غزة 2025.. عام النار والمجاعة وتوقّف الإبادة لا الحرب

لم يكن 2025 عامًا عاديًا في قطاع غزة، فقد حمل في طياته مزيجًا من الألم والأمل، بين تصعيد عسكري دموي، وهُدن متقطعة، وأزمة إنسانية خانقة، جعلت من هذا العام أحد أكثر الأعوام قسوة في الذاكرة الفلسطينية الحديثة.

ففي بداية العام 2025 كانت غزة على موعد مع هدنة على رماد الحرب، ووقف إطلاق نار دخل حيز التنفيذ في 19 يناير، بعد عامين من حرب مدمرة بدأت في أكتوبر 2023. 

وجاء الاتفاق بوساطة مصرية وقطرية، وأعاد شيئًا من الهدوء إلى القطاع، وسمح بعودة تدريجية للنازحين إلى منازلهم، أو ما تبقى منها.

وأفضت الهدنة المؤقتة والتي استمرت لشهرين، لعودة النازحين من جنوب القطاع, وإدخال شحيح للمساعدات، وعملية تبادل للأسري الإسرائيليين المدنيين منهم والنساء في أجواء من الاحتفالات كانت تقيمها المقاومة الفلسطينية أزعجت الاحتلال، وشكلت ضربة لرواياته حول النصر المزعوم.

لكن الهدوء كان هشًا، فالمشهد العام ظل مشحونًا، والقلق يسكن تفاصيل الحياة اليومية، وسط أنقاض المنازل والمستشفيات والمدارس.

وفي 18 مارس، أغلق الاحتلال معابر غزة بالكامل، وفرض حصارًا مطبقًا عليها، وأطلقت "إسرائيل" عملية عسكرية مفاجئة تحت اسم "القوة والسيف"، استهدفت عشرات المواقع في أنحاء متفرقة من غزة، بزعم رفض حركة "حماس" لمقترح صفقة تبادل إسرائيلية، لكن الواقع على الأرض كان أكثر تعقيدًا، فالقصف طال أحياء سكنية، وأعاد مشاهد الدمار والنزوح إلى الواجهة.

وعاد الاحتلال لاغتيال عدد كبير من الشخصيات والقيادات بحركة حماس، منهم القيادي إسماعيل برهوم، وعضو مكتبها السياسي صلاح البردويل بقصف خيمته،  وعضو المكتب السياسي للحركة عصام الدعليس، ووكيل وزارة الداخلية اللواء محمود أبو وطفة، وعضو المكتب السياسي لحماس ورئيس "لجنة الطوارئ" في القطاع محمد الجماصي.

وأعلن الاحتلال بعد اختراقه للهدنة، عن عملية عسكرية باسم "عربات جدعون" واحتلال شمال القطاع بشكل كامل وبدأ نزوح الأهالي تحت القصف مجددًا.

المجاعة 

وفي منتصف عام 2025، تحوّلت المجاعة في قطاع غزة من خطر متوقّع إلى واقع قاتل، ومع استمرار الحصار الإسرائيلي الشامل، وإغلاق المعابر في الثامن عشر من مارس، ومنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، حيث بدأت أجساد الغزيون وخاصة الأطفال تذبل أمام أعين العالم، كما وثّقت تقارير أممية وصحفية.

وبحلول أبريل، أعلن برنامج الأغذية العالمي، استنفاد مخزوناته داخل القطاع، في وقتٍ كانت فيه كافة المخابز قد توقفت عن العمل، بسبب نفاد الدقيق واستهداف مستودعات الإمداد. 

ولحق ذلك الإعلان الأممي لمنطقة غزة بأنها منطقة مجاعة،  بعد وقوع مئات الضحايا لها، وانغلاق كافة وسائل الحصول على الطعام.

وتضامنًا مع غزة، انطلقت قوافل برية وبحرية نحوها، لكسر الحصار الإسرائيلي وخالة المجاعة، وإيصال مساعدات إنسانية، منها قافلة "الصمود" والمسيرة العالمية إلى غزة، والتي شهدت انطلاق قوافل برية ضخمة من دول عربية وأوروبية، وسفن بحرية منها "أسطول الحرية"، في محاولات مستمرة لإغاثة سكان القطاع.

وأعلنت الولايات المتحدة خلال عام 2025 بدء عمل ما يسمى مؤسسة غزة الإنسانية بإدارة أمريكية والتي أصبحت مصائد موت للفلسطينيين، حيث قتل فيها جيش الاحتلال المئات من طالبي المساعدات، ولاحقًا أًعلن عن فشل عملها وإغلاقها رسميًا ومغادرتها القطاع في الرابع والعشرين من نوفمبر المنصرم.

كما أعلن الاحتلال خلال خرقه للهدنة الأولى، عن عملية عربات جدعون 2، والتي هدد فيها باحتلال مدينة غزة، وبدأ فعليًا بعمليات تهجير لسكان المدينة باتجاه مناطق وسط وجنوب القطاع, وهدم واسع للأحياء الشرقية من المدينة حتى وصلت الآليات وعمليات الهدم لوسط المدينة، قبل أن تثمر جولات المفاوضات المكوكية عن اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر.

