رام الله الإخباري

بعد أن أنهت اجتماعا مع عائلات الأسرى والمعتقلين الذين عادوا معها من خيمة الإعتصام المقامة في ساحة ياسر عرفات في وسط رام الله

قدمت  عددا من أهالي الأسرى من بينهم زوجة الشهيد أحمد البلبول وأم الأسيرين محمد ومحمود البلبول المضربين عن الطعام، وأم الطفلة نوران التي اعتقلت أيضاً لمدة ثلاثة شهور.  

أوضحت الدكتورة ليلى أن هذا الصيف شهد نشاطات واسعة للتضامن مع الأسرى والمعتقلين ولا يكاد يمر يوم دون تضامن بشكل أو بآخر وخيمة الاعتصام موجودة وبدأت نتائج الإعتصامات وحركة التضامن الواسعة تثمر حيث إضطر الاحتلال أن يفرج عن الأسير بلال الكايد

يشارك موظفو الوزارات المختلفة في الاعتصام بشكل منظم لمدة ساعتين. وقالت إنها استقبلت أمس عائلة الأسير بلال الكايد المضرب والذي بعد أن أنهى محكوميته كاملة وكان من المفروض ان يفرج عنه لكن سلطات الاحتلال حولته إلى معتقل إداري، وهو أمر مخاف للقانون الدولي. 

الدكتورة ليلى غنام هي أول سيدة فلسطينية تتبوأ مركز محافظ في أكبر محافظات رام الله بفلسطين. ولدت في بلدة دير دبوان الواقعة شرق رام الله على بعد 15 كيلومترا. وهي بلدة شهيرة بزياتينها وتينها وبساتينها.

وجزء أساسي من سكان البلدة مغتربون في الولايات المتحدة الأمريكية يعودون في فصل الصيف خاصة لقضاء إجازتهم في الفيلل الجميلة التي شيدوها والتي أصبحت مضرب الأمثال في جمالها وتسمى «البلدة الأمريكية».وقد تربت ليلى في بيت يعطي حرية الإختيار للأولاد والبنات في شق الطريق الذي يختارون.

دخلت الجامعة بعد خمس سنوان من تخرجها من الثانوية العامة بسبب إعتقال أحد إخوتها ثم تابعت دراساتها العليا في مصر وحصلت على الماجستير والدكتوراة في ثماني سنوات. عام 2010 صدر مرسوم رئاسي بتعيين الدكتورة ليلى غنام محافظ رام الله. «القدس العربي» إلتقت بها في مكتبها وأجرت معها هذا الحوار.

 رام الله أكبر المحافظات في فلسطين المحتلة. البعض يسميها عاصمة الدولة الفلسطينية والبعض يطلق عليها «دولة في مدينة».  ماذا تقولين؟
أولا نرفض تسمية رام الله بالعاصمة.

فلسطين لها عاصمة واحدة لا بديل لها وهي القدس. نسميها مركز الحراك السياسي، نسميها مركز الثقل الاقتصادي ولكن لا نسميها عاصمة. لا نريد ان نحرف تفكيرنا عن القدس. هناك بيت المقدس وهناك أكناف بيت المقدس.

نحن من أكناف بيت المقدس. لا نقبل لا من ناحية سياسية ولا من ناحية وطنية أن نحرف بوصلتنا عن القدس العاصمة الحقيقية لدولتنا والعاصمة الروحية لقلوبنا. لا نقبل بديلا عنها. 

هناك حراك كبير في المحافظة من داخل محافظات الوطن من جهة ومن الخارج من جهة أخرى.  في يوم عمل عادي يصل سكان المحافظة إلى نصف مليون. وفي أيام الإجازات ينخفض العدد بنسبة الثلث. أما في الصيف تزدهر الحركة في المدينة وضواحيها بسبب عودة المغتربين.

ونعقد في رام الله مؤتمرا سنويا للمغتربين لدعم جسور التواصل بين أبناء الشعب الفلسطيني في الشتات ووطنهم وأهاليهم هنا. شارك في المؤتمر نحو 2000 مغترب وكلل بالنجاح من كافة النواحي. وفي مثل هذه المؤتمرات نستقطب العديد من العقول الفلسطينية والخبرات والمستثمرين. 

