الكوكب الأزرق يعاني من العطش

X14-14_907-702-286-418

رام الله الإخباري

عموقع رام الله الاخباري عند النظر إليها من الفضاء، فإن الأرض – والتي تُسمّى بالكوكب المائي – تبدو كالجوهرة الزرقاء. ولكن بالنظر لكمية مياه الشرب المتاحة للبشر – والتي تبلغ حوالي 1% فقط من إجمالي المياه – فإن الأرض تعتبر كوبًا عَطشًا حتى هذه الكمية المحدودة من المياه تحتاج إلى معالجتها لتكون صالحة للشرب. يوجد هناك 800 مليون شخص حول العالم – أي ما يبلغ مرتين ونصف عدد سكان الولايات المتحدة – لا يحصلون على مياه الشرب النظيفة. في غالبية الدول، تعتبر كمية المياه المتوفرة غير كافية لسد الحاجة في مجالات الصناعة والزراعة والبيئة.

يتوقع تقرير الأمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية في العالم في حالة استمرار حاجتنا من الماء بنفس المعدل الحالي، فإن الطلب العالمي على المياه سيتجاوز العرض بنسبة 40% في عام 2030. بحلول تلك الفترة، سيتخطى عدد من يعانون من ندرة المياه إلى أكثر من مليار شخص حول العالم. العديد من البلدان ستعاني من نقص الغذاء وانخفاض مستوى المعيشة. إلى جانب تغير المناخ، تعتبر أزمة المياه واحدة من الأولويات الأكثر إلحاحًا في عصرنا.

ولكن على عكس قضية خفض انبعاثات الكربون الشائكة التي تتعلق بالسياسة نوعًا ما، فإن توفير كمية كافية من الماء للعالم لا يتطلب سوى إدارة المياه – التي نمتلكها بالفعل – بشكل فعال. لحسن الحظ، فإن بعض التقنيات الرائدة التي تعتمد على ابتكارات بسيطة ومعقولة السعر قد أثبتت قدرتها على تزويد ملايين من الناس بالمياه التي يحتاجونها. على سبيل المثال، في تسعينات القرن الماضي، قتلت المياه الملوثة بالفيروسات والبكتيريا مثل الكوليرا والزحار عشرات الآلاف من الناس في الهند.

بعد ذلك حدثت طفرة في تطهير المياه، عند اختراع تقنية “UV Waterworks” وهي عبارة عن جهاز منخفض التكلفة يستخدم الأشعة فوق البنفسجية لتعقيم المياه. ظهرت هذه التقنية عام 1995 بفضل أشوك جادجيل، مدير قسم تكنولوجيا البيئة والطاقة في مختبر لورانس بيركلي الوطني. تساهم “UV Waterworks” حاليًا في توفير المياه النظيفة لأكثر من أربعة مليون شخص يوميًا في بنغلاديش، وغانا، والهند، والفلبين. يمكننا رؤية بحيرة باول التي تقع على نهر كولورادو – الذي يوفر المياه لكل من نيفادا وأريزونا وكاليفورنيا – في مجموعة من الصور التقطتها وكالة ناسا للفضاء في عام 1991 (الصورة على اليسار) و في عام 2015 (الصورة على اليمين).

انخفضت مستويات بحيرة باول إلى حوالي 42% من طاقتها بسبب الجفاف الشديد في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى عمليات سحب المياه التي يعتقد الكثيرون أنها غير مستدامة.

على الرغم من أن ضمان الحصول على مياه شرب نظيفة يعتبر أمرًا ضروريًا للمليارات من الناس، إلا أن الزراعة تعتبر أكبر مستهلك للمياه حيث تستهلك ما يصل إلى 80% من الإجمالي العالمي. في العديد من المناطق، وخصوصًا في جنوب آسيا، يعتبر نقص المياه المستخدمة في الزراعة سببًا للفقر وسوء التغذية في المناطق الريفية. في الهند، تمثل الزراعة والقطاعات التابعة لها نصف القوة العاملة للدولة، و13.7% من إجمالي الناتج المحلي. نحو 64% من الأراضي المزروعة تعتمد على الأمطار الموسمية غير المنتظمة، مما يعني أن الملايين من المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة يعتمدون بشكل أساسي على مصادر مياه غير مضمونة لري محاصيلهم. ساهمت شركة مشاريع التطوير العالمية في الهند (IDEI) – وهي منظمة غير حكومية – بإمداد أكثر من 870 ألف مزارع من أصحاب الحيازات الصغيرة بمضخات مياه تعمل من خلال دواسة للقدم، وهي تقنية بسيطة معقولة السعر تتيح للمزارعين الاستفادة من المياه التي لم يكن بإمكانهم الوصول إليها قبل ذلك.

