جاء القانون الأميركي الأخير رقم 2297، الذي قضى بتطبيق عقوبات على المؤسّسات الماليّة الأجنبيّة التي تتعامل مع حزب الله، ليفرض "حقبة" جديدة من الحصار المالي الأميركي الشامل على تنظيم حزب الله الإرهابي، واضعاً المصارف اللبنانية في ورطة بين الامتثال لقوانين الإدارة الأميركية من جهة أو الدخول في صراعات داخلية مع أطراف سياسية.
ويمكن اختصار مضمون القانون بنقطتين رئيسيتين "منع شبكة حزب الله اللوجستية والمالية من العمل، للحد من تمويل أنشطتها المحلية والدولية، إلى جانب استخدام السبل الدبلوماسية والتشريعية والتنفيذية لمكافحة الأنشطة الإجرامية لحزب الله من أجل قمع قدرة هذا التنظيم على تمويل أنشطته الإرهابية العالمية".
ويكتنف نص القانون الصادر عن الكونغرس الأميركي، وبنوده الغموض والإبهام في تحديد الجهات التي تشملها العقوبات على وجه الدقة، ما فتح المجال أمام الانتقائية بتطبيق الإجراءات الأميركية.
ولم تدرج حتى الآن اللائحة الأميركية أياً من المؤسسات التربوية والاجتماعية والصحية المحسوبة على تنظيم حزب الله على اللائحة السوداء لمنع تداول الأموال، وبسبب الضبابية قامت مصارف لبنانية باتخاذ بعض التدابير تخوفاً من عقوبات محتملة جراء ارتكاب أيّ خطأ يمكن أن يؤدّي إلى مشاكل قانونيّة لمؤسّساتهم المصرفيّة مع السلطات الأميركيّة.
يقول الأستاذ المحاضر في جامعة جورج واشنطن فراس مقصد في حديث خاص لـ"العربية.نت" إن نص العقوبات لم يأت على ذكر المؤسسات الاجتماعية والصحية والتربوية التابعة لحزب الله حرفياً، غير أنه بمجرد ذكر عبارة "أيّ حسابات مصرفية مرتبطة بحزب الله يجب إقفالها ومنع تداولها "، فهذا يعني قطعا أنها تطال الرواتب الحكوميّة الرسميّة، التي تحوّلها وزارة الماليّة اللبنانيّة بالعملة اللبنانيّة "الليرة"، إلى نوّاب ووزراء حزب الله في الحكومة ، عبر مصارف لبنانيّة، كما تطال مؤسسات حزب الله بدون استثناء.
وهذا -بحسب مقصد- يخلق حالة من الذعر لدى المصارف اللبنانية، خاصة أنّ تجارب سابقة لا تزال ماثلة في أذهان المصرفيّين اللبنانيّين، أفضت إلى أزمات مصرفيّة كبيرة.
فقبل أعوام قليلة، اتّهمت السلطات الأميركيّة مصرفاً لبنانياً، هو البنك اللبناني الكندي، بالتورط في شبهة تبييض أموال لصالح أشخاص رأت أنّهم قريبون من حزب الله. وهو ما أدّى فعلياً إلى تصفية المصرف نهائياً وإقفاله.
ويحذر مقصد من أن البنوك المراسلة الدولية ستقوم بقطع كل العلاقات مع المصارف اللبنانية إذا كانت لا تتوافق تماما مع القوانين الدولية، لذا فالمصارف اللبنانية -برأي مقصد-، لا تبالغ في التشدد في تطبيق الإجراءات ، بل تقوم بما يتعين عليها فعله، من أجل حماية نفسها من مخاطر " DE-RISKING".
ويقول إن العقوبات لم تكن لتصدر لو كانت ستقف عند هذا الحد، ما يعني أنها ستتبعها خطوات إضافية، لذا فمن المرجح أن تكون هناك تشريعات جديدة يجري إعدادها لاتخاذ تدابير إضافية ضد المصارف اللبنانية، مكمّلة للقانون رقم 2297، وهذا ما يتم الحديث عنه في أروقة الكونغرس الأميركي غير أنها تبقى معلومات غير مؤكدة حتى هذه الساعة".
