رام الله الإخباري
لم يكن محمد علي كلاي شخصية عابرة، بل علما كبيرا بخصال فريدة، تشبع بروح الإسلام وذاب فيه، وقال عن ذلك، إنه كلما عرف الكثير عن الله وعن الإسلام كلما فهم أكثر أنه علم القليل.
وصف محمد علي كلاي نفوره منذ نعومة أظفاره من الظلم ومن العنصرية المقيتة داخل المجتمع الأمريكي ضد السود، التي رأى وعاين ويلاتها وشرورها، وصف ذلك في كتاب سيرته الذاتية "روح الفراشة" قائلا إنه كان يبكي كل ليلة تقريبا قبل أن يهجع للنوم من الشعور بالإهانة الدائمة التي يتعرض لها السود في أمريكا.
ولذلك انشغل منذ وقت مبكر من حياته بالبحث عن مثل عليا يتخذها طريقا في حياته اللاحقة ترسم له خياراته وقراراته المصيرية، وقاده هذا الشعور للتعرف على الإسلام في سن السابعة عشرة، فانجذب إليه واستقر فيه، ومنذ ذلك التاريخ وُلد من جديد، وتغيرت حياته بشكل كامل وأصبح اسمه محمد علي.
وحين رفض الخدمة العسكرية في أوج الحرب في فيتنام عام 1967، ما عرضه للحرمان من رخصة الملاكمة ومن لقب بطل، بالإضافة إلى الإدانة التي رفعتها عنه المحكمة العليا عام 1971، لم يجزع ولم يتردد، وأعلن بكبرياء أن "لا خصام له مع الفيتكونغ (المقاتلون الفيتناميون) كما أن الفيتكونغ لم ينادوه بتاتا بالزنجي!"
ولم ينته الأمر عند هذا الحد فقد أعلن أن عقيدته الإسلامية لا تنسجم مع التزامات الجنود في تلك الحرب، وأنه لا يستطيع أن يجرح أو يقتل أناسا لا معرفة له بهم، أناس لم يتسببوا له ولا لبلده بأي ضرر، مضيفا أن تلك ليست المهمة التي وضعها الله على عاتقه.
ولفت كلاي في معرض شرحه لظروف رفضه المشاركة في حرب فيتنام إلى أن قراره كلفه الكثير، وأن الملايين انفضوا عنه لها السبب، وكشف أن السلطات الأمريكية حاولت إغراءه بشتى الطرق، منها أنهم وعدوه بأنه لن يحمل مسدسا في يده بتاتا، وأنه لن يقترب مطلقا من المناطق الساخنة، إلا أنه لم يتخل عن قراره على الرغم من هذه العروض، وذلك لأن الحكومة الأمريكية كانت تريد استغلاله للدعاية لهذه الحرب الظالمة.
كلاي كان واضحا في موقفه الصلب والصعب تجاه أي مشاركة في حرب فيتنام حتى لو كانت شكلية، وهو أكد أنه لو وافق على عروض السلطات الأمريكية لكان مضطرا للتخلي عن دينه وعن عقيدته، ولذلك فضّل أن يكون مخلصا لربه.
على مثل هذا النهج سار محمد علي كلاي وفيا لإسلامه ولمبادئ عقيدته، وصاغ ذلك في جملة بليغة مثقلة بالحكمة تقول: "أسأل نفسي قبل النوم دائما، هل سأكون فخورا بحياتي اليوم إذا لم أصحو من نومي غدا"، مضيفا "أحاول ببساطة أن أجعل الآخرين سعداء وأدخل الجنة".
ولم يغتر كلاي بالإسلام ولم ينزه نفسه ولم تسكنه الظنون، كتب في سيرته الذاتية معبرا عن ذلك بقوله: "العظماء لا يرغبون أبدا في أن يكونوا عظماء من أجل أنفسهم، كل ما يريدونه أن تُمنح لهم فرصة ليكونوا قريبين من الله، وأن يقوموا بأعمال خيّرة. لست مثاليا، وأعلم أنه يتوجب علي تغيير الكثير وأنا منكب على ذلك، وبعض أعمالي لا افتخر بها، بخاصة تلك التي سببت الألم لآخرين من الناس، وأدعو الله أن يغفر لي".
ويمكن القول إن الإسلام أعاد تكوين كلاي، ووجد البطل ذو الروح الكبيرة والعقل المتقد الذي لم تلهه قوته الجسدية عن البحث عن الحق والحقيقة، في هذا الدين المعنى الخالد للوجود وللتسامي وللعدل وللمحبة وللخير، ولذلك حين سئل عن موقفه من الأديان الأخرى، أجاب: "الأنهار والبرك والبحيرات والجداول بتسميات مختلفة، وكلها تحتوي على الماء، والأديان لها أيضا أسماء مختلفة وجميعها تحتوي على الحقيقة".
لقد رأى محمد على كلاي النور في الإسلام وبالإسلام، ولذلك عبّر عن الحكمة وانحاز إلى الخير، وقال معبرا عن ذلك إن "الديك يصيح فقط حين يرى النور، ضعوه في غرفة مظلمة ولن يصدر عنه أي صوت. أنا أرى النور وأنا أصيح".
روسيا اليوم