 ما هي أكبر مشكلة تواجهها المحافظة؟

• الاحتلال أولا والاحتلال ثانيا والاحتلال عاشرا. إنه مصيبة المصائب وأكبر عائق للنمو والتقدم والإزدهار. لكن لا نريد أن نعلق كل شيء على الإحتلال. ويجب أن نتعامل مع الاحتلال بشكل يومي كي لا ننسى أن الاحتلال قائم.

نحن محاطون بالمستوطنات من كل جانب. أسوأ هذه المستوطنات مستوطنة «بسغوت» المتداخلة مع أرض المحافظة من جهة مدينة البيرة وهي الأقرب إلى مركز المدينة. هناك مستوطنات قد تكون أصغر لكنها أكثر عدوانية مثل مستوطنة قرب الجانية المعروفة بوقاحة سكانها.

الاحتلال قد قلص رقعة التوسع وبالتالي أصبح الاكتظاظ من أكبر مشاكل المحافظة فالإحتلال لا يمنح تراخيص بناء في منطقة جيم كما أن الجدار العنصري قد إلتهم جزءا مهما من الأراضي الصالحة للبناء أو الزراعة.

وللعلم فهذا ليس جدارا لأغراض أمنية كما تدعي إسرائيل بل وسيلة لئيمة لابتلاع المزيد من الأراضي. والدليل أنهم في الأعياد يفتحون كل الأبواب للسماح للفلسطينيين بالتسوق في تل أبيب والقدس وغيرها للإنتعاش الإقتصادي رغم إداعاءاتهم بأن الإغلاق والجدار والحواجز كلها لدواعٍ أمنية. 

• الأسعار يا دكتورة خيالية في رام الله وتختلف عن بقية مدن الضفة. لماذا؟

 نعم- للأسف الأسعار عالية بسبب زيادة الطلب. الكل يريد أن يسكن أو أن يفتح مصلحة تجارية في رام الله. هناك غلاء فاحش خاصة في العقارات والأراضي.

لكن المطاعم منوعة فبإمكانك أن تتناول وجبة بعشرين شيكل أو بمئتين.كل المستويات متوفرة في المدينة. المواقع الترفيهية غالية لكن نحن تركيزنا على الأساسيات ونعمل على تأمينها. سياستنا التي نعمل عليها توسيع المساحات الخضراء وأماكن الترفيه المجانية كي يستفيد منها المواطنون العاديون.

التضخم السكاني في المدنية يفاقم العديد من المشاكل من بينها حركة السير وارتفاع الأسعار وإزدحام الشوارع بالمشاة حتى بين السيارات.

○ وماذا عن أمن المواطن؟

• رغم الاحتلال ورغم إنتهاكات قوات الاحتلال للمناطق الخاضعة للسلطة إلا أننا نفخر باستتباب الأمن للمواطن. لكن لا يعني أن كل شيء مثالي. طبعا تقع جريمة هنا أو جريمة هناك لكن مقارنة بالمحيط العربي فنحن نتمتع باستتباب أعلى للأمن. سألني أحد المسؤولين الأجانب عندما رآني أسوق سيارتي بمفردي كيف لي أن أسير بدون

حراسة؟ قلت له المسؤول الذي يسعى لتأمين حياة المواطن ويسيج نفسه بالحراسة فهو فاشل أصلا

. أنا الذي أجلب الأمن للناس ولذا لا يوجد حراسة شخصية لي ولا حراسة لبيتي وإذا كنت خائفة وبحاجة إلى حرس إذن أنا لم أحقق الأمن لأحد. من يؤمن حياة الناس ويساهم في إستتباب أمنهم سيجد نفسه أيضا في أمان طبيعي.

○ إسمحي لي هنا أن أثير مسألة ظاهرة إرتفاع نسبة الجريمة في فلسطين المحتلة. كيف تعللين هذه الظاهرة وما علاقتها بالوضع الاقتصادي؟

 نعم يجب أن نحلل الأسباب التي وراء هذه الظاهرة. وأنت كأكاديمي تعرف أن ظاهرة العنف مرتبطة بالأوضاع السياسية والاقتصادية. نحن الآن لا نملك أفقا سياسيا واضحا. هناك نوع من الانسداد وفقدان الأمل وهناك إرتفاع في نسبة البطالة.

