أعلن نائب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في مقابلة مع "العربية"، أن "الاجتماع الوزاري الذي عقد في باريس لبحث المستقبل السياسي لمدينة الموصل التي تحاول القوات العراقية استعادتها من تنظيم داعش كان فرصة كبيرة وحاجة ملحة. فرصة لأن عملية استعادة الموصل كما عملية استعادة الرقة في سوريا مستقبلاً ستكون مناسبة لإزاحة خلافة داعش، وهذا ستكون له تداعيات مهمة عملية ونفسية. الحاجة للاجتماع كانت ملحة أيضاً، لأنه في الوقت الذي يخسر داعش أراضي كان يسيطر عليها سيُطرد المقاتلون الأجانب الذين جاؤوا إلى سوريا والعراق، وسيعودون إلى المناطق التي قدِموا منها، وآخرون بدل أن يأتوا إلى سوريا والعراق سيبقون في بلدانهم وربما يقومون بهجمات هناك، من هنا نجد أنه من الملح في الوقت الذي نتعامل فيه مع الوضع في الموصل والرقة أن تكون هناك خطط لمواجهة الكثير من الهجمات الإرهابية عبر العالم".
وقال بلينكن: "هنا خلال اجتماع باريس كان هناك تضامن كبير مع العراق ودعم له في الوقت الذي يسعى لتحرير الموصل، وهذا الدعم ليس فقط من الناحية العسكرية، بل أيضاً في مواجهة المشكلات الإنسانية التي قد تنشأ. هناك كثيرون هُجروا من منازلهم"، مشيراً إلى "إعادة الإعمار وتثبيت الاستقرار في المدينة، ثم مسألة الحكم في الموصل بعد تحريرها، لأنه لا يكفي أن يُهزم داعش عسكرياً، بل من المهم جداً التعامل مع ما سيحصل بعد داعش. يجب إعطاء المواطنين الثقة عبر حماية مصالحهم وأمنهم وفرص العيش الكريم".
وأضاف: "أعتقد أنه من المهم جداً أنه فيما نعمل على تحرير الموصل أن نبدأ جهود عزل الرقة أكثر فأكثر تمهيداً لتحريرها".
أما عن الهدنة في سوريا، فقال: "بالتأكيد هذه الهدنة تبقى أفضل من اللاهدنة، لكنها تأتي بعد سنوات من القصف المروع من قبل النظام السوري وحلفائه، بمن فيهم روسيا، وهو قصف يحصل غالباً دون أي تمييز بين المدنيين والإرهابيين الذين تزعم هذه القوى استهدافهم. المدنيون في حلب دفعوا ثمناً غالياً جداً. سيكون أمراً إيجابياً إذا أدت هذه الهدنة إلى وقف دائم للأعمال العدائية، ولكن رغم إعلان وقف إطلاق النار يواصل النظام السوري رفض السماح بإيصال مساعدات إنسانية إلى شرق حلب ومناطق أخرى عدة محاصرة في سوريا. إذا كانت الهدنة الروسية بداية لتطور إيجابي فهذا أمر جيد، ولكن يجب أن تكون دائمة وليس فقط لثماني ساعات يومياً، بل ليوم كامل يُمدَّد باستمرار. هذا سيعطي فرصة لنرى ما إذا كان بالإمكان التوصل لاحقاً إلى وقف دائم للأعمال العدائية".
كما لفت بلينكن: "لا أعتقد أن الانتخابات الرئاسية لها أي علاقة بذلك، كنا نعمل بشكل حثيث لإقناع روسيا بالمشاركة في دعم وتطبيق وقف دائم للأعمال العدائية، وإيصال مساعدات إنسانية. من هنا، قضَينا أسابيع عدة نعمل مع روسيا لتوفير جو وبيئة لبدء مفاوضات حول الانتقال السياسي في سوريا، حاولنا الوصول إلى اتفاق ووصلنا إليه، ثم لسوء الحظ تعرضت قافلة مساعدات الأمم المتحدة المتوجهة إلى حلب بشكل مأساوي للقصف"، مضيفاً أن "الهدنة صمدت لبضعة أيام، ثم بدأت قوات النظام ومعها روسيا، بعد انهيار وقف إطلاق النار، بحملة قصف مروعة في حلب، والسؤال حقيقة لروسيا: ماذا تريد؟ ولماذا تُحضّر؟ إذا تواصلت الحملة المرعبة بالبراميل المتفجرة وحتى بالكيمياوي ضد المدنيين الأبرياء فعندها ستصبح حصيلة الحرب الأهلية أسوأ، وسيذهب الكثير من الناس نحو معسكر المتطرفين، لأنه لن يكون لديهم مكان آخر يذهبون إليه، وهذا ليس أمراً جيداً لروسيا، وهو ليس جيداً بالتأكيد للشعب السوري".
