حققت المعارضة المسلحة المزيد من التقدم في الجبهات الجنوبية الغربية، والغربية من مدينة حلب، الثلاثاء والأربعاء. وفتحت المعارضة جبهات جديدة في محيط الأكاديمية العسكرية بالقرب من حي حلب الجديدة، وفي المحاور الجنوبية نحو بلدة الحويز والتلال المحيطة بها، بهدف الوصول إلى بلدة الوضيحي ومحطة المياه وصولاً إلى الشيخ سعيد، وهو محور آخر يُمكِّنُ المعارضة من فك الحصار عن الأحياء الشرقية.
وتمكن مقاتلو غرفتي عمليات "جيش الفتح" و"فتح حلب" من السيطرة على تلة الحويز. وتقدمت الفصائل نحو البلدة وسيطرت على أجزاء منها، بالإضافة إلى السيطرة على مناشر منيان وجمعية الصحفيين ومعمل الكرتون، بعدما استهدفت مواقع النظام والمليشيات العراقية والأفغانية واللبنانية والإيرانية، بوابل من القذائف الصاروخية من نوع "حمم" وأخرى قصيرة المدى "غراد" و"كاتيوشا". بالإضافة إلى تغطية هائلة من قبل مدفعية الميدان وقذائف الهاون، ما مكّن المعارضة من التقدم والالتحام المباشر مع المليشيات، في معارك استمرت حتى ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء.
وفي هجوم معاكس لقوات النظام والمليشيات، فجر الأربعاء، تمكنت من استعادة بعض التلال والنقاط التي خسرتها في المحاور الجنوبية بالقرب من الحويز، واستعادت أيضاً مواقع ومبان في معمل الكرتون وجمعية الصحفيين في المحاور الشمالية بالقرب من الأكاديمية العسكرية التي قصفتها المعارضة بشكل مكثف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة المدفعية والصاروخية. والأكاديمية معقل بارز للمليشيات غربي حلب. وفشلت قوات النظام والمليشيات في استعادة منطقة "1070 شقة" في حي الحمدانية رغم الهجمات المتكررة خلال الساعات الماضية والتمهيد الجوي الروسي العنيف، والقصف بالمدفعية والصواريخ التي دمرت أجزاء واسعة من المنطقة.
وشنّت فصائل المعارضة المتمركزة في الجهة المقابلة من حلب المحاصرة، في أحياء الشيخ سعيد والراموسة والعامرية، هجمات موازية، بدأتها بتفجير نفق تحت مقرات وحواجز قوات النظام والمليشيات في الخط الأول من منطقة الراموسة ومحيط حي العامرية. وقتل خلال التفجير أكثر من عشرين مقاتلاً للنظام والمليشيات، وأصيب العشرات.
ودارت بين الطرفين معارك عنيفة في جبهات الداخل المحاصر، في محيط معمل الإسمنت والمنطقة الصناعية في الراموسة وفي حي العامرية، تمكنت خلالها المعارضة من السيطرة على كتلة من المباني الصناعية في الراموسة، بينما فشلت في التقدم في المحورين الآخرين، خاصة في الشيخ سعيد.
وخسرت قوات النظام والمليشيات خلال معارك الثلاثاء والأربعاء، أكثر من 75 عنصراً، بينهم قادة من مليشيا "الحرس الثوري" الإيراني، وقادة وعناصر من المليشيات العراقية والأفغانية. كذلك دمرت المعارضة 4 دبابات للمليشيات في جبهات جنوب غربي حلب في الحويز ومحيط "كلية المدفعية"، وواحدة في منطقة الملاح في الشمال الحلبي بالقرب من الكاستللو، وعدداً كبيراً من السيارات وناقلات الجند والمدافع الرشاشة الثقيلة والمتوسطة ومدافع 57 وقواعد صواريخ حرارية وراجمات صواريخ، بواسطة صواريخ مضادة للدروع "تاو" التي تملكها معظم فصائل المعارضة في غرفة "فتح حلب".
وجاء فتح المعارضة لجبهات جديدة في الشمال والجنوب بعدما لاقت مقاومة عنيفة في المحور الأوسط نحو الثكنات العسكرية الثلاث؛ "كلية المدفعية" و"الفنية الجوية" و"كلية التسليح"، والتي ما تزال تشهد معارك عنيفة بين الطرفين منذ أن وصلت المعارضة إلى مشارفها في ثالث أيام العملية العسكرية الكبيرة، والتي كانت انطلاقاً للمرحلة الثانية منها والتي لم تنتهِ بعد.
وتحاول المعارضة تكثيف جهدها العسكري لتحقيق الهدف من المرحلة الثانية من العملية العسكرية وهو فك الحصار، ولجأت إلى الجبهات الجنوبية الغربية من الحويز للالتفاف جهة الجنوب نحو الشمال وصولاً إلى حي الشيخ سعيد، وفي سبيل ذلك شهدت الجبهات الداخلية والخارجية معارك عنيفة لم تكلل بالنجاح بسبب الضغط الناري الكثيف الذي تعرضت له براً وجواً من قبل المليشيات والطيران الروسي.
