رام الله الإخباري
موقع رام الله الاخباري :
مع اقتراب عام 2015 من نهايته، يجدر بنا الإشارة إلى ملاحظة في أساليب العمل الجهادي، التي تميزت بها العمليات التي نفذت في أوروبا، وهي اعتمادها على البندقية أكثر من الحزام الناسف. وفي بعض الأحيان زاوجت ما بين الحزام الناسف والأسلحة الأتوماتيكية، كما في عملية باريس المنسقة الشهر الماضي.
وهي ملاحظة دفعت كلا من ساندرا لافيل وجيسون بيرك للتحقيق فيها، والبحث عن أسبابها في تقرير طويل نشرته صحيفة "الغارديان". وجاء في بداية التقرير أن الأسلوب المفضل للعمليات الإرهابية في السنوات التي تلت هجمات 11/ 9 على الولايات المتحدة، كانت السيارات المفخخة والقنابل المصنعة محليا، والأحزمة الناسفة هي الخيار المفضل للجهاديين فكلها مخفية وقاتلة، ومن الصعب مواجهتها. وحدث في عام 2015 تحول للاعتماد أكثر على البندقية، خاصة "إي كي – 47"، وهذا واضح في عمليات "شارلي إيبدو" وسوسة والعاصمة تونس وغاريسا في كينيا وكوبنهاغن في الدانمارك وباريس.
ويرى الكاتبان أن هجمات هذا العام، خاصة في أوروبا، نفذت ببنادق تشبه الكلاشينكوف أكثر من أي أسلوب هجومي آخر. ففي هجمات باريس في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، لم تقتل الهجمات الانتحارية قدر ما قتل المنفذون الذين اعتمدوا على السلاح الأوتوماتيكي. وبعيدا عن باريس في تونس وكينيا، فقد قتلت الأسلحة الأوتوماتيكية أكثر من تلك التي اعتمدت على الأحزمة الناسفة.
وتشير الصحيفة إلى أن انتشار الأسلحة وتوفرها معروف منذ سنوات، ولكن حجم القتل الذي تركته هجمات باريس، يجبر أوروبا على التعامل مع المشكلة. وعليه فإن الأجهزة الأمنية في القارة تحاول البحث عن أجوبة تتعلق بمصدر الأسلحة، وكيفية وصولها إلى الأسواق الخلفية للسلاح، ومن هم الوسطاء الذين يضمنون وصولها أو بيعها للمهاجمين، ولماذا أصبحت الأسلوب المفضل لتنفيذ عمليات إرهابية.
ويجد التقرير أن جزءا من الأجوبة يمكن العثور عليه في البلقان، حيث يقابل الكاتبان زليجو فوشيليتش من دولة مونتنيغرو والجبل الأسود، الذي أوقفت الشرطة الألمانية شقيقه فلاتكو فوشيليتش على طريق ألماني سريع، في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، بعدما عثرت في صندوق سيارته على ترسانة من الأسلحة تشمل مسدسات وقنبلتين و 200 غرام من الـ"تي أن تي" وثمانية كلاشينكوفات.
ويستدرك الكاتبان بأن الشرطة لم تربط فلاتكو بأي عملية إرهابية، إلا أنها اعتقدت أنه أدى دورا مهما، وإن كان صغيرا، في عملية تهريب الأسلحة وتجارتها غير المشروعة، التي تقدر قيمتها بحوالي 320 مليون دولار في العام حول العالم.
وتقول الصحيفة إن رحلة فلاتكو تلخص الطريق التي تمر عبرها الأسلحة من مونتنيغرو مرورا بكرواتيا وسلوفينيا، ومنها إلى النمسا للمعابر الحدودية، إلى جنوب ألمانيا ومنها إلى باريس.
الأصل
ويلفت التقرير إلى أن الشرطة عندما تستخدم كلمة كلاشينكوف لوصف الأسلحة التي صاردتها، فهي تشير إلى السلاح المعروف الذي أعيد تصنيعه وتشكيله بأي تصميم. فالسلاح الأصلي من تصميم الجنرال السوفييتي ميخائيل كلاشينكوف، حيث تم إدخال هذا التصنيف في الجيش السوفييتي "إي كي- 47" عام 1948.
