رام الله الإخباري
تستغل تركيا النفايات العضوية بشكل مثالي لتحولها إلى مصدر متجدد للطاقة، ولكن ما توصلت إليه تركيا الآن جاء بعد سنوات من تفشي القمامة تسببت في بعض الأحيان في وقوع ضحايا بشرية، وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أزمة القمامة في تركيا في بداية التسعينات، وكيف حُولت القمامة من أزمة إلى مصدر متجدد للطاقة، والآليات المتطورة التي استخدمتها تركيا لتعظيم الفائدة من غاز الميثان المنبعث من تراكم النفايات وتقليص الآثار البيئية السلبية التي قد تنتج بسببه.
(1) عندما تنفجر القمامة وتقتل البشر!
في عام 1993، كان مشهد جبال القمامة في تركيا أمرًا اعتياديًّا، وعلى مساحة ضخمة في مدينة إسطنبول تقدر بنحو 350 ألف متر كانت تتجمع حوالي 2300 طن يوميًّا فيما عُرف بـ”مزبلة حكيم باشا” في إسطنبول، ومع تجمع تلك الكميات الضخمة من القمامة على هيئة أنقاض دون تنظيف أو معالجة انبعث غاز الميثان بعد تحليل البكتريا للمواد العضوية، وتجمع غاز الميثان حتى انفجر في الساعة العاشرة صباحًا في يوم 28 أبريل لعام 1993، وأسفر الانفجار عن دفن منازل بسيطة لمنطقة سكنية عشوائية فقيرة تحت القمامة؛ مما أسفر عن مقتل 27 شخصًا وفقدان 12 شخصًا بالإضافة إلى إصابة العشرات!
(2) مخاطر غاز الميثان
ينتج غاز من تراكم تجمعات النفايات العشوائية، ولانبعاثات غاز الميثان آثار بيئية خطيرة أظهرت القصة القصيرة سالفة الذكر جانبًا منها، ولكن الأمر لا يتوقف على ذلك؛ إذ يتسبب غاز الميثان المنبعث من النفايات، في إلحاق ضرر بالهواء يساوي 25 مرة الضرر الذي يسببه غاز ثاني أكسيد الكربون، ويتسبب بنسبة من 3% إلى 5% في ظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة عن نشاطات بشرية، وهو ما دفع الأمم المتحدة من خلال برنامجها البيئي لحث الدول الصاعدة كتركيا في استخدام الوسائل الحديثة لمعالجة النفايات للحد من ظاهرة التغير المناخي.
(3) كيف يتحول غاز الميثان إلى كهرباء؟
لتجنب الآثار السلبية البيئية لغاز الميثان المنبعث من تراكم النفايات، ولتحقيق أقصى استفادة منه ومن القمامة، يتم تجميع أطنان القمامة الضخمة و نشرها في مناطق صحراوية منعزلة عن المدن، ثم دفن تلك القمامة بالرمال لفصل الأكسيجين عنها لمدة قد تصل إلى عامين، ليبدأ غاز الميثان في الانبعاث من القمامة المدفونة تحت الأرض، ومن ثم يتم سحب الغازات الناتجة عن النفايات من تحت الأرض وتجميعها عبر شبكة من الأنابيب قبل إرسالها للحرق بهدف تشغيل محركات ضخمة تحول الطاقة الحركية إلى كهربائية، وبتلك العملية تتحقق منفعة مزدوجة من خلال استخدام غاز الميثان المنبعث من النفايات لتوليد الطاقة، وفي نفس الوقت يتم تجنب انبعاث نسبة كبيرة من غاز الميثان الذي يتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري.
