الحرارة العالية تحرق الشرق الاوسط ...و تسجل أرقاما قياسية

image

رام الله الإخباري

تحرق درجات الحرارة القياسية هذا الصيف البلدان العربية من المغرب إلى المملكة العربية السعودية وما وراءها، حيث يحذر خبراء المناخ من أن تصبح تلك الموجة نذيراً بما هو أسوأ.

ويتوقع مسؤولو الأمم المتحدة وعلماء الطقس أن تواجه شعوب الإقليم المتنامية خلال العقود القادمة ندرة شديدة في المياه وارتفاعاً هائلاً في درجات الحرارة يصعب معه بقاء الإنسان على قيد الحياة وتبعات أخرى ناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، حسب تقرير لصحيفة سيدني مورنيغ هيرالد الأسترالية.

وفي حالة حدوث ذلك، فمن الأرجح أن تنشأ المزيد من النزاعات وأزمات اللاجئين، بصورة أكبر مما هي الحال عليه الآن، بحسب ما ذكره عادل عبداللطيف، كبير المستشارين بالمكتب الإقليمي للبدان العربية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وقال عبداللطيف، الذي يدرس مدى تأثير تغير المناخ على الإقليم: "يوضح هذا الطقس الغريب أن تغير المناخ يؤثر بالفعل تأثيراً سلبياً في الوقت الحالي وأنه يمثل أحد أكبر التحديات التي يواجهها هذا الإقليم".

أرقام قياسية

واجهت هذه البلدان بالفعل فصول صيف أكثر دفئاً خلال السنوات الأخيرة، ولكن هذا العام (2016) يعد أشد قسوة.

فقد شهدت أجزاء من الإمارات العربية المتحدة وإيران مؤشر حرارة تجاوز 60 درجة مئوية خلال يوليو/تموز 2016، بينما بلغت درجة الحرارة القصوى في جدة بالمملكة العربية السعودية نحو 52 درجة.

وسرعان ما ارتفعت حرارة منطقة جنوب المغرب ذات المناخ الأكثر برودة خلال شهر يوليو/تموز 2016 لتتراوح بين 43 و47 درجة.

وفي مايو/أيار من العام ذاته، تسببت درجات الحرارة غير المسبوقة في إسرائيل في نشوب الحرائق والإصابة بأمراض ذات صلة بارتفاع الحرارة.

ومع ذلك، فقد أذهلت درجات الحرارة في الكويت والعراق المراقبين، ففي 22 يوليو/تموز 2016، ارتفعت حرارة الزئبق إلى 54 درجة بمدينة البصرة جنوبي العراق.

وقبل ذلك بيوم واحد، بلغت 54 درجة بمنطقة متربة بالكويت. وإذا ما أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تلك البيانات، تكون هاتان المدينتان قد سجّلتا أعلى درجات حرارة في نصف الكرة الأرضية الشرقية على الإطلاق.

لم تنته الأنباء السيئة بعد. فمن المتوقع أن تتواصل الموجة الحارة بالعراق خلال هذا الأسبوع (الأسبوع الثاني من أغسطس/آب 2016).

جحيم العراق

وقالت زينب جومان، الطالبة الجامعية البالغة من العمر 26 عاماً والمقيمة بالبصرة: "أصبح الخروج من المنزل كالسير وسط الجحيم".

وأضافت: "كما لو كان كل شيء بجسدك – بشرتك وعيناك وأنفك – يبدأ في الاحتراق".

نادراً ما كانت جومان تترك المنزل خلال ساعات النهار منذ يونيو/حزيران 2016، حينما بدأت درجات الحرارة في تجاوز 49 درجة وتحولت الأشياء المعدنية بالخارج إلى أجسام ملتهبة.

وفي ذلك الحين، بدأ أيمن كريم يشعر بأنه محاصر.