إن قضيّة التدقيق الأميركي في النشاط المالي والمصرفي في العالم بما في ذلك لبنان، تظل حاضرة في هذا القطاع، -وفق مقصد-، وتقتضي التعامل معها بدقّة من دون أي تساهل" فالقضية لم تعد مرتبطة بالخزانة الأميركية، ولا بيد مصرف لبنان، بل باتت مرتبطة بالقطاع المالي أو PRIVATE FINANCIAL SECTOR حيث تعمد المصارف المراسلة إلى قطع علاقاتها المصرفية في بلدان تصنف ذات مخاطر عالية وهذا ما يعرف بـ"DE-RISKING ".
وعلى غرار ما يحصل حالياً في إيران، إذ إنه وعلى الرغم من رفع العقوبات الأميركية عنها في منتصف العام الماضي، غير أن المصارف الأميركية لا تزال متخوفة من التعامل مع الشركات الإيرانية وإجراء التحويلات المالية في ما بينها نظراً إلى موقفها الداعم لتمويل المجموعات الإرهابية مثل حزب الله.
وتشير الأرقام إلى أن الولايات المتحدة الأميركية قد فرضت غرامات بنحو 43 مليار دولار على 10 بنوك عالمية رائدة، على مدى السنوات السبع الماضية بسبب تعاملات مرتبطة بتمويل منظمات إرهابية.
حزب الله.. منظمة إجرامية
ويوضح مقصد أنّ "الجديد والأساسي في القانون الأميركي 2297، هو إضافة صفة منظمة إجراميّة إلى صفة منظمة إرهابية لتوصيف حزب الله وفق القانون الأميركي. وهذه الإضافة تعني أن جهات حكوميّة أميركيّة جديدة باتت معنيّة أو مخوّلة بملاحقة حزب الله وكل ما يرتبط به، وهي لجان الكونغرس المتخصّصة، ومكتب الاستخبارات ضمن وزارة الخزانة الأميركيّة، وطبعاً السلطات الأميركيّة المعنيّة بمكافحة تبييض الأموال وغيرها من الجرائم المنظّمة". إذن صارت معظم الهيئات الحكوميّة الأميركيّة معنيّة بملاحقة حزب الله، وهذا ما يعقّد المعالجة لبنانياً.
ملخص قانون منع التمويل الدولي عن حزب الله
ينص الباب الأول من القانون على منع وصول حزب الله للمؤسسات المالية الدولية، بحيث يرفع الرئيس الأميركي إلى اللجان والمسؤولين المعنيين في الكونغرس، خلال مهلة 90 يوماً من تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ، تقريراً عن كل شركات البث والستالايت والإنترنت التي تتعاقد مع قناة المنار أو تقدم لها خدمات بث وتواصل، تمهيداً لوضع هذه الشركات على لائحة المقاطعة الأميركية بتهمة دعم نشاطات إرهابية وتمويلها.
كما يحظر على المصارف الأميركية، خلال مهلة لا تتخطى الـ120 يوما من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ، فتح أو الإبقاء على أي حساب وسيط لإتمام معاملات أي مصرف أجنبي تورط في تبييض أموال لحساب حزب الله أو القيام بأي تحويلات مالية أو تقديم أي خدمات مصرفية تساعد حزب الله في تحويل الأموال.
إلى جانب طلب التحري عن الطرق المعتمدة من قبل حزب الله للحصول على التمويل والقيام بحوالات مصرفية، سواء أكان ذلك عن طريق استخدام النشاطات التجارية أو مراكز الصيرفة أو مناطق التجارة الحرة.
الباب الثاني - التقارير والمذكرات بحق حزب الله بشأن الاتجار بالمخدرات وممارسة الأنشطة الإجرامية
ويطلب القانون، التحري عن نشاطات حزب الله المتعلقة بـ"تجارة المخدرات" و"النشاطات الإجرامية" الأخرى، ومن ضمنها "الاتجار بالبشر"، تمهيداً لاتخاذ الإجراءات اللازمة من قِبل الإدارة الأميركية لتصنيف حزب الله كجهة أجنبية تقوم بفعل تجارة المخدرات على المستوى الدولي.
ويفرض القانون الأميركي 2297 عقوبات على الدول التي تقدم دعماً مالياً لحزب الله والدول التي يوجد للحزب فيها شبكات للخدمات اللوجستية، حيث سيصار إلى سؤال حكومات هذه الدول عن الإجراءات المتخذة من قبلها لوقف هذه النشاطات أو منعها.
ويجب على وزارة الخارجية والخزانة الأميركية، وغيرها من الإدارات والوكالات الفيدرالية اطلاع الكونغرس كل 180 يوما على التصرف في الأصول وأنشطة حزب الله المتعلقة بتمويل الإرهاب وغسل الأموال.