ويضيف أن الكلاشينكوف يستخدم اليوم لوصف أكثر من 200 تصميم، تبدأ بـ"إي كي"، بحسب مؤلف كتاب "إي كي -47: قصة سلاح الشعب" مايكل هودجز. ويقول إنه ربما وجد أكثر من 200 مليون كلاشينكوف في العالم، أي بنسبة واحد لكل 35 شخصا. ويتم تصنيعه في أكثر من 30 دولة حول العالم، وتعد الصين الدولة الرائدة في صناعة الكلاشينكوف.
ويستدرك الكاتبان بأن الأسلحة المشروعة تصبح غير مشروعة، وتقوم الصين بتصدير الكلاشينكوفات كلها إلى الدول الأفريقية، حيث تتحول هناك إلى جزء من تجارة السلاح غير المشروعة، أو لأن هذه الدول تقوم بتزويد المتمردين في دول أخرى بالأسلحة، وتحولت مثلا ليبيا، التي تعاني من الحرب الأهلية، وأصبحت فوضى، إلى أكبر معبر للأسلحة.
البلقان
وتورد الصحيفة أنه في تقرير للأمم المتحدة أعدته لجنة من الخبراء حول حظر الأسلحة عن ليبيا، وجد أن سلاح البلاد تم نقله إلى 14 دولة. ولم تظهر أدلة عن وصول السلاح منها إلى دول أوروبية. ويعتقد الكثير من الخبراء أن وصولها للقارة هي مسألة وقت.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه بالإضافة إلى استمرار تصنيع الكلاشينكوف، بمعدل مليون قطعة كل عام، فإن هناك عشرات الملايين منها موجودة في دول يوغسلافيا القديمة والبلقان بشكل عام ودول الاتحاد السوفييتي السابق وشمال أفريقيا، التي لا تزال تعمل بشكل جيد، رغم أن بعضها يعود تاريخ صناعته إلى عقد الثمانينيات من القرن الماضي.
ويكشف الكاتبان عن أنه اختفت في ألبانيا بعد الاضطرابات التي شهدتها البلاد عام 1997، حوالي 750 ألف قطعة، وأصبحت جزءا من السوق السوداء وتجارة الأسلحة غير المشروعة.
وتذكر الصحيفة أنه يتم عادة تجميع الأسلحة القديمة أو تفعيل عملها من جديد، ويستخدمها المجرمون أو الإرهابيون. وينقل التقرير عن الخبير البريطاني في الأسلحة الباليستية مارك ماستاغويو، قوله إنها "أداة بسيطة، ومن السهل استخدامها، ولهذا تجد ولدا عمره 12 عاما يحملها، وهي قوية وتعمل في الظروف كلها، الحارة وفي رمال الصحراء أو في سيبيريا".
وينوه الكاتبان إلى أن عدد الكلاشينكوفات في صربيا يقدر بحوالي 900 ألف قطعة، ومعظمها من نوع "إي كي"، وفي البوسنة هناك 750 ألف قطعة غير شرعية. وعادت كميات منها مع الفرق بعد نهاية الحرب في البوسنة، كما يقول ألكسندر راديتش. ويضيف: "في السنوات الأولى خبأ الكثيرون الأسلحة، ومن ثم بدأوا يبيعونها في السوق السوداء بقيمة 100 يورو للقطعة". ويعتقد أن معظم الأسلحة الثقيلة التي استخدمت في هجمات باريس جاء من مصادر في البلقان.
وتنقل الصحيفة عن مدير شركة "زاستافا" لتصنيع السلاح في صربيا ميلوكو بيرزكوفيتش، قوله إن الأرقام المتسلسلة لعدد من الأسلحة التي استطاعت الشرطة الفرنسية أخذها من مكان هجمات باريس تشير إلى أن بعضها أنتجته شركته.
ويوضح التقرير أن البندقية "أم70"، وهي النسخة اليوغسلافية لـ "إي كي-47"، هي جزء من شحنة أرسلتها شركته إلى سلوفينيا والبوسنة ومقدونيا. وفي الوقت الذي تساعد فيه معرفة منشأ السلاح، إلا أن هذا لا يقدم الكثير حول الطريقة التي حصل بها الإسلاميون عليها.