وذكر المهندس البالغ من العمر 28 عاماً والذي يعمل بشركة النفط الحكومية بالبصرة أن التعليمات قد صدرت للعاملين بالبقاء بمنازلهم لعدة أيام خلال شهر يوليو/تموز 2016. ويحاول هو وأسرته عدم الخروج إلى خارج المنزل قبل الساعة السابعة مساءً.

وأضاف كريم "إننا سجناء".

الاقتصاد يتضرر

وأشار الخبير الاقتصادي العراقي باسم أنطوان إلى أن الطقس قد تسبب في أضرار جسيمة باقتصاد البلاد.

ويرى أن الناتج القومي العراقي – البالغ 230 مليار دولار سنوياً – قد تراجع فيما بين 10 إلى 20% خلال فصل الصيف.

ويذكر مسؤولون عراقيون أن عشرات المزارعين بأنحاء البلاد يناضلون من أجل حماية المحاصيل الذابلة، بينما تنخفض الإنتاجية العامة للقوى العاملة.

وقد شهدت المستشفيات تزايداً في أعداد المصابين بالجفاف والإجهاد الحراري.

وقد واجه عشرات الآلاف من العراقيين النازحين جراء المعارك الواقعة بين القوات الحكومية وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الموجة الحارة داخل الخيام ومراكز الإيواء المؤقتة. 
ولم تتمكن منظمات المساعدات الإنسانية من الوصول إليها بسبب القيود المفروضة على الموازنة والقيود التي تفرضها الحكومة العراقية والمخاطر المتعلقة بالعمل داخل نطاق الحروب.

وذكر مسؤول بإحدى منظمات المساعدات لم يتم تفوضيه بمناقشة القضية علناً، ومن ثم تحدث بشرط عدم ذكر اسمه: "ربما يحتضر الكثير من هؤلاء، ولكن يصعب معرفة ذلك".

وفي بغداد، وصلت درجة الحرارة بمطار بغداد الدولي إلى 43 درجة أو أكثر يومياً منذ 19 يونيو/حزيران 2016.

وأعلنت الحكومة العراقية عن إجازات رسمية إلزامية متعددة بسبب الموجة الحارة. وحتى حينما يحدث ذلك، يضطر العديد من الموظفين العموميين الذهاب إلى العمل على أي حال للاستمتاع بتكييف الهواء الدائم المتاح بالمقار الحكومية.

وتعاني معظم المنازل والمتاجر العراقية من انقطاع التيار الكهربائي بصفة يومية على مدار 12 ساعة أو أكثر. ويعتبر معظم العراقيين – على النقيض من جيرانهم الأثرياء في الكويت والمملكة العربية السعودية – فقراء للغاية ولا يمكنهم تحمّل تكلفة تشغيل تكييف الهواء على مدار اليوم، إذ تتطلب مثل تلك الرفاهية سداد رسوم باهظة للمولدات التي تعمل بالغاز.

وتخلو شوارع بغداد من المارة خلال ساعات النهار، ومع ذلك، تظل بعض المحال التجارية مفتوحة. فإما أن تتصبب عرقاً بالعمل أو تتضور جوعاً بالمنزل، بحسب ما ذكره عيسى محسن، تاجر الفاكهة بمنطقة الكرادة بوسط مدينة بغداد.

وذكر محسن مؤخراً: "انظر هناك. إنها وحدة تكييف هواء ولكني لا أستطيع سداد رسوم المولد اللازم لتشغيلها".

ويرجع السبب الرئيسي وراء كل هذا إلى نظام الضغط العالي؛ ومع ذلك، يبدو التحول الشديد في الأنماط المناخية بالبلاد واضحاً للغاية، بحسب محمود عبداللطيف، المتحدث الرسمي باسم هيئة الأرصاد الجوية بالعراق، الذي ذكر أن عدد الأيام التي تجاوزت بها الحرارة 48 درجة في بغداد قد تضاعفت خلال السنوات الأخيرة.

