موقع رام الله الاخباري :
كتب المحامي رائد ظرف ......
في العصور الوسطى وفي مدينة سكسونيا الألمانية، كانت هناك طبقتان من الشعب، إحداهما طبقة عامة الشعب وهي طبقة فقيرة تكد وتشقى من أجل الحصول على لقمة عيشها والأخرى طبقة النبلاء الأغنياء التي تزداد غنى على حساب عرق وكد عامة الشعب الفقير التي تعمل تحت إمرة طبقة النبلاء.
وفي يوم من الأيام، ودون سابق إنذار، قام المشرعون السكسونيون بإقرار قانون يحكم مجتمع مدينة سكسونيا، وكان هذا القانون عادل في العقوبة وغير عادل في طريقة تنفيذها وذلك حسب الطبقة، فعقوبة الإعدام للمجرم من طبقة عامة الشعب تتم بقطع رأسه أمام العامة، أما عقوبة الإعدام للمجرم من طبقة النبلاء تتم بقطع رأس ظله أمام العامة، وكذلك الحال بالنسبة لعقوبة الجلد يتم جلد ظله، وعقوبة الحبس يدخل من باب السجن الأمامي ويخرج من الباب الخلفي، وبقي هذا القانون مضرب المثل إلى يومنا هذا، إنه قانون سكسونيا! باعتقادي أن قانون الضمان الاجتماعي الفلسطيني يتقاطع في بعض المواضع مع قانون سكسونيا سواء من خلال طريقة صياغته وتشريعه وتعديله أو من خلال بعض ما احتواه من مواد أو من خلال إضطهاده لعامة الشعب، كيف ذلك؟! إن ما درسناه في كليات القانون وكما يقولون “ألف باء القانون” أن: الشعب وليس سواه هو مصدر السلطات وهذا ما تنص عليه الدساتير في كل دول العالم وهو ما نص عليه القانون الأساسي الفلسطيني في المادة الثانية منه: “الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في هذا القانون الأساسي”، ومفهوم هذه المادة أن من لديه السلطة الفعلية هو الشعب، يمارسها بواسطة نواب عنه يتم انتخابهم ليشكلوا السلطة التشريعية ورئيس يتم انتخابه ليمثل السلطة التنفيذية، وأن من يشرع القوانين هي السلطة التشريعية وتقوم بتنفيذها وإنفاذها السلطة التنفيذية.
في حالتنا الفلسطينية، فالوضع مختلف نوعاً ما؛ نظراً لوجود عدة عوامل أدت إلى تدهور الحالة القانونية بدأت منذ عام 2007 عندما حصل الانقسام بين جزئيّ الوطن ونتج عن ذلك اختفاء السلطة التشريعية، ومنذ عام 2007 لا يوجد في فلسطين إلا سلطتان فقط تنفيذية وقضائية، وتماشياً مع هذه الطبيعة القانونية الخاصة بفلسطين ولغايات استمرار الحياة واستمرار مواكبة قوانين فلسطين لتطورات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كان الحل الوحيد هو قيام السلطة التنفيذية باستحداث سلطة تشريعية خاصة بها تتمثل بالحكومه والتي بدورها تقوم بتشريع القوانين التي تراها مناسبة بعد مشاورات مع طبقة النبلاء ومن ثم يتم عرض هذه القوانين على رئيس السلطة التنفيذية ليصادق عليها ويصدرها فوراً بغض النظر عن أن هناك حالة ضرورة لا تحتمل التأجيل أم لا، فكما أشرتُ أعلاه أن حالتنا الفلسطينية خاصة والوضع مختلف، فمثلاً قانون الضمان الاجتماعي على مدى أكثر من 20 عاماً كان إصداره غير ضروري ولكنه فجأة أصبح قانوناً مهماً لا يمكن استمرار الحياة من دونه، لماذا لم يتم انتظار السلطة التشريعية الأصيلة بتشريع القوانين لتشرعه وليكن ذلك بعد عشرين سنة أخرى.
