أحياء في القدس المحتلة تعيش بين الاسمنت والخرصانه المسلحة

موقع رام الله  الاخباري | وفا :

من أعلى موقع قريب يطل على حي التلة الفرنسية التاريخي الواقع إلى الشمال الشرقي من مدينة القدس المحتلة، تجد نفسك في غابة من الأبراج السكنية العشوائية التي بنيت في أحياء رأس خميس، ورأس شحادة، ومخيم شعفاط، وهي أحياء تقع وفق تصنيفات الاحتلال ضمن سيادة بلدية الاحتلال، لكنها أبعد ما تكون عنها.

في الجانب المقابل تتربع العمارات السكنية الصغيرة نسبية التي تفصلها بساتين خضراء، وتتوسطها شبكة مواصلات عمادها الحافلات والترام الخفيف \"القطار\" يقطنها إسرائيليون من أصول غربية وتوصف بأنها من الشقق الأغلى ثمنا في القدس، ويصل ثمنها قرابة 500 ألف دولار ولا تبعد عن القدس أكثر من كيلومترين، فيما يعيش قرابة 100 ألف فلسطيني من سكان هذه الأحياء (رأس خميس، ورأس شحادة، ومخيم شعفاط) معتمدين على شارع صغير لا يتجاوز عرضه 6 أمتار يعيش المارون منه معاناة السفر اليومية الخانقة، لا يتجاوز ثمن الشقة الواحدة فيه 100 ألف شيقل.

الناظر لتلك الأبراج يجد صعوبة في التفريق بينها نظرا لاكتظاظها الكبير وقربها من بعضها، كما يلحظ انعداما في خدمات البنية التحتية الخاصة بالصرف الصحي وبجمع النفايات، التي يعمد المواطنون هناك على حرقها على الدوام للتخلص من أضرارها الآنية رغم أنهم يدركون أن حرقها قد يسبب مشاكل بيئة كبيرة في الحي.

بالاعتماد على طرق غير معبدة خلقتها الحاجة والتطور العمراني العشوائي الهائل، تنقل مجموعة من الصحفيين في حافلة صغيرة في جولة ضمن مشروع \"دور الإعلام في تعزيز حقوق المقدسيين في أحياء بلدية القدس الواقعة خلف الجدار\"، تديره شبكة أمين الإعلامية بتمويل من برنامج UNDP الإنمائي، للاطلاع على حياة السكان هناك.

الحاجة أم إسحاق الكالوتي (71 عاما) التي يقابل باب منزلها الذي بني في العام 1961 جدار الفصل العنصري الذي يفصلها عن حي التلة الفرنسية، تقول إن منزلها كان واحدا من المنازل العربية القليلة في التلة الفرنسية، لكن مع بناء جدار الفصل العصري قبل 10 سنوات وجدت عائلتها بيتها خارج الجدار، وبعد بناء الجدار فورا وجدت العائلة كثيرا من البنايات العشوائية التي أحاطت بمنزلها والتي تتجاوز 25 طابقا ليصبح منزلها محاصرا بتلك البنايات من كل مكان.

وتشير الحاجة الكالوتي إلى أن أشخاصا لا تعرفهم استولوا على تلك الأراضي وشرعوا ببناء تلك الأبراج وبيعها لكل من يريد الحياة في منطقة القدس للحفاظ على هويته المقدسية، خصوصا أن تلك المناطق تقع خلف الجدار لكن وضعها القانوني مشابه للوضع القانوني داخل الجدار، وأن القاطنين في تلك المباني هم من الفقراء المقدسيين، أو ممن فقدوا بيوتهم في البلدة القديمة، أو من نظرائهم الذين ضاقت بهم البيوت العتيقة فاضطروا للسكن هنا.

وتشير الكالوتي إلى أن حياة العائلة تحولت إلى جحيم؛ فالنفايات أصبحت تحرق بجانب المنزل، والمكان أصبح مكتظا بآلاف المقدسيين بعد أن كان كروما من الزيتون والعنب، والمجاري منتشرة في كل مكان، ولم يعد بإمكاننا أن نفتح شبابيك المنزل على الإطلاق، علينا الحياة في الغرف المكيفة فقط.

