الدخان يدمر سهل مرج بن عامر الشهير في جنين

موقع رام الله الاخباري | وكالات :

يعتبر مرج ابن عامر أكبر المساحات خصوبة في جنين، حيث اشتهرت منطقة يعبد على سبيل المثال لا للحصر بزراعة التبغ على مدار سنوات خلت، لكن المساحات الخضراء هناك باتت تحمل في ثناياها موتاً للتربة، بل وكارثة بيئية وزراعية محتمة بسبب زراعة الدخان وتمدده على حساب باقي الزراعات الأخرى، وحيث لا يعي حجم خطورة تلك المعضلة سوى فئة محدودة من المزارعين. وتمر زراعة الدخان بحلقة دائرية غير متوقفة، بحيث يزرع العامل التبغ ويقلع، ثم يزرع مجدداً ليمد تاجر السوق بالدخان على مدار العام دون الالتفات الى المنظومة الزراعية المتبعة في الحفاظ على التربة وعلى الطابع التقليدي الزراعي هناك.

ضعف الإمكانيات … سبب رئيس في التوسع في زراعة التبغ. قد تكون زراعة التبغ من الزراعات الرائدة في محافظة جنين- كما يشير السيد رزق ابو ناصر من اتحاد جمعيات المزارعين الفلسطينيين-  والسبب هو طبيعة الأرض وقلة المصادر المائية هناك، كذلك ضعف القدرة التنافسية للخضار مقارنة بنظيرتها الإسرائيلية.

ويعتبر غياب قانون يحمي المزارع ويدعمه، مثل قانون التأمين الزراعي عاملاً أساسياً من ضمن سلسلة من العوامل تكاتفت في مجملها ودفعت بعدد هائل من المزارعين الى الابتعاد عن الزراعات التقليدية في المنطقة والاتجاه مباشرة الى زراعة التبغ، لتزداد وبشكل مضطرد نسبة المساحات المزروعة بالدخان.

 وخلال السنوات الأخيرة سُجلت زيادة ملحوظة في زراعة الدخان في محافظة جنين، لتصل المساحة المزروعة بالتبغ في عام 2013 الى ضعف المساحات المزروعة خلال عام 2012.وبحسب المؤشرات المتوفرة في مديرية زراعة جنين، فقد أكد المهندس الزراعي مصطفى عمارنه رئيس الدائرة الفنية في مديرية الزراعة هناك “انه وقبل ثلاث سنوات لم تتعدَ المساحة المزروعة بالتبغ في محافظة جنين 7000 دونم، واليوم تجاوزت 19000 دونم على حساب محاصيل البستنة والحقلية، مما ألقى بظلاله على كامل القطاع الزراعي في المنطقة، علماً بأن باقي المحافظات سجلت هي الأخرى ارتفاعا في المساحات المزروعة بالتبغ.

التربة .. الخاسر الأكبر من زراعة الدخان…

ويمرّ هذا المنتج، بمراحل عديدة وكل مرحلة لها مضارها على التربة، ولكن بسبب الجدوى الاقتصادية المربحة وبكونه يزرع ضمن المحاصيل البعلية دون كلفة عالية، يستمر المزارع في عملية زراعة الدخان دون الالتفات الى إجراءات علمية للحفاظ على العناصر المعدنية والعضوية في التربة من خطر التآكل.

وقد أكدت الدراسات العلمية في الكثير من البلدان المنتجة للدخان، والتي خلصت الى التأثير السلبي المباشر على التربة وعلى العناصر المعدنية فيها من خلال انخفاض تلك العناصر، حتى وصل الانخفاض الى ما يقارب الـ 20 ضعفاً مقارنة بالمحاصيل الزراعية الأخرى، وهو ما ينطبق على الارض الفلسطينية أيضا.