يمكن للمزارعين الحصول على ما بين 30% و50% من المياه المتوفرة من مصادر مثل البرك والآبار، مما أدى إلى زيادة في المحاصيل الزراعية بلغت ما بين 30% إلى 70%. يمكن أيضًا الوصول إلى حلول بسيطة عن طريق إعادة التفكير في كيفية إدارة المياه من قِبل القطاع الخاص والمرافق العامة، مع الأخذ في الاعتبار الطريقة التي يفكر بها المستثمرون بشأن نقص المياه لاتخاذ قراراتهم الاستثمارية. في الولايات المتحدة، تستهلك الزراعة والصناعات المختلفة أكثر من 90% من المياه في البلاد.

كما يهدر حوالي ربع المياه العذبة المستهلكة سنويًا في الولايات المتحدة مع مخلفات الطعام.

في خطوة لحل مشكلة النفايات تلك، قامت منظمة “سيريس” غير الربحية التي يقع مقرها في الولايات المتحدة بالضغط على الشركات من أجل التغيير عن طريق حلول فريدة من نوعها للتأثير على هذه الصناعات. وفي الوقت الحالي، تعمل “سيريس” في مرافق المياه في ولايات كولورادو وتكساس ويوتا لصياغة نموذج للتسعير والذي من شأنه أن يحفز المستهلكين للحفاظ على المياه، مع ضمان أن هذا الترشيد في الاستهلاك لن يضر بعائدات الشركات.

بالفعل قام مركز التمويل البيئي بجامعة نورث كارولينا تشابل هيل – وهو أحد شركاء سيريس – بوضع أداة مجانية تسمح بإدارة تسعير المرافق. على سبيل المثال، قد تقوم الأداة بجمع بيانات تظهر الاختلاف في مستويات الاستهلاك في مناطق سكنية مختلفة. هذه المعلومات تساعد شركات المرافق العامة لوضع الأسعار وفقًا لذلك، وبالتالي يكون النظام أكثر فعالية من حيث التكلفة.

بفضل التأثير الجماعي لهذه الابتكارات الثلاثة (تنقية المياه بالأشعة فوق البنفسجية، مضخة المياه البسيطة، وسيريس)، يتمكن أكثر من ستة مليون شخص يوميًا من شرب المياه النظيفة، والتي لم يكن ليحصل عليها لولا تواجد تلك الحلول. بالطبع يمكن أن يرى الكثيرون أن هذا العدد ما هو إلا نقطة في بحر، بالنظر لعدد الناس الذين لا يزالون لا يستطيعون الحصول على المياه النظيفة.

ولكن هذه الحلول الثلاث قابلة للتطبيق على نطاق واسع إذا عرف العالم عنها. على هذا الأساس، كُوفِئ رواد المياه الثلاث – جادجيل، IDEI، سيريس – حيث حصلوا على جائزة زايد لطاقة المستقبل في مجالات مختلفة لتميزهم في إيجاد حلول مبتكرة لمستقبل الطاقة والتنمية المستدامة. قد يبدو غريبًا أن جائزة في مجال الطاقة – تديرها شركة “مصدر” وهي شركة للطاقة المتجددة تقع في أبوظبي – تُمنَح لمشاريع تتعلق بالمياه.

من المؤكد أن المياه تعتمد بشكل كبير على الطاقة، كما تعتمد الطاقة على المياه بشكل كبير. قرابة ال 15% من المياه العذبة في العالم تُستخدَم لتوليد الطاقة.

ومع ازدياد الطلب العالمي على الطاقة، تزداد الصراعات حول الماء كذلك. إذًا فمن الأهمية أن تقوم الدول بتقييم خيارات الطاقة لديها، وإمكانية حصولها على المياه، وتقييم استهلاكها أيضًا. ويجب على من يقومون بتطوير هذه التقنيات، بالإضافة إلى شركائهم من القطاعين العام والخاص الذين يدعمون استمرارهم، وصناع القرار، أن يكون لديهم رؤية شاملة وأن يواصلوا الإبداع في سعيهم لإيجاد حلول مستدامة.

Blue Planet, Thirsty World