيادي الفلسطيني على أن "خير ما يفعله أوباما قبل رحيله هو ألا يصوت ضد الفلسطينيين في مجلس الأمن حول الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية، وكذلك في محاولة الحصول على قرار من مجلس الأمن بوقف الاستيطان".
وتعمل الولايات المتحدة على إفشال مشاريع محاولة الفلسطينيين الحصول على قرارات دولية تتعلق بالقضية الفلسطينية، ومن أهم المعيقات التي تواجه الفلسطينيين في هذا الشأن هو التهديد الأميركي باستخدام حق النقض وضغوطها على دول كي لا تصوت لصالح الفلسطينيين في مجلس الأمن، فـ"أميركا مع إسرائيل دائماً"، يوضح البرغوثي.
ويعتبر دعم الولايات المتحدة لإسرائيل سياسة أميركية تنبع من أمرين؛ وجود حالة تحالف استراتيجي عميق بينهما، وكذلك الخضوع للوبي الإسرائيلي في كل ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، باستثناء مسألة إيران.
وأوضح البرغوثي: "تفاءلنا خيراً عندما انتخب أوباما، كونه من أصول أفريقية، وهو يعلم جيداً بالقضية الفلسطينية، لكنه رغم علمه بقضيتنا بقي في إطار النظام الأميركي، ويبدو أن هناك خطوطاً حمراء تجاه التعامل مع إسرائيل".
وأبرز المتحدث ذاته أن "الموقف الأميركي تجاه قضية فلسطين لن يتغير، ما لم يغيّر الفلسطينيون ميزان القوى على الأرض، عبر استراتيجية طرحتها المبادرة الوطنية الفلسطينية، من خلال تصعيد المقاومة الشعبية، وتصعيد حركة المقاطعة، وفرض العقوبات دولياً على إسرائيل، وتعزيز صمود الناس على الأرض، وإنهاء الانقسام الداخلي، وإعادة تفعيل التكامل ما بين مكونات الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة والداخل والخارج".
من جانبه، ذكر الكاتب والمحلل السياسي، جهاد حرب أن "المفاوضات لم تشهد طيلة وجود أوباما في البيت الأبيض أي تقدم إيجابي، رغم جهود وزير الخارجية الأميركي، جون كيري" مبرزاً، من جهته: "انتهت ولايتان لأوباما دون إنجاز الوعود التي تحدث عنها في خطابه في جامعة القاهرة بخصوص عملية السلام. أما بخصوص الاستيطان، فإن المساعدات الأميركية لإسرائيل قد ازدادت على مدى السنوات العشر القادمة".
ولا يعتقد حرب أنه من الممكن على المدى القريب أن يحصل أي تقدم على موضوع إطلاق مفاوضات السلام في ظل وجود الحكومة الإسرائيلية الحالية، "حتى وإن جرت بعض اللقاءات هنا أو هناك، فهي لا تعيد انطلاقة جديدة للمفاوضات".
ومن الواضح أن أوباما رغم أنه سيقدم رؤيته حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قبل مغادرته البيت الأبيض، فإن كل رئيس أميركي جديد له سياسة جديدة، ولا يمكن لهذه الرؤية التي سيقدمها أوباما أن تكون ذات جدوى، سواء من الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري، فـ"كلاهما حليف لإسرائيل".
وفيما يتعلق بقضية القدس، فإن قيادات مقدسية حمّلت الرئيس الأميركي جزءاً كبيراً من المسؤولية عن معاناتهم بفعل سياسة إدارته المنحازة لإسرائيل ولسياساتها العنصرية والتهويدية في المدينة، واستمرارها في انتهاكاتها ضد الأماكن المقدسة والحريات الدينية، وتنكرها لحقوق الفلسطينيين السياسية في عاصمة دولتهم المحتلة.
ووصف عضو الهيئة الإسلامية العليا في القدس المحتلة، حاتم عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، ولاية أوباما بأنها "أسوأ مرحلة تميزت بها السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، وفي القلب منها موقف إدارته من القدس".
