مُطارد.. والقضية "رقم وطني" !

موقع رام الله الاخباري :

محمد يوسف عوض عبد الرازق \"70 عاماً\"، من سكان قرية ميثلون قضاء جنين شمال الضفة المحتلة، واحدٌ من الآلاف الذين عانوا ويلات التهجير القسري، الذي فرضته سلطات الاحتلال، فقد صودر حقه في الوجود، لمجرّد أنّه كان يُدافع عن أرضه وشعبه وقضيته العادلة. وليس غريباً على الاحتلال المتغطرس، أن يسعى بكل جبروته لتدمير حياة ومستقبل كل من يثبت تورّطه في أعمال \"مناهضة للتواجد الصهيوني\"، سواءً بالمقاومة المسلحة أو غيرها، كما يسعى بقوة لتفتيت نسيجه العائلي، بالإبعاد والنفي و سلب الهويّة.

أبو عوض، وهو أبٌ لخمسة أبناء وابنة، تم إبعاده في مطلع السبعينيات من القرن الماضي إلى خارج فلسطين، ليستقر به المطاف في مخيم اليرموك للاجئين بسوريا، ناشطاً في منظمة التحرير، بعيداً عن أبناءه وعائلته، ليقاسي برودة الحرمان والشتات دون أي رقمٍ يُشير إلى مواطنته الفلسطينية، يُمكّنه من التنقل بكرامة بين الأقطار العربية والدولية ، ليبقى منذ ذاك الحين منفياً بلا هوية، بقضيّة مُعلقة برقم سلبه ذات العدو الذي سلب الأرض وما عليها.

حل جزئي

في مطلع عام 2005م، وبعد محاولات عديدة، استطاع أبو عوض، أخيراً، أن يدخل الأراضي الفلسطينية مرة أخرى بعد أكثر من ثلاثين عاماً من الهجرة القسرية عن الوطن, ويقول أبو عوض: \"بعد انسحاب الإحتلال من قطاع غزة تمكّنت من اجتياز الحدود دون أية عراقيل\"، ليتخلّص أبو عوض من عطشه للوطن، ويبدأ حنينه للأهل، الذين لم يكونوا يبعدون عنه سوى عشرات الكيلو مترات، في جنين، حيث تقطن عائلته وأحفاده، الذين لم يروْه لسنوات. ويتحدّث أبو عوض عن علاقته بعائلته البعيدة فيقول: \"في الآونة الأخيرة، كنت أتواصل مع العائلة عبر التليفون، وأعرف أخبارهم، وأطمئنهم عن أحوالي، مع أن هذا لم يكن مُتاحاُ في بداية تهجيري، ليُقاسي أبو عوض وحده في غزة، ألم فراق أبنائه وبناته الذين تزوّجوا وأنجبوا أحفاده.

فاتورة نضال

السبعيني أبو عوض يشغل منصب عميد متقاعد في صفوف الأمن الوطني التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية , إلّا أن ذلك لم يشفع له خلال محاولاته البائسة للم شمل عائلته المُشتتة ما بين غزة والضفة، والتي لا تزال لعنة الرقم الوطني تلاحقهم إذا ما أرادوا مغادرة الأراضي الفلسطينية، نحو الأردن أو حتى الأراضي المحتلة، وعن هذا، يقول أبو عوض: ما زلت أدفع استحقاق نضالي في الثورة ضد المحتل منذ بداياتها، وهاي هي عائلتي تدفع الثمن كذلك\".

\"thumb

وجعٌ على وجع

ليس هذا كلّ الوجع بالنسبة لأبي عوض، فقد وقع منذ سنوات فريسةً للفشل الرئوي الحاد والمزمن، ما يجعله بحاجة لرعاية دائمة، متنقلاً بأنبوبة من الأكسجين بشكل مستمر وجهاز تنقية يعمل على الكهرباء, ما يطرق باب الحديث عن أزمة الكهرباء المستمرة التي يعيشها أهالي قطاع غزة، لذا فحياة أبي عوض مهددةٌ بالموت، بلا أملٍ في تحقيق أمنيته الأخيرة، وتكحيل عيونه بمرأى عائلته، واحتضان تراب بلدته.

وبعد أن كان رفيقاً لـ\"الكلاشنكوف\" على مرّ سنوات الثورة، بات الآن رفيقاً لجرّة الأوكسجين الثقيلة، مسجياً على سريرٍ بمستشفى الشفاء، على أمل قبول تحويلة طبية له للعلاج في الخارج، وعن هذا الأمر يقول أبو عوض: \"لقد أتتني تحويلة على مستشفى المقاصد بالقدس، من قبل وزارة الصحة، لكن الإحتلال رفض إدخالي الحدود وفي ذات الوقت حصلت على تحويلة من الخدمات العسكرية لمستشفى جامعة النجاح التعليمي، التي رفضت التحويلة لأسباب واهية.\"

مناشدة أخيرة

وجعٌ في القلب ووجعٌ في الجسد، تحويلاتٌ مرضيّة لا تأتِ، وحلمٌ بلمّ الشمل ولُحمةٍ الممزّق بات كالسّراب، ورغم هذا كلّه، لا يزال أبو عوض يرجو أن تُستجاب مناشداته للرئيس الفلسطيني محمود عباس، فيقول: أناشد الرئيس وكافة المسؤولين والمعنيين، بأن يعملوا على حلّ قضيّتي، فكل الذي أريده الآن هو أن أموت بين أهلي وأبنائي وأحفادي وحضن قريتي التي نُفيت عنها\".

بهذا أنهى أبو عوض حديثه معنا, لتبقى قضيته وغيره من المنفيّين قائمة، لا تقبل السقوط بالتقادم، علّ الإنسانية تستيقظ من سباتها الذي يزداد عمقاً، في عالمٍ لا يحكمه إلا المصالح والنفوذ.هي قصّةُ معاناةٍ لخّصت جزءًا يسيراً مما يقاسيه الثوريون في شتّى بقاع الأرض, بين مرّ المرض، ونار الإبعاد، ثمناً لحريّة الفكرة و أزليّة الانتماء.

المصدر : بوابة الهدف الاخباري