القائد العسكري في "جيش المجاهدين" النقيب علاء أحمد، أكد لـ"المدن"، أن المعارضة بدأت بتغيير تكتيكاتها العسكرية في الميدان تبعاً للظروف والتطورات التي طرأت، وتحاول إتمام المرحلة الثانية من معركتها والوصول إلى الأحياء الخاضعة لسيطرتها في الجهة المقابلة وفك الحصار ولو تطلب ذلك تغيير محاور الضغط والتقدم.
وأوضح النقيب علاء أن قوات النظام والمليشيات تدرك حجم الخطر المترتب على خسارة الثكنات العسكرية؛ "كلية المدفعية" و"الفنية الجوية" و"التسليح"، بالإضافة إلى "الأكاديمية العسكرية" في محيط حي حلب الجديدة. فتلك الثكنات بمثابة حاميات للأحياء الخاضعة لسيطرة النظام في حلب، وبسقوطها سوف تسقط كامل المدينة بيد المعارضة. لذلك فالمليشيات تبذل قصارى جهدها للحؤول دون سقوطها بيد المعارضة، وقد استقدمت تعزيزات إضافية من مختلف المليشيات العراقية والأفغانية ومليشيا "حزب الله" اللبناني، التي كانت تركز جهدها في الضواحي الشمالية من حلب في محيط الكاستللو.
وأشار النقيب علاء إلى أن الطيران الروسي بنوعيه الحربي والمروحي ضاعف من عدد طلعاته الجوية في سماء حلب، وشن مئات الغارات التي استهدفت خطوط القتال الأولى من جهة المعارضة وطرق امدادها، مستخدماً مختلف أنواع الصواريخ والقنابل بعضها محمل بغازات سامة كغاز الكلور. وتركزت الغارات على الراشدين والمنصورة وخان العسل وتلة مؤتة، وعلى المواقع التي سيطرت عليها المعارضة حديثاً كمدرسة الحكمة والعامرية والشرفة ومحيط جمعية الزهراء. كما استهدفت الغارات بشكل عنيف أيضاً مدن وبلدات ريف حلب الغربي والجنوبي في الأتارب ودارة عزة وعين جارة وكفرناها والجينة وترمانين والأبزمو وأورم الكبرى وخان طومان والخالدية ومعراتة والقراصي وخلصة. بالإضافة إلى عشرات الغارات الجوية الروسية التي استهدفت الأحياء المحاصرة وتسببت في مقتل عشر مدنيين على الأقل.
ويحاول الطيران الروسي وفق النقيب علاء تعديل الموقف العسكري للنظام والمليشيات التي انهارت دفاعاتها الأولى في حلب الغربية، خلال الساعات الـ48 الأولى من هجوم المعارضة. وفعلياً أثر القصف الروسي على سير المعارك لكنه لم يوقف زحف الفصائل، فالمعارك أصبحت داخل الأحياء والمناطق العمرانية في أغلب المحاور الوسطى والشمالية.
وبذلك بدأت المعركة تأخذ منحى أكثر عنفاً على خلاف الأيام الأولى والتي تميزت بعنصر المفاجأة، فالنظام وحلفاؤه وبمساندة الروس و"الحرس الثوري" الإيراني تمكنوا من وقف زحف المعارضة التي اصطدمت بحائط دفاعي ضخم، في "كلية المدفعية" والثكنات العسكرية المحيطة بها. واستقدمت المليشيا تعزيزات إضافية ما جعل المعارضة تفكر في فتح جبهات جديدة لتشغلها وتشتت جهدها الذي بات ينصب بشكل رئيس لا لمنع المعارضة من فك حصارها في حلب إنما وقف تمددها نحو الأحياء الغربية، انطلاقاً من الحفاظ على معاقل المليشيات المهمة بالقرب من الراموسة والتي تعتبر مخزناً كبيراً للأسلحة والعتاد الحربي الذي إن وقع في أيدي المعارضة سوف يغير المشهد الحلبي بشكل كلي في صالحها، وربما في الشمال السوري عامة.
في المقابل لا تبدي المعارضة في "جيش الفتح" و"فتح حلب" أي استغراب تجاه التطورات الميدانية الأخيرة وتعثر بعض محاور القتال في المعركة التي تعتبرها كبيرة للغاية وتستحق وقتاً طويلاً لتحقق أهدافها. وفي الوقت ذاته تؤكد المعارضة أنها ماتزال تمتلك زمام المبادرة ولديها الكثير من المفاجآت والضربات النوعية التي لم يحن وقتها بعد.
ودفعت المعارضة بتعزيزات إضافية من مقاتلين وعتاد ثقيل خلال الساعات الماضية نحو مختلف الجبهات الغربية والجنوبية الغربية من حلب، تحضيراً لهجوم أوسع تحرز من خلاله تقدماً جديداً وتفك الحصار عن الأحياء المحاصرة والتي باتت ترى بالعين المجردة من مواقعها الجديدة في قرية الشرفة.