نحن نشجع الآن المشاريع الصغيرة كي نفتح آفاقا جديدة للتغلب على أزمة البطالة. صحيح هناك أغنياء ومشاريع كبيرة لكن هذا لا يكفي. نريد أن نساعد الناس العاديين في التغلب على الفقر.

أنا أذهب لافتتاح مطعم فلافل صغير كي أشجع أصحاب المشاريع الصغيرة. مشاريعنا التي ندعمها تتعلق بتمكين المرأة والشباب والخريجين العاطلين عن العمل حيث نؤمن لهم قروضا صغيرة لبدء مشاريعهم الإنتاجية الصغيرة.

وهناك مشاريع في المحافظة لمثل هذه المبادرات. وقد أنشأنا مجموعة تشغيلية إسمها «مجموعة أصدقاء المحافظة» لمساندة المشاريع الصغيرة والمنح الدراسية. وهذه قائمة طويلة باسماء الطلاب من أبناء المحافظة الذين تقدموا بطلبات منح دراسية.

لا نستطيع تلبيتها جميعا فنحاول تشجيع «جماعة أصدقاء المحافظة» بالتكلف بمنح لهؤلاء الطلاب. ونركز على الطالبات على وجه الخصوص لأن الفتيات قد يتعرضن للضغط للزواج المبكر.

لدينا شراكة مع البنوك ومع القطاع الخاص لتحمل نفقات هؤلاء الطلاب. كما أود أن أعلم المتبرعين الكرام من أبناء الجالية الفلسطينية والعربية في المهجر الأمريكي أن مستشفى الكلى الذي تلقى دعما كبيرا منهم في طريقه إلى الاكتمال بعد أن أنجزنا التسوية والآن في طور إكتمال امشروع

. لقد شجعنا أبناء الجالية في أمريكا الذين حولوا المشروع بتبرعاتهم السخية من تحسين ما هو قائم إلى مشروع جديد كامل متخصص في علاج أمراض الكلى. وقد قدم السيد الرئيس قطعة أرض ملك للدولة وهناك من تبرع بمواد البناء والبعض بالحديد وآخرون بالإسمنت وتبرع المتعهد ببناء الطوابق الأولى عن روح والدته.

الخير موجود في الناس خاصة إذا توفرت الثقة. وهناك من إنتقد المشروع وهم من غير المتبرعين. يوم أمس قدمنا كراسي طبية للطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة. كل هذه تبرعات من الناس الخيرين عن طريق «مجموعة أصدقاء المحافظة». الاحتياجات عديدة والإمكانيات محدودة. لكن لا شئ مستحيل.

○ هل من الممكن أن نطلع على ميزانية المحافظة؟
• حقيقة شيء لا يذكر. قد لا يصدق أحد أن ميزانيتنا الشهرية فقط 150 ألف شيكل وهي ميزانية تشغيلية. ولو نكتفي بالموازنة لما قمنا بشيء. متعة الإستمرار هي في تقديم إنجازات للناس العاديين مثل تبنى الطلاب وتقديم علاج مجانا هنا في البلاد، تأمين نفقات علاج في الخارج، تقديم قروض صغيرة، مساعدة في بناء بيت هدمه الاحتلال. 

○ نعود إلى مسألة العنف الذي سألنا عنه.
• ما يجري في رام الله ضئيل جدا قياسا ببعض المحافظات. هناك ثقافة أمنية في البلاد. أنا لا أستطيع أن أسميها ظاهرة لأن الظاهرة تعني الانتشار والاتساع والاستمرار. وهذه ليست الحالة في الشعب الفلسطيني .

نعم هناك جرائم وهناك سرقات وهي موجودة في كل مكان وفي كل بلد. الفساد موجود والمخدرات قد تكون موجودة لكنها ليست ظاهرة. هناك من يركز على كل شيء سلبي لدى الفلسطينيين.

لا يرون إلا الجانب المظلم مع أن هناك كثيرا من الجوانب المضيئة والظواهر الإيجابية. العنف الأسري مثلا لم يتفاقم لكن الفرق أن هناك جرأة الآن في الحديث عن العنف الأسري. من زمان كانت المرأة لا تتحدث عن عنف الزوج مثلا اليوم أصبح هناك جرأة في الحديث وهناك مؤسسات تلجأ إليها المرأة.