ويرى إيفان زيرفانوفسكي المقيم في صربيا أنه "من الصعب ملاحقة الطريقة التي تم بها تداول السلاح، وقد تعرف أن السلاح كان في مخازن الجيش اليوغسلافي في الثمانينيات من القرن الماضي، لكنك لا تعرف إن كانت بين العقد الثامن من القرن العشرين أم في عام 2015. وعليه فإنه من الصعب العثور على الطريقة التي وصلت فيها إلى أوروبا".
الطرق
ويشير زيرفانوفسكي إلى أن الطريق التي تعبر فيها الأسلحة المهربة هي الطريق ذاتها التي يعتمدها تجار المخدرات، ومعظمها ينقل عبر الطرقات. وعملية التهريب تتم على قاعدة مصغرة، فلم يلاحظ الخبير عملية تهريب لكميات كبيرة من الأسلحة، وعادة ما تكون مسدسا أو اثنين، أو بنادق مفككة مخبأة في صندوق سيارة أو حافلة.
ويقول الكاتبان إنه لهذا فإن حجم الكميات المهربة تظل صغيرة مقارنة مع كميات المخدرات، فعدد الكلاشينكوفات قليل مقابل ما يهربه تجار المخدرات من أطنان من المخدرات. وتتميز العصابات، التي تقف وراء التجارة، بأنها متماسكة، ولا يمكن لأحد الدخول فيها.
وبحسب تقرير لمكتب المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة، فإن "الجماعات المنظمة المسؤولة عن التهريب قد تكون صغيرة، يتعاون فيها سمسار له صلاته مع جماعة من المعاونين له".
وتجد الصحيفة أنه رغم أن تهريب السلاح ليس مربحا، كتجارة المخدرات، إلا أن تجاره يحققون أرباحا، فالكلاشينكوف، الذي يشترى من البلقان بما بين 30 إلى 500 يورو، يباع في أوروبا بقيمة 4500 يورو. وهناك أدلة بحسب نيلز دوكويه من المعهد الفلمنكي للسلام على تراجع أسعار الأسلحة الأتوماتيكية، التي تباع بما بين ألف إلى ألفي يورو. ويسهل وصول الأسلحة؛ نظرا لعدم الرقابة الشديدة على حدود منطقة الشينغين.
الوسطاء
ويقول الكاتبان إن السلطات السلوفاكية قامت بعد هجمات "شارلي إبيدو" في باريس بتعديل القوانين المتعلقة ببيع الأسلحة المفعلة، وهو ما جعل بيعها غير شرعي، وأجبرت جامعي الأسلحة الذين يشترون الكلاشينكوفات المنتهية صلاحيتها على تسجيلها.
ويلفت التقرير إلى أن تحرك السلطات جاء بعد ظهور أدلة على شراء الأخوين كواتشي، مهاجمي المجلة الفرنسية الساخرة، ومهاجم المتجر اليهودي أحمد كوليبالي، من سلوفاكيا.
وتقول الصحيفة إن مهدي نموش، الذي هاجم متحفا يهوديا، وقتل أربعة أشخاص وكوليبالي، والمهاجم أيوب الخزاني، الذي تعطلت بندقيته عندما كان يحاول مهاجمة قطار، كلهم اشتروا أسلحتهم من وسطاء في العاصمة البلجيكية بروكسل.
الطلب
ويكشف تقرير "الغارديان" عن زيادة في الطلب على السلاح في السنوات القليلة الماضية من المجرمين الذين يستخدمون سلاح "إي كي -47" في دول مثل فرنسا والسويد والدانمارك وهولندا.
وينقل الكاتبان عن مسؤول كرواتي بارز قوله إن التجارة بالسلاح تفوقت على تجارة تهريب المخدرات. وفي عام 2010 كشفت السلطات الفرنسية عن زيادة في مصادرة السلاح بنسبة 29%، حيث تمت مصادرة 2.710 قطع.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن الشرطة الأوروبية "يوروبول" قالت: "هناك موجة متزايدة في استخدام الأسلحة الثقيلة مثل البنادق". وهو ما أدى بفرنسا عام 2012، إلى إصدار قوانين شددت فيها بغرامات رفعت إلى 100 ألف، وسجن سبعة أعوام لمن يضبط بحوزته سلاح غير مشروع. ولكن استخدام الكلاشينكوف استمر في مناطق مثل مارسيليا.
وكالات