المحامية نسرين عليان من جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، قالت لــ\"وفا\"، إن القاطنين في هذه المناطق الثلاث العشوائية يقدر عددهم بـ120 ألف نسمة، من أصل قرابة 350 ألف مقدسي يعيشون في المدينة المقدسة، وذلك يعني إخراج قرابة ثلث المقدسيين إلى خارج الجدار وإبعادهم عن المدينة المقدسة.

وتضيف عليان: تسهيلات البناء في تلك المنطقة على عكس البناء داخل الجدار، وإمكانية البناء والسكن دون ترخيص دفعت بآلاف المقدسيين للخروج من المدينة المقدسة إلى هذه المناطق التي تعتبر الأكثر اكتظاظا في العالم، وهو ما تسعى له حكومة إسرائيل لإبعاد المقدسيين عن البلدة القديمة والمناطق المستهدفة قرب المسجد الأقصى مثل سلوان وغيرها، والدفع بهم إلى الأحياء العشوائية مثل مخيم شعفاط وكفر عقب وغيرها.

وتقول، \"بعد مرور عقد على تشييد جدار الفصل العنصري في القدس تحولت الأحياء الفلسطينية الواقعة خلف الجدار إلى مناطق عشوائية عزلت ثلث سكان القدس عن مدينتهم، وجميع أولئك السكان مضطرون للمرور يوميا بحاجز مخيم شعفاط، والتعرض لمختلف أشكال الذل والويلات والعنف\".

وتشير عليان إلى أنه يوجد في تلك المنطقة قرابة 10 آلاف طالب موزعين في 6 مدارس 5 منها داخل المخيم ومدرسة واحدة تتبع لبلدية الاحتلال، فيما يضطر قرابة 3500 طالب لدخول الحاجز والخروج منه يوما للوصول إلى مدارسهم داخل القدس المحتلة.

وتوضح أن الجدار أصبح سببا أساسيا لكارثة إنسانية متوقعة في تلك المنطقة في أي وقت من حريق قد يحصل في تلك المباني المرتفعة التي يصعب أن تصلها سيارات الإسعاف والإطفاء والانقاذ، أو من احتمال انهيار تلك المباني التي بني أغلبها بشكل غير مطابق للشروط الهندسية الصحيحة للبناء.

وتشير عليان إلى أن الخدمات التحتية الموجودة في تلك المنطقة مخصصة لعدد من السكان يقدر بــ20 ألف نسمة، بينما يقطن في تلك المنطقة عدد يزيد عن ذلك بكثير ما يعني ضغطا على تلك الخدمات، كما أن مقاول جمع النفايات الذي عينته بلدية الاحتلال لا يقوم بجمع النفايات سوى من سكان يبلغ مجموعهم 20 ألف نسمة، فيما يضطر المئة الآخرون إلى حرق نفايتهم أو إتلافها بجهود محلية، لتخليص الحي من تلك الكارثة البيئة اللامتناهية.

رئيس لجنة أهالي حي رأس خميس جميل صندوقة، يشير لـ\"وفا\"، إلى أن حياة المواطنين في تلك المنطقة يصعب تخيلها؛ فهي حياة صعبة للغاية، وهم يتكدسون في منطقة لا تتجاوز مساحتها كيلومترين مربعين يقطنها قرابة 120 ألف نسمة، لا تتوفر فيها أبسط الشروط الاساسية للعيش الإنساني الكريم.

ويؤكد صندوقة أن الأهالي هناك يحاولون التخفيف من معاناتهم، لكن الاحتلال يضع حدا بشكل دائم لمساعيهم، فقد حاولوا مؤخرا فتح شارع جديد ليخدم سكان الحي ويخفف الضغط والازدحام الموجود في الشارع الرئيسي الصغير أصلا، لكن الاحتلال بقواته العسكرية منعهم من ذلك بحجة أن ذلك الشارع قد يتسبب في انهيار الجدار.