(4) من النظرية إلى التطبيق في تركيا
تمتلك تركيا 22 محطة توليد طاقة كهربائية عن طريق غاز الميثان موزعة على 11 محافظة تركية، وقد ساعد تركيا على ذلك خلال السنوات الأخيرة مُضيها قدمًا -وبالأخص خلال فترة حكم رجب طيب أردوغان- على إنشاء ما يمكن وصفه “مكبات النفايات الحديثة”، فبعد تكثيف الجهود لجمع النفايات، كان لا بد من القيام بإجراءات لتنظيم التخلص من النفايات قبل وصولها لمحطات توليد الطاقة الكهربائية، ولذلك أنشأت تركيا ما يقرب من 3000 منطقة مصممة لطمر النفايات، وتخضع لرقابة البلديات الجهة المسؤولة عن جمع القمامة، ويقترب بذلك عدد “مكبات النفايات الحديثة” من عدد البلديات في تركيا، وهذا لرقم يُمثل “طفرة” عما كانت عليه مناطق طرم النفايات الخاضعة لرقابة البلديات، إذ بلغ عدد تلك المناطق في بداية التسعينيات 90 مكبًا فقط لعدد سكان بلغ حوالي 70 مليون نسمة في تلك الفترة!
واحدة من تلك المحطات البالغ عددها 22 في أنحاء تركيا، هي محطة شركة الشرق الأوسط لتوليد الكهرباء القريبة من إسطنبول، والتي تُعرف بأنها أكبر محطة من نوعها في “أوروبا”!
ففي محيط تلك المحطة تتجمع النفايات على مساحة 55 هكتارًا (الهكتار= 10آلاف متر مربع) في باطن الأرض، معزولة عن الأكسجين لتتحول إلى غاز الميثان الذي يتجمع في أنابيب ضخمة لإحراقه لتشغيل محركات ضخمة تحول الطاقة الحركية لطاقة كهربائية.
وينتج عن كل مليون طن قمامة ميجا وات، وتتمتع تلك المحطة بقدرة إنتاجية عالية تصل إلى 35 ميجا وات، لتوفر بذلك 10% من احتياجات مدينة إسطنبول للطاقة، لتخدم بذلك حوالي مليون مواطن.
أما عن الآثار البيئية الإيجابية التي تسببت فيها تلك المحطة على الغلاف الجوي، فتتمكن تلك المحطة وحدها من منع امتصاص نحو مليوني طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهذا يعادل قدرة مليوني ونص مليون شجرة في الطبيعة، وهو ما يُقلص من مخاطر غاز الميثان في التسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري.
(5) عندما تولد الكهرباء من قشور الفستق!
“إن واحد طن من الفستق يمكن أن ينتج 1.1 مليون متر مكعب من الغاز الحيوي، التي بدورها يمكن أن تولد 14 ساعة كيلووات -ما يكفي لتلبية احتياجات منزل نموذجي تركي لمدة عام”.
هكذا يقول غوكسيل ديميرير أستاذ في قسم الهندسة البيئية في جامعة “الشرق الأوسط التقنية” في “أنقرة” مُسلطًا الضوء على أهمية قشور الفستق في إنتاج الميثان الذي تستخدمه تركيا في توليد الكهرباء.
وبعد 3 سنوات من البحث والدراسة حول نسبة غاز الميثان المتواجدة بقشور الفستق تبين احتوائه على نسبة جيدة يمكن استغلالها في إنتاج الكهرباء، ويساعد تركيا في هذا الصدد أنها واحدة من أكبر دول العالم في إنتاج الفستق، وتعد بلدية “غازي عنتاب” المصدر الرئيسي للفستق التركي.
وفي هذا الصدد، قالت فاطمة شاهين -رئيسة بلدية غازي عنتاب-: “ننتج في العام 120 ألف طن من الفستق، ونهدف لإيصالها إلى 300 ألف طن. خصوصًا الفستق الذي نسميه “الفستق الأخضر”، والذي تبقى القشرة الخارجية له طازجة لمدة شهرين، حيث تم الكشف عن وجود غاز الميثان في القشرة. حاليًا التجارب الأولية كانت نتائجها جيدة، وسنقوم بدراسة تجريبية موسعة، وإذا كانت النتائج إيجابية سيتم تأسيس منشأة لتصنيع غاز الميثان، كما يتم تصنيع غاز من القمامة ومخلفات الحيوانات سيتم أيضًا تصنيع غاز الميثان من قشور فستق عنتاب. هذا يعني أن فستق عنتاب سيتحول إلى ذهب أخضر بالكامل”.
ولفتت فاطمة إلى أنه تم تقديم الطلبات للسلطات المعنية من أجل محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة إنتاجية 1 ميغاواط، كما بدأ العمل على محطة توليد طاقة كهربائية بمقدار 18 ميغاواط.
وكالات