فقد أشارت دراسة تحليلية قام بها مركز بحوث الموارد الطبيعية في فلسطين عام 2014 حول تأثير زراعة التبغ على التربة الزراعية، وتم فيه تناول ثلاثة عناصر أساسية في التربة هي: ( الفسفور، البوتاسيوم، النيتروجين) حيث أكدت على أن الفسفور في الأراضي غير المزروعة بالتبغ يعادل أربعة أضعاف تلك لنظيرتها المزروعة بالتبغ، كذلك ستة أضعاف نسبة البوتاس في الارض غير مزروعة بالتبغ مقارنة بتلك المزروعة، مما يعني حقيقة موت التربة وفقدان قدرتها الإنتاجية بشكل ملحوظ.

ويعتبر ذلك مؤشراً خطيراً يجب التوقف عنده لدراسة مسبباته وأبعاده الاقتصادية، ودراسة ما يجب أن نفعل للحد من حجم تلك الكارثة على المنظومة الاقتصادية الزراعية الفلسطينية.

وزارة الزراعة بين التشريعات وغياب العقوبات…

حول الدور المنوط من قبل وزارة الزراعة للحد من انتشار زراعة التبغ في الاراضي الفلسطينية، أكّد السيد محمد المصري مدير عام الاستثمار والتمويل الزراعي في وزارة الزراعة أن الوزارة من خلال اللجنة الفنية لتنظيم زراعة التبغ، قد أقرّت العديد من سياساتها التي تهدف الى المساعدة في تنظيم قطاع التبغ.

\"1243679545016645500\"

وعقّب المهندس مصطفى عمارنه حول تلك السياسات” انه تم إعداد خطة تستند الى خارطة المخطط الوطني المكاني المعد من قبل وزارة الحكم المحلي، من خلال الارتكاز على تصنيف الاراضي حسب خصوبة التربة، بحيث يمنع زراعة الارض بالتبغ في المناطق الخصبة، بينما يسمح في المناطق قليلة الخصوبة. وأضاف” لقد صادقت الحكومة الفلسطينية في نهاية العام المنصرم على قرار أخير للحد من انتشار زراعة الدخان في محافظة جنين وفي منطقة يعبد تحديدا”. ولكن على ارض الواقع، فإن الزائر الى المنطقة يلحظ زيادة متتابعة في المساحات المزروعة بالتبغ، لدرجة انها باتت تزين بعض السهول هناك.

ولكن في ظل هذه المعطيات، يبقى التساؤل: ألا يجب أن تكون هناك قوانين رادعة تعاقب “المستهترين ” إن جاز التعبير” في مواردنا الاقتصادية الزراعية، عبر زراعة التبغ في مناطق يفترض استغلالها لتغطية العجز في الانتاج الزراعي الأساسي؟حول هذا التساؤل يجيب السيد محمد المصري بالقول” إن الدور الأساسي هو عند المزارع والمستثمر نفسه في الدرجة الاولى قبل كل شيء، فدور وزارة الزراعة – كما يشير المصري- هو بالأساس رقابي وإرشادي ولا يوجد قانون يعاقب المزارعين على التوسع في زراعة التبغ على ارض الواقع.

من جهته دعا عمارنة الى ضرورة السيطرة على ما يجري وسن القوانين التي تنظيم عمل زراعة التبغ، بل ويجب معالجة الارض التي باتت ضحية لزراعة التبغ، والتي فقدت عناصر أساسية مهمة مثل المنغنيز، المغنسيوم، النحاس والحديد، وذلك عبر إعادة إضافة تلك العناصر للتربة من خلال أسمدة محددة، ثم إعادة زراعة الارض من جديد بمحاصيل أخرى مثل البستنة والحبوب على مدار دورات متعاقبة ثلاث على مدار العام، كحلّ استدراكي لتلك المعضلة.ويبقى الاقتصاد الزراعي الفلسطيني رهينة القوانين والأنظمة والتي هي بأمس الحاجة لها، في ظل سيطرة الاحتلال على مواردنا الاقتصادية والعشوائية في استغلال الأرض، دون أي قانون رقابي ينظم كيفية استغلالها والاستفادة منها.