وعن جبهة النصرة، قال: "دعني أكن واضحاً، النصرة أو أياً كان الاسم الذي اختارته لنفسها هي عدو الولايات المتحدة، إنها تنظيم القاعدة في سوريا، والتنظيم مسؤول عن أسوأ هجوم على الولايات المتحدة منذ هجوم بيرل هاربور. هاجم مركز التجارة العالمي والبنتاغون، وأسقط طائرة ركاب فوق بنسلفانيا. من هنا نحن نركز هجماتنا على النصرة كما نركزها على داعش، لكننا نركز أيضاً بالدرجة الأولى عندما نقوم بعمل عسكري على الحرص إلى أقصى درجة على عدم إيذاء المدنيين، ونتيجة لذلك يبدو الأمر معقداً جداً في بعض الأماكن عندما يختلط الإرهابيون مع مجموعات أخرى ومع المدنيين، ولكن من غير الوارد أبداً أن نتعامل مع النصرة بشكل مختلف عن تعاملنا مع داعش".
كذلك ذكر المسؤول الأميركي أنه "إذا كانت هناك وسيلة لحماية المدنيين في حلب، وإذا كانت هناك ضمانات بألا يكون إخراج المقاتلين امتداداً لتكتيك النظام الذي يعمل على محاصرة وتجويع وقصف مناطق معينة إلى أن تستسلم، في حال وجود هذه الضمانات يمكن العمل على هذا المُقترح. الأمر يعتمد على ما تقرر فعله المجموعات على الأرض، ويعتمد على الظروف اللاحقة: مَن سيحكم شرق حلب؟ من سيوفر الأمن؟ ما الذي سيفعله النظام أو ما لن يفعلَه، كل هذه المسائل يجب أن تُحلّ أيضاً".
وحول مسألة اللاجئين في لبنان، اعتبر أن "هناك أمرين: أولاً الشعب اللبناني يتحلّى بكرم استثنائي ظهر من خلال استقباله عدداً كبيراً من اللاجئين من سوريا وأماكن أخرى، خصوصاً من سوريا. عندما زرت لبنان قضيت وقتاً مع عدد من اللاجئين، أصغيت إليهم"، مشيراً إلى أنه "في المدارس الرسمية يفوق عدد التلامذة السوريين عدد أترابهم اللبنانيين، وهذا رائع، وأعتقد أن العالم يجب أن يحفظ للشعب اللبناني سخاءه، لأننا نعرف أن هذا الأمر صعب ويفرض تحدياً على اللبنانيين. في الوقت نفسه مضى على لبنان وقت طويل من دون حكومة فاعلة، وهذا يجعل تلبية احتياجات اللبنانيين أصعب، وكذلك تقديم الخدمات واتخاذ القرارات والمصادقة على قوانين مفيدة للناس. إذا كانت هناك اليوم ترتيبات مقبولة من جانب مختلف الطوائف في لبنان، ويمكن أن تنتج رئيساً جديداً وحكومة جديدة، فهذا يمكن أن يكون خطوة إيجابية إلى الأمام".
أما عن الأزمة اليمنية فشدد بلينكن على أن "هناك حاجة ملحة للعودة إلى طاولة المفاوضات ومواصلة العملية السياسية التي توقفت بشكل مأساوي بفعل تدخل الحوثيين قبل عامين. هناك فرصة الآن، وهناك ضرورة مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. هذه لحظة نأمل أن تتقدم خلالها أطراف النزاع نحو الخطط التي تُعدها الأمم المتحدة للعودة إلى طاولة التفاوض ومناقشة القضايا العالقة. نحن نحث بقوة كل الأطراف للعودة إلى التفاوض، وأنا متفائل في مكان ما بأنهم سيلتقطون هذه الفرصة".
وفيما يخص الملف الليبي، أوضح أن "هناك اتفاقا سياسيا تم التوصل إليه في ليبيا وانبثقت عنه حكومة وفاق وطني ندعمها بقوة، والآن من المهم أن يلتقي ممثلو الأطراف كافة على دعم هذه الحكومة. القوى الموجودة في شرق ليبيا يجب أن تكون جزءاً من حكومة الوفاق، ومن المهم جداً أن يجدوا جميعاً طريقة للتقدم إلى الأمام على أساس الاتفاقات السياسية المعقودة سابقاً وذلك لدعم حكومة الوفاق. إذا حصل ذلك فهو سيفتح آفاقاً وفرصاً هائلة أمام الليبيين، بما في ذلك الحصول على دعمٍ دولي، وهذا سيساعد الشعب الليبي"، مضيفاً أن "الأمر الأهم إذاً هو أن يجتمع ممثلو الأطراف حول ذلك. وأعتقد أن حكومةً شاملة للجميع تجلب تحت خيمتها بعض اللاعبين السياسيين الأساسيين من شرق البلاد ستكون خطوة مهمة". ولفت إلى أن "حفتر يجب أن يكون جزءاً من العملية ومن البرنامج على أن يكون متجاوباً مع حكومة الوفاق الوطني ومع العملية التي انطلقت سابقاً من خلال الاتفاق السياسي".