رام الله الإخباري
في الماضي، في عصر ما قبل الطيران والقوارب السريعة، كان الناس يقضون شهوراً في الطريق إلى مكة، القلب النابض للعالم الإسلامي. فمكة تبعد كثيراً عن عواصم المسلمين الكبري، مثل إسطنبول ودلهي وأصفهان.
كان المسلمون يأتون من مسافات شاسعة سيراً على الأقدام أو على ظهور الجمال والخيل. وكانت بعض القبائل البدوية تقطع الطريق على الحجاج، فقد كانوا مصدر دخل رئيسي لهم في تلك الصحراء المترامية.
أما الآن، فقد سهل السفر عن طريق الجو الرحلة إلى مكة وأصبح من المعتاد أن يسافر المسلمون من الطبقة المتوسطة للحج والعمرة. في العام الماضي، كان عدد الحجاج نحو ثلاثة ملايين حاج، ويعتبر الحج فريضة على كل من استطاع إليه سبيلاً من المسلمين.
أما العمرة، فقد كان عدد القائمين بتلك الشعيرة نحو 5 ملايين على مدار العام، من خارج المملكة، بالإضافة لعدد كبير من المواطنين السعوديين الذين يزورون مكة بصورة منتظمة.
قام المصور الإيطالي لوكا لوكاتيللي-بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية- بزيارة مكة هذا العام أثناء العمرة، وقام بتصوير التغيير الكبير الذي حدث للمدينة لمواكبة الأعداد الكبيرة من الحجاج والمعتمرين التي تتوافد عليها.
حتى النصف الأول من القرن العشرين، كانت مكة بلدة صغيرة معروفة ببيوتها الحجرية الواسعة التي اشتهرت بالمشربيات التي كانت تزين نوافذها.
كان يحيط بالكعبة، بيت الله الحرام، خمسة تلال. أما اليوم، فكل ما تبقى من المدينة القديمة هو القباب العثمانية في المسجد الحرام والمآذن والكعبة.
أما التلال والمنازل القديمة وحتى بعض الآثار التي كانت تنسب لحياة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، تم هدمها ليحل محلها أسواق تجارية عملاقة وفنادق شاهقة ومبانٍ سكنية.
بدأت تلك التغييرات في الظهور منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، حين بدأت عائدات النفط تتيح لملوك السعودية إقامة توسعات للمسجد الحرام وما حوله.
وقامت مجموعة بن لادن السعودية بإقامة مشروعات للتوسعة زادت تكلفتها على 26 مليار دولار، وتضمنت تلك المشروعات إضافة مناطق جديدة للصلاة وسلالم كهربائية والمئات من دورات المياه.
وقد أوصى الملك عبد الله قبل وفاته بإنشاء مظلات عملاقة قابلة للطي في الساحات المحيطة بالحرم لحماية الحجاج من الشمس الحارقة أثناء الصلاة أو قراءة القرآن. أما الملك سلمان، فقد أعلن عن نيته لإنشاء طريق دائري وقطارات أنفاق وقطارات بين المدن لنقل ملايين الحجاج.
إحدى صور لوكاتيللي تبدو وكأنها التقطت من الطائرة، ولكنها في واقع الأمر التقطت من أعلى نقطة ببرج الساعة الملكي، والذي يتضمن فندقاً وسوقاً تجارياً ويبعد عن بوابات الحرم بضع مئات من الأمتار فقط. يبلغ ارتفاع برج الساعة 46 ضعفاً ارتفاع الكعبة، وساعته أكبر من ساعة بيغ بن بخمس مرات.
على مر التاريخ الإسلامي، لم يقم أي حاكم ببناء مثل هذا البناء بالقرب من الكعبة.
في الفنادق الفاخرة المحيطة بالكعبة، مثل فيرمونت مكة ورافلز مكة بالاس، يتم التسويق للغرف التي تطل على الحرم بأسعار تتراوح بين 1500 إلى 2700 دولار في الليلة أثناء موسم الحج.
وقد حصل لوكاتيللي، الذي ولد في أسرة كاثوليكية، على حق زيارة مكة عن طريق زواجه من مسلمة إندونيسية، فقد أعلن اعتناقه للإسلام لأجل الزواج بها، وأصبح لديه تعاطف مع الدين الإسلامي.
في صوره الرائعة تستطيع أن ترى مشاهد الحج المألوفة، بالإضافة إلى خليط من النزعة التجارية الشديدة والإيمان الخالص في تلك الأراضي المقدسة.
هناك صورة لرجلين يرتدون ملابس الإحرام يتناولون وجبة في أحد المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة، وأخرى لشاب يلتطقت صورة "سيلفي" مع الكعبة، وكذلك صورة للمئات من الناس يصلون داخل سوق تجاري. يقول لوكاتيللي "أردت أن أُري المشاهد الغربي أن السياحة الدينية في مكة لا تختلف كثيراً عن السياحة الدينية في أي حرم مقدس آخر".
كان لوكاتيللي قلقاً في أول الأمر بشأن كونه غريباً، لكنه قال إنه وجد السلام في مكة وأن كل مخاوفة تلاشت سريعاً.
New York Times