وأضاف: "منذ 40 عاماً، كانت درجات الحرارة تصل إلى هذا المعدل لمدة 4 أو 5 أيام، ولكن الرياح كانت تثير الرمال ويؤدي ذلك إلى تبريد السطح. ولكن ذلك لا يحدث الآن".

ويرى علماء المناخ أن ذلك الأمر ليس مثيراً للدهشة.

فقد تنبأت دراسة نشرتها صحيفة Nature Climate Change في أكتوبر/تشرين الأول 2016 بأن الموجات الحارة في أجزاء من الخليج يمكن أن تهدد حياة الإنسان في أواخر هذا القرن.

وتنبأ الباحثون في Max Planck Institute for Chemistry ومعهد قبرص في نيقوسيا مؤخراً بمصير مظلم مماثل للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو إقليم شاسع المساحة يقطنه نحو نصف مليار نسمة في الوقت الحالي.

وقد ذكرت فرانسيسكا ديشاتل، خبيرة قضايا المياه بالشرق الأوسط أن حكومات الإقليم غير مستعدة بصفة عامة حالياً للتعامل مع تلك الشعوب المتنامية والتحولات المناخية.

فقد أخفقت تلك الحكومات على مدار سنوات في معالجة تلك المشكلات بالصورة الملائمة رغم تحذيرات خبراء المناخ والوكالات التابعة للأمم المتحدة، وربما فات أوان ذلك الآن.

400 مليون عربي

وتتوقع الأمم المتحدة أن يصل تعداد سكان 22 دولة عربية – البالغ حالياً 400 مليون نسمة – إلى نحو 600 مليون بحلول عام 2050. وسيؤدي ذلك إلى فرض ضغوط هائلة على البلدان التي يتنبأ علماء المناخ بانخفاض معدلات سقوط الأمطار بها وازدياد ملوحة المياه الجوفية نتيجة ارتفاع منسوب سطح البحر.

وتواجه معظم بلدان الإقليم بالفعل أزمات مائية حادة جراء المناخ الجاف وتزايد الاستهلاك والممارسات الزراعية غير المفيدة.

ويشير المحللون إلى المعالجة الحكومية غير الملائمة لحالة الجفاف غير المسبوقة في سوريا الناجمة عن الحرب الأهلية المدمرة بالبلاد، التي أدت إلى تدفق اللاجئين بأعداد هائلة إلى أوروبا.

وفي عام 2015، احتشد العراقيون في بغداد للاحتجاج على عدم قدرة الحكومة على توفير الكهرباء خلال الموجة الحارة الحارقة بفصل الصيف. ولم تؤد تلك الاحتجاجات إلى تغيير الأوضاع. وسيتضاعف تعداد سكان العراق البالغ 33 مليون نسمة بحلول عام 2050 وفقاً لبعض التقديرات.

وقالت ديشاتل: "البلدان بالإقليم غير مستعدة للتكيف مع آثار تغير المناخ".

ويرى أركان فرحان البالغ من العمر 33 عاماً الذي يعيش مع أسرته بالقرب من بغداد داخل كوخ صغير من الصفيح بمخيم النازحين أن مثل هذه الموجات الحارة اللافحة متوقع تكرارها.

وقال إنه أصيب بالتيفود الشهر الماضي بسبب المياه الملوثة خلال هذا الصيف. ولتخفيف حدة الحرارة، يستخدم أبناؤه هذه المياه في ملء حوض الاستحمام.

وفي وقت مبكر من شهر أغسطس/آب 2016، تم نقل والده جاسم البالغ من العمر 69 عاماً بعد أن فقد وعيه جراء الموجة الحارة.

وتحدث فرحان عن والده أثناء جلوسه داخل كوخه الملتهب "لحسن الحظ، أصيب بكدمات فقط ولم يكسر أي من عظامه".

"العراقيون شعب قوي. ولكن هذه الحرارة كالنار تماماً. فهل يستطيع الناس التكيف مع النار؟!".

هافينغتون بوست عربي