رام الله الإخباري
موقع رام الله الاخباري :
في محطة قطار مدينة كلونيا في ألمانيا، وبينما كان الألمان يحتفلون في رأس السنة مع مطلع العام الجديد، قام حوالي ألف مخمور بإحاطة قرابة 120 امرأة وفتاة ليتم التحرش بهن جسديا لدرجة وصلت لاغتصاب عدد منهن، بالإضافة إلى سرقة ممتلكاتهن. وبحسب شهود العيان فإن المٌعتدين كانوا ذوي ملامح “عربية وشمال أفريقية”، كما أفادت شرطة هامبورج بتلقيها حوالي 108 بلاغ تحرش جنسي في ليلة رأس السنة، وأثارت تلك الوقائع ردود أفعال رسمية وشعبية كبيرة في ألمانيا، أدت إلى إثارة المخاوف بين اللاجئين إذا ما تأكد تورط بعضهم في تلك الأحداث، من تراجع ألمانيا عن سياستها “المُرحبة
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على تداعيات الأزمة وردود الأفعال المُثارة حولها بالداخل الألماني:
(1)ردود أفعال شعبية وحزبية وعربية
تظاهر مئات الألمان في مدينة كولونيا رافضين الاعتداءات الجنسية التي حدثت، وطالبوا الحكومة باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لضبط المتورطين، والوقاية من وقوع أحداث مشابهة في المستقبل، كما استغل أنصار الأحزاب اليمينية المتطرفة الواقعة لوصف اللاجئين العرب بأوصاف عنصرية مطالبين بترحيل اللاجئين عن ألمانيا منتقدين سياسة ميركل في التعامل معهم.
وعبر المتظاهرون عن غضبهم من وقائع الاعتداءات الجنسية رافعين لافتات كٌتب عليها: “طفح الكيل. لن نسكت. سنحارب التحرش”، ورفضا للأفكار العنصرية التي تصاعدت إبان الواقعة رفع البعض لافتة كتب عليها: “كلنا ضد التحرش، وضد العنصرية”، ووجه البعض تساؤلاتهم لميركل بلافتة كُتب عليها: “السيدة ميركل، ماذا تفعلين؟ الأمر مُخيف”.
ومن الأحزاب الألمانية المعارضة لسياسة ألمانيا تجاه اللجوء والهجرة التي استغلت الحادثة لتصعيد انتقاداتهم للاجئين حزب المحافظين البافاريين في الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الذي قال أمينه العام أندريا شوير تعليقا على أحداث كولونيا: “إذا كان طالبو لجوء أو لاجئون قد ارتكبوا هذه الاعتداءات فيجب إنهاء إقامتهم في ألمانيا فورا”. وهو ما انتقدته بعض الأحزاب المعارضة التي وجدت في حديثه عدم احترام لدولة القانون متهمة إياه بالشعبوية.
“صراحةً، أصبت بخيبة أمل كبيرة لما شاهدته من انفلات فظيع وفوضى كبيرة من قبل شباب مازال لا يجيد اللغة الألمانية … اللهجات التي سمعتها صراحةً لهجات مشرقية. هناك تواجد لشباب من شمال إفريقيا، لكن ليسوا هم وحدهم فالنسبة الكبرى من السوريين والعراقيين وبعض الأفغان والهنود أيضاً”.
هكذا يحكي خالد كحولي الناشط التونسي المقيم في ألمانيا شهادته على الواقعة، وقد كون خالد هو ومجموعة من عرب شمال أفريقيا مبادرة “تضامنا مع نساء كولونيا” تلك المباردة التي حاولت تحسين سمعة المهاجرين العرب بعدما اهتزت عقب الحادثة، ووقفوا في شوارع كولونيا رافعين لافتات تضامنية، وقدموا ورودا للعابرات، ومنهن من قبل، ومنهن من رفض، وتجدر الإشارة إلى أن تقارير صحفية أفادت تورط 3 سوريين بالواقعة.
(2)الموقف الرسمي
اتجه الموقف الرسمي في ألمانيا إلى رفض العنصرية مع ضرورة اتخاذ اجراءات حاسمة ضد المتورطين في الاعتداءات، كما كثرت الانتقادات على شرطة كولونيا، وطالت السخرية رئيس بلديتها، ومع الوقت تصاعد الموقف الرسمي، وزادت احتمالات اتخاذ اجراءات أكثر صرامة في السياسة الألمانية في استقبال المهاجرين واللاجئين.
“يجب أن نبتعد مسافة (نحو ذراع) من الرجال الذين لا نشعر معهم بالثقة”
هكذا نصحت رئيسة بلدية كولونيا هنرييتي ريكر الألمانيات عقب الحادثة للوقاية من التحرش الجنسي، وهو ما أثار ردود أفعال غاضبة وساخرة عبر عنها الألمان في هاشتاج #einarmlaenge الذي لقي رواجا واسعا في ألمانيا.