وقال عبد القادر: "رغم التصريحات والمواقف الكلامية حول وقف الاستيطان، وعدم القبول بسياسة فرض الأمر الواقع التي تمارسها إسرائيل، وتأييد حل الدولتين، إلا أن السياسة الأميركية كانت تغضّ الطرف عن ما تقوم به إسرائيل كدولة احتلال في تغيير الواقع بالمدينة المقدسة".
وعلى هذا الصعيد، كان هناك موقف أميركي منافق لصالح دولة الاحتلال في المنابر الدولية، إذ يشير القيادي المقدسي إلى إحباط عدة قرارات مهمة تتعلق بإدانة ممارسات إسرائيل في القدس، إضافة إلى تصويتها ضد قرار اليونسكو الذي أكد على بطلان الرواية الإسرائيلية تجاه المسجد الأقصى، و"بالتالي، فإن الوجه الآخر لهذا الاعتراض هو إقرار الإدارة الأميركية بوجود حقوق دينية لليهود في المسجد الأقصى، وهذا موقف خطير جداً".
كما أن فترة ولاية أوباما، بحسب عبد القادر، "تميزت بانخفاض الاتصالات التي كانت تقوم بها القنصلية الأميركية في القدس مع الشخصيات المقدسية، من أجل الاطلاع على معاناة المقدسيين، وبحث سبل تخفيف هذه المعاناة، حيث تقلّص الاهتمام الأميركي بقضايا أساسية للمواطنين الفلسطينيين في المدينة".
وبالمجمل، فإن الموقف الأميركي المعلن عكس ما تقوم به إدارة أوباما على الأرض، ففي الوقت الذي تعتبر فيه القدس موضوعاً تفاوضياً بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تتخذ مواقف سياسية تدعم سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية في المدينة، وفرض وقائع جديدة على الأرض تستبعد من خلالها المطالبة بسيادة غير إسرائيلية على القدس.
ولاحظ عبد القادر أن "الصوت الأميركي المعلن في بعض الحالات قد يكون مع الحقوق السياسية للفلسطينيين في القدس، ولكن السيف الأميركي هو مع تكريس القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي".
هذا الموقف يؤكد عليه أيضاً عضو هيئة العمل الوطني في القدس المحتلة، زياد الحموري، الذي أشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى حالة عدم الاكتراث واللامبالاة التي ميّزت ولاية أوباما في فترتي حكمه حيال حقوق المقدسيين الاجتماعية والاقتصادية، "خاصة فيما يتعلق بهدم المنازل وسحب الهويات ومعاناة التجار، ومصادرة الأراضي، إلى آخر مسلسل المعاناة التي يرزح تحتها المقدسيون، وذلك على خلاف الإدارات الأميركية السابقة التي كانت الخارجية الأميركية وقنصليتها في القدس تتابع هذه الإجراءات أولاً بأول، وترفع تقارير بها إلى واشنطن، والتي أثارت في بعض الأحيان غضب إسرائيل".
يقول الحموري إن "كل ما ذكر يؤشر إلى أن هناك تراجعاً واضحاً في مواقف الإدارة الأميركية في فترة ولاية أوباما بشأن ما يقوم به الاحتلال في المدينة المقدسة، وهذا أيضاً ينسحب على الدعم الأميركي لمؤسسات المجتمع المدني في القدس، حيث شهدنا تقلصاً في بعض المشاريع الإنسانية".
ووفقاً لرئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، الشيخ عكرمة صبري، فإن "انعكاس سياسة إدارة أوباما في القدس تجلى في السنوات الأخيرة من تراجع الاهتمام بما يجري من انتهاكات إسرائيلية ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتقييد حرية الوصول إلى أماكن العبادة".
وقال صبري، ": "لقد بدا واضحاً التراجع الكبير في التقارير الأميركية التي كانت تقدمها القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة حول الأوضاع في الأقصى، ومنع الوصول إليه وملاحقة المصلين فيه، وبالتالي أصبح الموقف الأميركي يلوذ بالصمت اتجاه ممارسات الاحتلال في القدس وضد المقدسات، ما أعطى ضوءاً أخضر لإسرائيل لتواصل هذه الانتهاكات دون حسيب أو رقيب".
العربي الجديد