بالإضافة هناك إستقلالية إقتصادية للعديد من النساء والاستقلال الاقتصادي يعني عدم سكوت المرأة على العنف أو الظلم إذا ألمّ بها. أضف إلى كل هذا إنتشار وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الإعلام التي تنشر الخبر بسرعة عجيبة.

وهذه الوسائل أحيانا تزور الحقائق وتتدخل في الصورة وتتلاعب بها. نعم هناك إرتفاع لنسبة العنف وخاصة عند الشباب بسبب إنغلاق فسحة الأمل وانسداد الأفق ولكن دورنا أن نصحح ونعبئ ونثقف.

أهم شيء أن نعتبر أن العنف ظاهرة إجتماعية لها أسباب. فمثلا عندما تبحث في الأسباب التي جعلت فتاة ما تنحرف ستجد أنها ضحية للظروف الاقتصادية أو التفكك الأسري أو العنف الداخلي. لقد أعدنا تأهيل العديد من الفتيات المشردات ونجحنا في كثير من الحالات لكن ليس كلها.

على الأقل نحاول كمحافظة أن نشكل مظلة حماية لجميع الفئات، وخاصة النساء والأطفال، الذين بحاجة إلى دعم وحماية وتأهيل. وللعلم فهناك جمعيات أهلية ومنظمات غير حكومية تبالغ في وصف العنف ضد المرأة أو الأطفال مثلا لتضمن إستمرار التمويل. صحيح هناك حالات لكن المبالغة لا تخدم الشعب الفلسطيني.

 هل لدى المحافظة برامج خاصة بالشباب لاستيعابهم وتأهيلهم؟

 في المحافظة هناك مجلس تنفيذي يضم كل المؤسسات المدنية في البلاد مثل وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الشباب والرياضة، والأوقاف، والنوادي،والطلاب وغيرهم. وهذا المجلس يعمل على إقامة مشاريع شبابية كالملاعب والأندية الرياضية والرحلات والتدريب والتأهيل. 

شيء آخر نهتم به وهو ردع محاولات زج الشباب الصغار في عمليات طعن لا تؤدي إلا إلى الهلاك. وهؤلاء الصغار الذي لا يزيد أعمار بعضهم عن 11 سنة هم ضحايا أيضا حيث تؤثر بهم وسائل الإعلام فيختارون طريقا يظنون أنهاطريق للبطولة. فكيف لطفل في العاشرة يصبح بطلا وشهيدا ومنتميا لفصيل بدل أن يحافظ عل مدرسته؟ ومن يمحص في ظروف هؤلاء تجد أنهم أيضا ضحايا.

وهناك العديد من المشاريع لتمكين هؤلاء الشباب من التمسك بالدراسة بدل محاولات الانتحار فهم أصغر من أن يستوعبوا دروس التضحية من أجل الوطن وعن قناعة تامة. إسرائيل وجهازها الإعلامي جاهز لاستغلال تلك الصور والملصقات التي تصف الأطفال بأنهم أبطال ومقاتلون.

وبعض الصور تظهر هؤلاء يحملون السلاح وهذا يعطي المبررات لدولة البغي والعدوان لتصوير الصراع وكأنه بين طرفين متساويين وأنهم ضحايا الإرهاب الفلسطيني. هذا ما يجب أن نعمل على دحضه وإظهار الصورة الحقيقية لشعب يرزح تحت الاحتلال. فعندما حضرت تأبينا للشهيدة دلال المغربي إتهمني نتنياهو بتشجيع الإرهاب.

يتحينون كل فرصة لوسم نضال شعبنا ضد الإحتلال بأنه إرهاب. لكنني آخذ الكثير من الزوار من الدبلوماسيين لأطلعهم على أوضاع الشعب الفلسطيني ومعاناته بسبب الاحتلال. هناك إحدى مدارس رام الله في بلدة بيت عور يذهب الطلاب إليها من جانب إلى آخر عبر عبارة المياه لأن الطريق السريع الرابط بين المستوطنات قطع القرية إلى نصفين ولم يبق وسيلة للوصول إلى المدرسة إلا عبر العبارة.

والمدرسة قرب المستوطنة ومنع أهل البلد من إصلاح المدرسة. وقمنا بحملة دولية وبنينا مدرسة نموذجية لكن الطريق ما زالت تمر عبر العبارة. نحن باختصار نحاول أن نجترح الممكن من عمق المستحيل.

نقلا عن القدس العربي