سر الطائرة المصرية المنكوبة انتشل من أعماق البحر ودخل نفق الغموض

الطائرة المصرية المفقودة

رام الله الإخباري

ينظر من شباك الطائرة ليرى ظلاماً دامساً في كل مكان، معظم من كانوا حوله نيام.. مضيفو الطائرة يجلسون على مقاعدهم الجانبية ليأخذوا قسطاً من الراحة بعد توزيع وجبة الطعام على المسافرين واستعداداً لإجراءات الهبوط التي ستبدأ بعد دقائق.. كل هذا دفع أحد المسافرين المدخنين على متن الرحلة(MS804 التابعة لمصر للطيران) إلى التسلل لدورة المياه مصطحباً معه سيجارة وولاعة في جيبه.. وما أن وصل هدفه وأشعل السيجارة حتى تفاجئ بأمر غريب الطائرة تهوي بسرعة قبل أن تتحطم ويلقى مصرعه هو و65 شخصاً كانوا على متنها.

هي واحدة من النظريات الكثيرة التي ما تزال تحيط بحادثة سقوط الطائرة القادمة من باريس إلى القاهرة في 20 مايو/ أيار الماضي في البحر الأبيض المتوسط والتي لم تفلح لجنة التحقيق المصرية في الاستقرار أو اعتماد أي نظرية منها على الرغم من مرور أسابيع على انتشال الصندوقين الأسودين من عمق البحر.

خبراء دوليون، تحدثت معهم "الأناضول" في أحاديث منفصلة، استندوا إلى بيانات اللجنة المصرية المشكلة للتحقيق في الحادث، وذهبوا إلى أن المعلومات المتوفرة تشير بقوة إلى احتمالية حدوث حريق ناجم عن ماس كهربائي في الطائرة ما أفقد قائدها السيطرة، ورجّح خبير منهم أن يكون "عطل فني" تسبب في الحريق وهو ما أتلف الأجهزة الإلكترونية. فيما توقع خبير سيناريو آخر، وهو انفجار عبوة الأوكسجين وهو أمر كان أسرع من حركة الطاقم لإطلاق نداء استغاثة أو إنذار.

وآخر ما توصلت له لجنة التحقيق في سقوط الطائرة المنكوبة، هو تصاعد أدخنة في دورة المياه ومن غرفة الأجهزة الإكترونية للطائرة، قبل سقوطها في البحر المتوسط، وذلك وفق ما استخلصته من بيانات أحد الصندوقين الأسودين، مشيرة إلى أنها ستحلل تلك المؤشرات للتعرف على مصدرها وأسبابها.

واستطلعت "الأناضول" آراء الخبراء حول أسباب ذلك الدخان، فقال رون باترش، المحاضر الدولي في مجال الطيران وصاحب مكتب دولي "ون سيف" لإدارة مخاطر الطيران في أستراليا إن "السبب ما يزال غامضاً ولا يمكن معرفته بسهولة، لكن من الواضح أن هناك احتمالا حقيقيا بوجود حريق في دورة المياه، لكن هذا لا يفسّر عدم استغاثة طاقم الطائرة، وبالتالي فالفرضية الأكثر منطقية هي حدوث حريق كهربائي داخل غرفة الأجهزة الإلكترونية أو بالقرب من سطح الطائرة، وهو ما يفسّر عدم نداء الطاقم".

فرضية أخرى ذهب لها باترش في حديثه لوكالة "الأناضول" بقوله: ممكن أيضًا أن يكون قد حدث أمر مفاجئ، وأسرع من حركة الطاقم نفسها مثل انفجار عبوة الأوكسجين وهو ما سيتوافق مع عدم وجود رد على الاستغاثة في حال حدوثها سواء بالراديو أو جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بالطائرة.

من جانبه، قال جاكسون ميدليتون الخبير الدولي في الطيران وأستاذ الطيران في جامعة "نيو ساوث ويلز" بأستراليا لوكالة الأناضول "الدخان يشير إلى احتمالية عطل إلكتروني أو كهربائي في غرفة الأجهزة الإلكترونية للطائرة، والتي ربما تسببت في حريق".

ويتابع الخبير الدولي ميدليتون: كان يجب في هذه الحالة أن يحاول طاقم الطائرة أن يخمد الحريق لكن أعتقد أن الأخير ربما أتلف إلكترونيات نظام إدارة الرحلة في الطائرة ما تسبب في فقدان الطيار السيطرة. 