علاوة على ما تم ذكره أعلاه بخصوص صحة وضرورة إصدار قانون الضمان الاجتماعي فإن هذا القانون تم إشباعه ملاحظات وانتقادات من قبل كل المنظمات والهيئات والنقابات العمالية وحتى الكتل البرلمانية ومن قبل طبقة عامة الشعب حتى بُح صوتهم، ولكن لا يوجد آذان صاغية فعلى ما يبدو أن آذان الحكومة تتجه نحو همس طبقة النبلاء، هل يعقل أن مصدر السلطات وهو الشعب الذي يرفض القانون والحكومة التي تمثل الشعب لا تستجيب للشعب! أود الإشارة الى أن الحكومة ممثلة برئاسة الوزراء خرجت ببيان مقتضب جاء فيه بخصوص قانون الضمان أنها ماضية في تطبيقه وأطلقت وعود بأن يتم تشكيل لجنة قانونية فيما بعد (ربما بعد عشرات السنين) والتشاور مع الأطراف ذات العلاقة ومن ثم تعديله!
أي أن هناك اعتراف ضمني من قبل الحكومة بأن هناك خلل في هذا القانون، والسؤال هنا هل يستقيم أن يتم تطبيق قانون ومن ثم تعديله؟ لماذا لا يتم وقف القانون وتعديله ومن ثم تطبيقه؟ أم أن هذه الوعود وهمية لا تتعدى تعديل ظل القانون. سيدي الرئيس لماذا يتم إصدار مثل هذا القانون المجحف في حق أغلبية فقراء شعبنا؟ لماذا لا تستمع الحكومة لمطالب هذا الشعب المغلوب على أمره؟ لماذا لا يتم تأجيل إصدار مثل هذه القوانين التي تمس لقمة عيش أغلبية هذا الشعب حتى يشرع من قبل السلطة التشريعية ولو بعد حين؟ ليتم مناقشته مادة مادة وبنداً بنداً من قبل نواب الشعب، فليس هناك أي حالة ضرورة للاستعجال في إصدار مثل هكذا قوانين بصورة استثنائية، فقد أجمع الفقه الأجنبي والعربي على تعريف حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير بأنها: “الحالة التي تنتج عن توافر ظروف فجائية أو حالات شاذة أو خطر داهم يحدق بالوطن، بحيث يتعذر دفع هذا الخطر بالوسائل القانونية العادية مما يضطر بالإدارة الى اللجوء للسلطات الإستثنائية، باعتبار أنها الإجراء الوحيد الذي لا بد منه للتغلب على هذه الظروف الشاذة ومواجهة الأزمات الطارئة”.
فهل قانون الضمان الاجتماعي هو قانون يشكل حالة ضرورة لا تحتمل التأجيل؟! إضافة إلى كل ما تقدم فإن الكتل البرلمانية في المجلس التشريعي والتي تتكون من نواب المجلس التشريعي قد اعترضت على هذا القانون وتقدمت بمجموعة من الملاحظات ودعت إلى وقف هذا القانون، وكما هو معروف وحسب القانون الأساسي، يجب عرض أي قانون يتم إصداره بالطرق الاستثنائية على المجلس التشريعي في أول جلسة انعقاد له، وفي ظل الملاحظات والاعتراضات المشار إليها من قبل النواب فإن هذا القانون
بالضرورة سيتم رفضه من قبل المجلس وبالتالي سنكون أمام نتائج كارثية بعد أن يكون هذا القانون قد قطع شوطاً كبيراً في تطبيقه. بعد كل هذه الملاحظات والاستعراضات والإستنتاجات والافتراضات، أليس من الحكمة على الحكومة أن تأخذ هذا بعين الاعتبار وتتخذ الإجراءات المناسبة وتفتح آذانها لاحتجاجات طبقة عامة الشعب الفقير!