رام الله الإخباري
موقع رام الله الاخباري :
تخيّل أن تمتلك بيتاً على ربوة مرتفعة، تحيط بك الخضرة من كل جانب، ولبيتك هذا نافذة تطل على المسجد الأقصى ومدينة القدس، لا يفصل بينكما سوى ربوة أخرى مخضرّة. لعلك تحدث نفسك الآن أن هذا البيت هو إحدى النعم التامة في هذه الدنيا، لكن الإقامة فيه لها ثمن باهظ.
المقدسية هناء صلاح "أم حمزة" استطاعت دفع الفاتورة -وما زالت تدفع- منذ عشرات السنين، حيث يقع بيتها في حي الثوري (جنوب المسجد الأقصى المبارك)، ويتكون من غرفتين فقط، تعيش فيهما هي وزوجها مع أبنائهما الستة.
أما باقي البيت فهدمه الاحتلال الإسرائيلي بحجة عدم الترخيص، وتقول هناء -بلهجة مقدسية- "لما بيتك ينهد معظمه وتضطر لاستعمال حمّام خارج البيت، ويأتي عليك العيد في البرد وما تقدر تحمّم ولادك هذا هو القهر بعينه".
ليس للبيع
تعلو بيت المقدسية أم حمزة بؤرة استيطانية بُنيت مكان بيت فلسطيني سُرق عند احتلال القدس عام 1967. وحاول الاحتلال مراراً السيطرة على بيت أم حمزة ليتسنى له توسيع بؤرته، فسعى للتضييق عليها وعلى عائلتها بشتى الوسائل، وعرض عليها شيكا مفتوحا لتبيعه، لكنها رفضت، ولا زالت ترفض.
بيت أم حمزة قائم منذ العهد التركي، ولم يخرج ساكنوه منه حتى أثناء الحرب واحتلال مدينة القدس. وتضيف المقدسية الصابرة "عرضوا عليّ شيكا مفتوحا، فقلتلهم هالأرض إلها ثمن، بس ثمنها دمي ودم ولادي ودم كل مسلم".
إضافة إلى محاولات الاحتلال شراء منزلها، حاول استخدام القوة عبر الاعتداء على الأرض الملاصقة لمنزلها ببناء سور داخلها، فوقفت أم حمزة في أرضها للحيلولة دون الاستيلاء عليها.
وتضيف أنها وقفت ليلا ونهارا، صيفا وشتاء، أمام أطماع المستوطنين واعتداءاتهم والألفاظ المسيئة التي سمعتها من المستوطنين.بيت أم حمزة متهالك، وتغزوه مياه الأمطار، خاصة مع قيام الاحتلال بتوجيه مصب مياه البؤرة الاستيطانية نحوه، لتمتلئ جنبات البيت بالماء. وتعبر أم حمزة عن تلك المعاناة فتقول "احنا انكوينا منهم، كنا نصحى الصبح نكون مغرقين بالمي (الماء)، وكل دارنا باردة ومبلولة".
لم تسلم النباتات أيضا من أذى الاحتلال، فقد طُلب من أم حمزة وعائلتها إزالة إحدى الأشجار المرتفعة بحجة حجبها الرؤية من داخل البيوت في البؤرة الاستيطانية، وعندما رفضت إزالتها أو قطعها قام الاحتلال بتسميم الشجرة لتموت وتصبح جافة مصفرة الأوراق.
في مواجهة كل التحديات تهوى هناء صلاح العمل في أرضها، فتمسك المعول وتحرثها وترعى الأشجار فيها، تنفيذا منها لاعتقادها بأن الأرض هي أساس الصمود والتجذر، مستأنسة بحديث للنبي صلى الله عليه وسلم عن فضل الرباط في القدس والعيش فيها.
ملاحقة
لدى أم حمزة ثلاثة إناث وثلاثة ذكور، تحولوا إلى أداة بيد الاحتلال لمحاربتها بهم؛ فالابن البكر "حمزة" تعرض للاعتقال والحبس المنزلي، ومحمد تعرض للاعتقال أكثر من مرة وللسجن الفعلي والتحقيق في زنازين الاحتلال بسبب عمله مهرجا في القدس وإسعاده الأطفال فيها، حسب الوالدة.تستذكر أم حمزة بأسى آلام أبنائها فتقول "اقتحموا دارنا بالليل وضربوني ورحت ع المستشفى وضربوا ولادي واعتقلوهم كمان".
ورغم مرض زوجها وعدم قدرته على العمل ووضعهم الاقتصادي الصعب، فإن السيدة المكدة تؤكد أن الرحيل عن هذا البيت ضرب من الخيال والجنون، مشددة على أن مغريات الدنيا بأسرها لا تبدلها بذرة من تراب القدس.وتختم بأن غاية أمنياتها في الحياة أن تظل محافظة على تراب القدس، وأن تظل جارة للمسجد الأقصى وتقبض روحها بعد أن تكون سجدت لله في رحابه
الجزيرة نت