“واستمرت الانتقادات للمسئولين التنفيذيين في كولونيا، إذ عبر وزير الداخلية الألماني توماس دي مزيير عن غضبه من عجز الشرطة عن التصرف في الحادثة عندما قال: “لا يمكن للشرطة أن تعمل بهذه الطريقة”، وعلى إثر الحادثة تمت إحالة قائد شرطة كولونيا إلى التقاعد مؤقتًا ، لحين استكمال التحقيقات، بعد الانتقادات الشديدة التي وجهت له عقب الواقعة.
“لا ينبغي لأحد أن يستغل هذه التحرشات والاعتداءات في التشويه الجزافي لسمعة اللاجئين… إذا كان هناك طالبو لجوء بين الجناة فإن هذا ليس سببا لوضع كافة اللاجئين تحت الاشتباه العام”.هكذا حذر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس محاولا إيقاف محاولات التنميط السلبي كافة اللاجئين، حتى وإن تورط أحدهم.
وعلى مستوى الاستشارية الألمانية طالبت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل “برد صارم بقوة القانون” ويبدو أن قوة القانون الحالي في ألمانيا غير كاف لمواجهة وقائع كهذه، إذ لَوحت المستشارة الألمانية بإمكانية إجراء تعديلات على القوانين الألمانية،
وقالت ميركل: “إن ما حدث ليلة رأس السنة أمر غير مقبول تماما. إنها أعمال إجرامية مرفوضة… لن تقبل بها ألمانيا” مضيفة “من واجبات الدولة أن تجد الإجابات الصحيحة حول ما إذا كان الأمر يتطلب تعديلا قانونيا أو تواجدا للشرطة في أماكن معينة”، وأشارت إلى أنه “من الضروري الحديث عن إجراءات قد تكون هناك حاجة إليها، مثل: ترحيل الأجانب المتورطين في أعمال إجرامية”.
ورحبت ميركل بـ”إصدار لوائح قانونية عاجلة تتيح دراسة سرعة ترحيل المتقدمين بطلبات لجوء تم رفضها من قبل السلطات الألمانية” ولفتت إلى “إن أعدادا كبيرة من طلبات اللجوء لن تتم الموافقة عليه”.
وبدت إمكانية تصعيد ألمانيا للمشكلة أوروبيَا، عندما قالت إن نظام شنغن- الذي يسمح بحرية تنقل الأشخاص عبر دول الاتحاد الأوروبي- لا يمكن أن يعمل، إلا إذا توفرت مسئولية مشتركة لاستقبال اللاجئين ومسئولية مشتركة لحماية الحدود الخارجية”.
(3)الحادثة تضع العقبات أمام ميركل
تٌعد ألمانيا أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي تستقبل لاجئين، وقد وصل لألمانيا العام الماضي أكثر من مليون لاجئ، إذ تشير تقديرات إلى أن عدد طالبي اللجوء الذين استقبلتهم ألمانيا في عام 2015 مليون و100 ألف لاجئ، واستقبلت ألمانيا حوالي100 ألف طالب لجوء سوري من بين اللاجئين الذين وصلوا إلى ألمانيا العام الماضي.
وقد زادت الدعوات من معارضين لسياسة ميركل تجاه اللاجئين، وطالبوها بوضع حد أقصى لعدد اللاجئين التي يمكن لألمانيا ووقف ما يوصف بسياسة “الباب المفتوح”، وهو ما رفضته ميركل مرارًا وتكرارًا ونالت بذلك احتراما أخلاقيا وسياسيا لدى الكثيرين، احترام امتد ليصل إلى مجلة التايم التي منحت ميركل لقب شخصية العام لعام 2015 وأحد أهم الأسباب
لذلك هي ترحيبها باستقبال المهاجرين “الذين كانوا ضحايا للتطرف والوحشية في بلادهم”، ولكن يبدو أن حُجة ميركل في الإبقاء على سياستها المُسبقة تجاه اللاجئين والمهاجرين ستضعف عقب الحوادث الأخيرة، وبالأخص إذ أظهرت التحقيقات بشكل حاسم تورط الكثير من الأجانب في تلك الواقعة، وبالأخص مع استغلال اليمين المتطرف لتلك الواقعة، مما قد يُعيق الجهود الألمانية لدمج المنحدرين من ثقافات أخرى داخل المجتمع الألماني، لتتركز تلك الجهود على وضع ضوابط أكثر شدة في التعامل مع اللاجئين.
ساسة بوست