خرج رئيس وزراء الاحتلال، بينامين نتنياهو، بتصريح لافت في إطار إعلانه لموقف حكومته من التصعيد المستمر في الضفة الغربية، قال إن الجهود ستبذل بكل السبل والإمكانيات لمحاصرة التحريض على وسائل التواصل الاجتماعي، وسيعمل جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية على ملاحقة الفاعلين في حملات التحريض وغيرها. الميدان هنا هو فيسبوك وتويتر وما شابهها، ونتنياهو يبدو جادا، فما الذي يخشاه نتنياهو هنا تحديدا؟
لا شك أن الإمكانيات التحشيدية التي توفرها السوشال ميديا مصدر قلق رئيسي، فإمكانية الدعوة للتظاهرات وتنسيقها دون أي كلفة مادية ولا مجهود بشري، ثم إشراك قطاعات هائلة فيها دون أي تواصل مباشر معهم، تشكل مصدر تهديد مستمر وأجهزة الأمن الاسرائيلية تعرف ذلك جيدا وتراقبه كما هو واضح. بل إن المراقبة الحثيثة والتحكيم بمنافذ هذه الوسائل كلها يجعل التفكير في أن دورها التحشيدي ليس الأخطر بالنسبة للأمن الإسرائيلي. فهي قد تكون أيضا وسيلة متوفرة لكشف شبكات النشطاء والدعاة للتظاهرات ومنظميها، وهنا تؤدي دورا محفوفا بالمخاطر، وقد تكون سببا في إثراء بيانات الأمن الذي سيتفرغ عاجلا أم آجلا لمتابعة كل هؤلاء الذين أشعلوا الجماهير ومشاعرها ودفعوها للشارع.ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكن متوفرا سابقا، ويفترض أن نتنياهو وأمنه يدركونه ويعون خطره، هو قدرة هذه الوسائل على تعميم التجربة النضالية بين الفلسطينيين.
توفر السوشال ميديا إمكانية الدعوة للتظاهرات وتنسيقها دون أي كلفة مادية ولا مجهود بشري
والمقصود أن الفلسطينيين طوال سنوات الاحتلال ظلوا يعيشون في معازل مقطعة الأوصال، وشهدوا انتفاضتين عاشتها كل مدينة وتجمع سكني بشكل منفصل، حتى تكاد تلاحظ أن روايات أبناء المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية للانتفاضة تبدو متباينة بقدر كبير، فكل منطقة عاشت انتفاضتها، ولم يكن ممكنا تبادل الخبرات النضالية وتعميمها، وهذا ما ساهم في إعاقة تشكّل تراكم نضالي واضح في الأساليب والادوات النضالية، وحاولت كل منطقة خلق تراكم خاص بها ولكنه بالتأكيد كان ولا يزال قاصرا عن التراكم الذي يمكن أن تحققه المناطق مجتمعة.
والتراكم المقصود هنا هو في آليات الدعوة للتظاهر وترتيبها وتطوير الأساليب البسيطة للمواجهة، من اختيار مواقع المواجهات إلى نشر آليات التعامل مع الغاز المدمع والإسعافات الأولية والتعامل مع جنود الاحتلال ومستعربيه، ثم التعامل مع الإعلام وغيرها من التفاصيل الذي يقي العلم بها وإدراكها من خسائر فادحة، ويفتح ممكنات نضالية لا يمكن التنبؤ بها.
خلال أسبوعين وفي ظل السوشال ميديا كان المصريون قد عمموا وسائل للتعامل مع رصاص الشرطة وغازها وسياراتها، كان تعميم المعلومات والآليات سهلا وسريعا جدا، واليوم يمكن لأي مراقب ملاحظة ما يعنيه أن المتظاهرين يعودون مساء لمتابعة صفحاتهم على فيسبوك ويتعلموا من بعضهم، كيف تلبس في المواجهات وكيف تتعرف على من يتظاهرون معك وكيف تصنع المولوتوف وغيرها. والأهم هنا هو التفاصيل المتعلقة بالحالة الفلسطينية المحلية تحديدا، تلك المعرفة النضالية التي لا تتوفر إلى هنا نظرا لطبيعة العدو وشكل المواجهات معه.
ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي، ولم يكن متوفرا سابقا، ويفترض أن نتنياهو وأمنه يدركونه ويعون خطره، هو قدرة هذه الوسائل على تعميم التجربة النضالية بين الفلسطينيين
من البديهي أن إسرائيل وعسكرها يدركون ذلك، وعاينوه في أزقة البلدة القديمة في القدس وفي بيت لحم والخليل وغيرها، ويدركون أن الفتية والشبان الذين يقضون ساعات على فيسبوك معرضون لكم كبير من المعرفة النضالية اليوم، وهذه من الصعب تدبير تهم لأصحابها، كما هو الحال مع التحشيد والتنظيم، فمشاهدة ساعات لفيديوهات جولات مواجهات في مدن الضفة يبدو فعلا عاديا، ولكن آثاره لا يمكن التنبؤ بها.
مراكمة هذه الخبرات أمر بالغ الأهمية، ومن المحزن فعلا أن هنالك بديهيات في المواجهة مع الاحتلال لم تتحول حتى الآن إلى ثقافة عامة ويومية. المهم أن الفرصة ممكنة اليوم وبفضل السوشال ميديا - لسوء حظ نتنياهو-، والمهم هنا هو التفكير في كيفية جعل هذه الوسائل فعالة ومفيدة بشكل مستمر مع الانتباه إلى أنها أيضا بمثابة شرك أو فخ يغري بالكثير من الإمكانيات ولكنه يصادرها فجأة أو يعمل ضد غايات المستخدم في ظل منظومة مهووسة بالأمن.
نتنياهو يعرف أن نسب الولوج إلى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين هائلة، وللمفارقة هو مؤمن بقدرات \"شباب الفيسبوك\"، أو طخيخة الفيسبوك، التسمية التي يطلقها الفلسطينيون تهكما على فئة كثيرة الصخب وطنيًا في فيسبوك، بخلاف كثير من الفلسطينيين الذين يعلنون يأسا مبكرا من أي وسيلة يمكن تسخيرها بطريقة أو بأخرى لخدمة نضالهم.