رام الله الإخباري
ولدت المقدسية عائشة المصلوحي في حي المغاربة بالقدس عام 1946م من أب مغربي وأم مقدسية، وكان الحي في حينه يحتضن 138 عائلة من ليبيا والجزائر وتونس والمغرب.
وتحافظ السيدة عائشة قدر الإمكان على عادات وتقاليد جذورها المغربية من خلال ارتداء القفطان المغربي والجلابية بشكل يومي، بينما يتربع الكسكس المغربي (المفتول) على مائدتها أسبوعيا، واعتاد على تناوله أبناؤها وأحفادها.
وقالت "من أنكر أصله فلا أصل له، أعتز بجذوري المغربية لكنني مقدسية المولد والانتماء، وكمغاربة نمتلك كرامتين: الأولى كرامة المجاهدين مع صلاح الدين، والأخرى كرامة الرباط في القدس".
عائشة المصلوحي ولدت لأم فلسطينية وأب مغربي وتقيم في القدس وتحافظ على عاداتها المغربية
تقليد اندثر
وأضافت أنها تتمنى لو تعود الحياة بالقدس لسابق عهدها؛ إذ يعدّ التوجه للحمامات الشعبية العامة أحد التقاليد التي يتمسك بها المغاربة، وكانوا قديما يتوجهون بشكل يومي لحماميّ الشفا والعين في طريق الواد بالقدس، لكنّ هذا التقليد اندثر بعد إغلاق جميع الحمامات العامة بالمدينة.
ولم يتمكن الاحتلال الإسرائيلي من تدمير ذاكرة سكان حارة المغاربة رغم تسوية منازلهم بما تحتويه بالأرض، وتستذكر عائشة كلما أطلت من نافذة غرفتها بالزاوية على ساحة البراق كافة تفاصيل الحي، فهنا الكُتّاب الذي درست بداخله الحروف الأبجدية والقرآن الكريم، وهناك بقالة الحي، وذاك منزل العائلة الذي لم يعد سوى خيط ذكريات يمر أمامها كل يوم.
وحطت رحال المغاربة في القدس قبل ثمانمئة عام، حين طلب القائد صلاح الدين الأيوبي من سلطان المغرب يعقوب المنصور مد يد العون له وتزويده بأساطيل بحرية لتسانده في تحرير مدينة القدس من الصليبيين، فجهّز سلطان المغرب أسطولا ضخما لمساندة الجيش الإسلامي في المشرق العربي، وكان ذلك عام 1187م.
وبعد تحرير القدس كرّم صلاح الدين المجاهدين من بلاد المغرب العربي بإسكانهم في المدينة، وقال حينها "أسكنت هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة". واشتهر المجاهدون المغاربة ببسالتهم وصلابتهم، وخُلّد اسم أحدهم في مدينة القدس، وسُميت زاوية المغاربة بزاوية أبي مدين الغوث نسبة له.
وكان شيخ الصوفية أبو مدين الغوث واحدا ممن استجابوا لنداء الجهاد لمحاربة الصليبيين في بيت المقدس، وفقد ذراعه أثناء المعركة ودُفنت في مسجد زاويته وما يزال المقام الذي يحتضن يده ماثلا حتى اليوم.
وسكن حي المغاربة الملاصق للمسجد الأقصى المبارك من ينحدرون من سلالات المغرب العربي، بينما خصصت الزاوية للضيوف والحجيج ممن مرّوا على مدينة القدس لفترة مؤقتة، لكن بعد احتلال القدس عام 1967م وتدمير الحي بشكل كامل وتشتيت سكانه، اضطرت بعض العائلات للانتقال للسكن بالزاوية المقسمة لغرف صغيرة وما زالت 15 عائلة تسكن الزاوية حتى يومنا هذا.
حارة المغاربة
ذكريات من عاشوا في حارة المغاربة تكاد لا تمحى، إذ حاولوا أرشفة تفاصيل حياتهم الدقيقة التي بعثرتها سلطات الاحتلال بُعيد احتلال القدس بأيام، عندما سُوّي الحي بالأرض خلال ساعات.
الاحتلال هدم عام 1967 حارة المغاربة وحوّل ساحة البراق إلى مبكى
ويقول المسن محمد عبد الجليل المغربي، وهو من مواليد عام 1939م، إنه سمع أخبارا تفيد بأن ضباط الاحتلال الإسرائيلي يأمرون سكان حي المغاربة عبر مكبرات الصوت بإخلائه، وكان حينها بالأردن، فسارع للعودة للقدس، لكن قوات الاحتلال كانت على وشك إنهاء مهمتها في تدمير الحي.
وحسب المغربي، فإن جرافات الاحتلال انتشلت مع ركام الحي ثلاث جثث تعود لمسنين لم يسمعوا نداء الإخلاء فدُمّرت المنازل فوق رؤوسهم، مؤكدا أنه لم يعد الآن ما يدل على وجود حياة بشرية في المكان قديما، إذ تحول لساحة ضخمة يُطلق الإسرائيليون عليها "ساحة المبكى"، وهي مخصصة لصلواتهم التلمودية التي يؤدونها ليلا ونهارا على أنقاض منازل ومعالم إسلامية كانت تنبض بالحياة يوما ما.
وبعد هدم الحارة تفرق سكانها في أنحاء القدس، ومنهم من غادر للمغرب العربي، بينما نزح جزء منهم للملكة الأردنية، وما زالوا يعيشون هناك حتى الآن.
الجزيرة