ونظام إدارة الرحلة في الطائرة كما يوضحه ميدليتون، أحد أهم الأنظمة الإلكترونية داخل الطائرة لاسيما أنه يسمح للطيار مراجعة خطة الطائرة في الظروف الطارئة، إلى جانب مساعدته في التحكم في خط سير الطائرة، خاصة سرعتها بكل مرحلة من مراحل الطيران.

ويضم نظام إدارة الرحلة قاعدة بيانات حول نقاط الطريق وهي بمثابة نقاط إرشادية للطيار والخطوط الجوية والمطارات والمدارج بما تتضمن من خطوط عرض وطول وكذلك ما يسمى بإجراءات المطار ومسارات الشركة والتي تتضمن كثيراً من المعلومات التي تساعد الطيار في الوصول إلى وجهته.

ويرى ميدليتون أن الأمر "سيظل غير معروف لحين انتهاء التحقيقات وربما لن يعرف على وجه الدقة في حالة حصول هذا العطل"، بحسب كلامه.

ومتخذًا مسافة من تفسير الحادث، قال مارك بيكر، الخبير الدولي في مجال الطيران لأكثر من 20 عامًا ومدير مكتب أوسلو لاستشارات الطيران بالنرويج للأناضول إن "المعلومات المتوفرة قليلة للغاية لكن بناء عليها كل ما يمكننا قوله بأنه كان هناك حريق على سطح الطائرة"، موضحًا أن افتراضية نشوب الحريق أولا في دورة المياه أو أن مصدره في مكان آخر مثل غرفة الإلكترونيات سيكون من باب التكهنات في هذه المرحلة.

ثم عاد ليشدد أن "الأمر غامض للغاية ومعرفته ستسغرق وقتًا.. أعتقد هناك شيئا حدث لا نعرفه حتى الآن حال دون استغاثة الطاقم".

ولم يحدد مارك طبيعة هذا الشيء لكنه قال "كل الفرضيات قائمة.. كل ما استثنيناه هو الإرهاب".

إكسافيير تيتيلمان، مستشار دولي في السلامة الجوية، مؤسس مركز تدريب للعلاج من فوبيا ركوب الطائرات للمسافرين مقره باريس قال لوكالة الأناضول عبر الهاتف إن "الدخان قد يكون مبعثه كثير من الأسباب لكن أقربها في هذه الحالة إما سيجارة مدخن بدورة المياه أو حدوث عطل في أحد الأجهزة لكن أن يصل الأمر إلى غرفة الأجهزة الإلكترونية فهذا يعني أنه لم يكن مجرد تدخين بسيط لأنه لا يستطيع أن يمتد خلال الطيران ويصل إلى هناك".

واتفق تيتيلمان مع ميدليتون فيما يتعلق بإخماد الحريق قائلا: "نعم من المفترض إخماد الحريق في حال هناك عطل لكن المعلومات التي وصلتنا لا نعرف منها بالضبط أي جهاز كانت به المشكلة، لكن على أي حال أي إخفاق في أداء نظام الأجهزة الإلكترونية يأتي من عطل كهربائي فيه".

وبحسب تيتلمان: لا أتصور أن أحدا يمكنه التدخين أو حتى الدخول إلى هناك(غرفة الأجهزة الإلكترونية) وبالتالي فإن أي فرضية عن الإرهاب مستحيلة لأن الإرهابي يزرع قنبلة ولا يقوم بحرق جهاز.

وبدأت مصر وفرنسا، منذ سقوط الطائرة في البحر المتوسط، رحلة طويلة من البحث عن حطام الطائرة وكذلك الصندوقين الأسودين قبل انتشالها، وسط دفع متبادل بين باريس والقاهرة يتهم إحداهما بالتورط أو التقصير الأمني للأولى أو التقني للأخرى، لكن مصر تدفع باتجاه سلامة خطوطها الجوية وأن الطائرة خرجت من نقطة انطلاقها بتقرير فني سليم 100%، وأن شركة مصر للطيران أجرت الصيانة على أكمل وجه.

واستمرت رحلة البحث حتى بعد العثور على الصندوقين الأسودين قبل أسابيع لتبدأ رحلة أخرى من تصليح أحدهما بعدما أرسلت القاهرة شرائح الذاكرة الخاصة بتسجيلات قمرة القيادة وجميع التسجيلات والبيانات إلى فرنسا لإصلاحها، حيث لم يستطع المحققون في البداية تحميل المعلومات من شرائح الذاكرة.

وما تزال لجنة التحقيق تعمل على تحليل البيانات دون أن يصدر عنها أي شيء رسمي حتى اليوم بخصوص فك لغز سقوط الطائرة "المنكوبة".

الاناضول