رام الله الإخباري
رغم مرور أكثر من 14 عامًا على تنفيذ الشهيدين أحمد الفقيه ومحمد شاهين عملية إطلاق نار مزدوجة داخل مستوطنة "عتنائيل" جنوب الخليل، إلا أن تلك السنين لم تُنسِ الشهيد محمد الفقيه عهدًا قطعه على نفسه بسلوك طريقهما.
واستشهد الفقيه (29 عامًا)، فجر اليوم الأربعاء، بعد اشتباك استمر لساعات مع جنود الاحتلال، لمسئوليته عن قتل أحد كبار حاخامات مستوطنة "عتنائيل" قبل نحو شهر بعملية إطلاق نار.
ولا تفصل سوى شهور قليلة على موعد إنارة الشّاب الفقيه شمعة عام زواجه الأوّل، لكنه، وفق عائلته، لم يكترث لقدوم "عيد زفافه" ليحتفل مع زوجته، واختار مواجهة الاحتلال بتنفيذه عملية قتل الحاخام على الشارع الالتفافي المار بجوار مدينة دورا جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة.
وأعلنت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن الشهيد الفقيه أحد عناصرها، "وارتقى خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال فجر اليوم".
"ترك حياته"
ويقول مقربون من الشهيد الفقيه إنه "ترك زوجته الحامل منذ بضعة أشهر بمولوده البكر، ومنزله المجهز جيدًا، وعمله المريح، وراتبه المغري، وتوجّه نحو حياة المطاردين المعروفة بكدّها وشقاوتها، رافضًا تسليم نفسه لقوّات كبيرة حاصرته وطالبته بالاستسلام، لكن دون جدوى".
ويعتقد أهل الشهيد، الذي قضى أكثر من خمسة أعوام بسجون الاحتلال، أنه كان لا يرغب بالعودة مجددًا إلى السّجن، حتى لو كان الثمن حياته، وهو ما عبّر عنه بالاشتباك مع الاحتلال برشاشه لمدّة تجاوزت السبع ساعات، محطّما الأرقام القياسية للاشتباكات المماثلة خلال الانتفاضتين.
ولم تجد "أم حسين" والدة الشهيد سوى صلاة ركعتين فور تلقيها نبأ استشهاد نجلها، الذي توارى عن الأنظار قبل أقل من شهر.
وكابدت عائلة الفقيه ويلات الاعتداءات اليومية القاسية من جنود الاحتلال، الذين حافظوا على موعد ليلي مع اقتحام منازل العائلة، وممارسة أنواع شتّى من التنكيل، للضغط عليها من أجل تسليم محمد.
وطال الاعتداء ضرب والدته بكرسي واعتقال أعمامه وأزواج شقيقاته وأشقائه وشقيقته تغريد القابعة حتّى اللحظة في أقبية زنازين الاحتلال.
وتقول الوالدة لوكالة "صفا": "إنّ الله اختار نجلها شهيدًا لأجل القضية؛ ففلسطين تحتاج المزيد من الشّهداء والدماء حتى يتم التخلص من الاحتلال وتحرير الأرض".
وتتمنى الوالدة، التي تحدّثت وهي تبدو بمعنويات عالية، "أن يكون ابنها محمد من المقبولين وأن يكون من الشّافعين لها".
وذكرت الحاجة "أم حسين" أن "الشّهادة كانت أمنية قديمة لمحمد، ليذهب إلى جوار ابن عمّه الاستشهادي أحمد، ولاسيما أنّه كان حاضرًا في مخيلته ودائم الاستحضار له، لقضائهما طفولتهما معا".
"استهداف العائلة"
أمّا محمد إسماعيل، ابن عمّ الفقيه، فيوضح أنّ الشهيد درس لعامين في جامعة النجاح الوطنية، وحال اعتقاله لدى الاحتلال من إتمامه الدراسة، فأكمل تخصص الإدارة في جامعة الخليل.
وعن فترة مطاردة الشهيد منذ تنفيذه العملية، يضيف لوكالة "صفا" "عانينا على مدار شهر تقريبًا من وتيرة استهداف غير مسبوقة، ومن اعتداءات لم تتوقف، في إطار محاولات الاحتلال الضغط على العائلة ليقوم محمد بتسليم نفسه".
وأكد إسماعيل أن العائلة كانت مقطوعة تمامًا عن التواصل مع الشهيد طيلة فترة ملاحقته لحين الإعلان عن استشهاده.
ويذكر قريب الشهيد أن محمد "كان في أفضل حالة اجتماعية واقتصادية ونفسية، وفضّل طريق المقاومة على كل ذلك".
ويشير إلى أنّ ارتقاء ابن عمّه "شرف عظيم لكامل أفراد العائلة"، مشددا على أنّه "اختار طريقه بنفسه، وهذا ما يجعل العائلة فخورة به إلى حدّ كبير".
ويرى أنّ ظروف اغتيال محمد وحشد المئات من الجنود إلى محيط المنزل الذي تواجد به وهدمه على رؤوس أصحابه، "يشير إلى أنّ النية كانت مبيتة لاغتياله وقتله، وتدلل على أنّ الاحتلال ماض في سياسة القتل والإجرام وانتهاك الحياة الفلسطينية".
وكالة صفا