 

يقف صندوقة في أعلى بناية ويتحدث عن إزعاج متواصل من قبل المستوطنين القاطنين في تلك المناطق، وعن الضائقة التي يعيشها المقدسيون والتي تدفعهم إلى مخيم شعفاط ورأس خميس بينها ارتفاع أثمان الشقق داخل الجدار وانخفاضها خارجه، وكذلك انخفاض تكاليف الحياة خارج الجدار مقابل ارتفاعها داخله، والضنك وصعوبة البناء في الاحياء المقدسية داخل الجدار.

وأثناء التجوال في شوارع حيي رأس خميس ورأس شحادة، يتجول كثير من الأطفال في الشوارع رغم أجواء الحر الشديد، يقولون إنهم ضاق بيهم الحال داخل بيوتهم المرتفعة ويرغبون في اللعب ولا يجدون مكانا سوى الشارع، فلا توجد ملاعب أو حدائق عامة أو أي مراكز يمكن لهم أن يقضوا وقتهم فيها.

ومن بين الأطفال تمر امرأة خمسينية تجر ابنها المعاق وهو زياد طارق الشويكي، تقول إنها تواجه صعوبة كبيرة في تنقله داخل المخيم غير المهيأ مطلقا للمعاقين والمرضى.

ويشير مسؤول الطوارئ في المخيم الشاب بهاء نبابته، الذي يقطن حي رأس شحادة، الذي لم نتمكن من الوصول إليه لأنه يصعب على الحافلات الدخول إليه، إلى أن لجنة الطوارئ تخشى بشكل كبير من كارثة كبرى بسقوط بناية سكنية او اندلاع حريق كبير، وهي تعد للتعامل مع هذا السيناريو في ظل استحالة دخول طواقم الإسعاف والانقاذ جراء البناء العشوائي، لافتا إلى أن الأحياء الشرقية من القدس بحاجة لتدخل من الجهات المختصة لوقف البناء العشوائي فيه.

في طريق خروجنا من المخيم، زرنا جمعية الهدى لعلاج المدمنين على المخدرات، التي يوجد بها عشرات النزلاء من متعاطي المخدرات الذين يقدر عددهم في أحياء رأس خميس ورأس شحادة ومخيم شعفاط قرابة 10 آلاف شخص، وأن العدد قد يتجاوز هذه التقديرات.تقول الأخصائية النفسية في الجمعية ثورة إنجاص، نقدم خدمات الفطام للمدمنين على المخدرات في هذه المنطقة والتي يقدر عددهم بالآلاف، خصوصا أن الاحتلال يسهل انتشارها والاتجار فيها في هذه المناطقة المكتظةويشير مدير شبكة أمين الإعلامية الصحفي خالد أبو عكر، إلى أن عشرات الأبراج السكنية المرتفعة بنيت خارج جدار الفصل العنصري الذي أحاط بمطار القدس الدولي، الذي كان من المفترض أن يكون مطارا لدولة فلسطين، وأن الاحتلال سهل نمو تلك البنايات وانتشارها لقتل المساعي الفلسطينية لإقامة مطار في العاصمة المقدسة، فجل تلك البنيات تقام بشكل غير قانوني على أراض كانت مخصصة لتوسيع المطار وإنشاء مهبط دولي فيه، فيما يتهدد مهبطه الصغير المقام منذ العام 1930 خطر الاستيطان بعد أن أعلن الاحتلال نيته إقامة مستوطنة مكان المطار.

وعلى الجانب الآخر من حي كفر عقب تتربع مستوطنة \"نفي يعقوب\" المقامة على أراضي مواطني بيت حنينا يقطنها بضع مئات من المستوطنين تمتد على مساحة كبيرة من تلك التي يقطن بها عشرات الآلاف في حي كفر عقب، في مشهد يعكس التمييز والعنصرية في مدينة القدس ومعاناة متصاعدة لسكانها، ومساعي لدفعهم لترك مدينتهم لصالح المستوطنين الساعين لتهويدها.

\"36_21_15_24_8_20155\" \"36_21_15_24_8_20153\" \"36_21_15_24_8_20152\" \"36_21_15_24_8_20154\"