وفي مقابل خرق الاحتلال للهدنة، استمر تصعيد المقاومة لعملياتها ضد جيش الاحتلال، فأعلنت عن عمليتي "حجارة داوود" و"عصا موسى"، في مواجهة عربات جدعون، ونفذت خلال العمليتين كمائن محكمة أدت لمقتل عشرات جنود الاحتلال وتدمير آليات عسكرية في مختلف مناطق التوغل وعلى حدود المنطقة العازلة.

هدنة ثانية بلا ضمانات

وبعد مباحثات التفاوض تم الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر، والذ ينص على عدة بنود أهمها: وقف اطلاق النار بين الطرفين، وتراجع الجيش للمنطقة التي باتت تعرف بالمنطقة الصفراء, وهي منطقة إعادة تموضع جيش الاحتلال داخل قطاع غزة، وفتح خمس معابر للقطاع لدخول المساعدات ومعبر رفح البري لسفر الأهالي والجرحى، وعملية تبادل الأسرى والجثامين، والدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق عقب انتهاءها. 

وبالرغم من إتمام صفقة التبادل بين المقاومة والاحتلال والتي بموجبها أطلق سراح 1700 من الأسرى الفلسطينيين، مقابل الإفراج عن أسرى الاحتلال الأحياء وعددهم 20 أسيرًا، لم يلتزم الاحتلال بنصوص الاتفاق.

كما تم وفق الاتفاق تنفيذ عملية تبادل لجثامين شهداء من غزة قتلهم الاحتلال، مقابل الإفراج عن جثث أسرى الاحتلال الأموات.

ولم يسمح الاحتلال بفتح المعابر وفق الاتفاق، التي يدخل عبرها ما لا يزيد عن 200 شاحنة من أصل 600 شاحنة يومياً، كما لم يسمح بخروج المسافرين والجرحى من معبر رفح، بالمقابل التزمت لمقاومة بتسليم جميع الأسرى الأحياء والأموات الذين استطاعت العثور عليهم، ولم يتبق  سوى جثة واحدة.

وما زال الحديث في المرحلة الثانية يراوح مكانه، من طرف الاحتلال، الذي يراوغ في الالتزام بما توصل إليه الوسطاء والضامنين.

ومنذ اتفاق وقف إطلاق النار تم توثيق مئات الانتهاكات الإسرائيلية خلال الربع الأخير من العام، شملت قصفًا لمنازل ومرافق مدنية، وتوغلات برية في مناطق مأهولة.

ومع استمرار القصف والحصار، أعلنت منظمات دولية أن غزة باتت "منطقة منكوبة"، بعدما دمر جيش الاحتلال أكثر من 70% من البنية التحتية، وبلغ حجم الركام نحو 70 مليون طن، كما فقد القطاع 57% من مساحته، بسبب التوغلات الإسرائيلية، خاصة في شمال غزة ورفح.

وفي عام 2025 انهار القطاع الصحي، والمدارس تحولت إلى ملاجئ، فيما باتت المياه النظيفة والغذاء والدواء من الكماليات.

نهاية العام

ومنذ دخول هدنة أكتوبر حيز التنفيذ، بقيت المساعدات الغذائية شحيحة للغاية حتى نهاية العام، ما أدى إلى استمرار سوء التغذية، خاصة بين الأطفال والمرضى، وظهور مضاعفات صحية خطيرة تهدد الأجيال القادمة.

وبلغت حصيلة الشهداء والضحايا بعد الهدنة في 11 أكتوبر 2025 ما يزيد عن 414 شهيدًا، فيما تجاوز عدد الجرحى 1,145 إصابة، إضافة إلى 680 جثمانًا تم انتشالها من تحت الأنقاض، فيما تراكمت الحصيلة منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023، لتبلغ حتى نهايته 71,266 شهيدًا و171,222 إصابة.

وفي نهاية 2025، كانت غزة على موعد مع نبأ ارتقاء الناطق باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام "أبو عبيدة"، حيث أعلنت الكتائب في خطاب للناطق الجديد باسمها "أبو عبيدة"، عن استشهاد حذيفة الكحلوت، وكشفت عن صورته لأول مرة منذ عام 2005.

كما أعلنت كتائب القسَّام، عن ارتقاء القائد محمد السنوار قائد هيئة الأركان خلفاً للضيف، والقائد محمد شبانة، قائد لواء رفح في كتائب القسَّام، والقائد حكم العيسى قائد ركن الأسلحة والخدمات القتالية، والقائد رائد سعد، قائد ركن التصنيع العسكري.

وشكل إعلان استشهاد الملثم صدمة في الأوساط الفلسطينية والعربية والدولية، ونعاه الملايين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ومع نهاية عام 2025، لا تزال غزة تنزف من خروقات الاحتلال ومجازره المتجددة، فيما استقبل سكانها النازح معظمهم والبالغ عددهم مليون ونصف نازح، الشتاء بكارثة إنسانية متجددة، أغرقت آلاف الخيام وانهارت عشرات المنازل الآيلة للسقوط، مما أدى لاستشهاد العشرات.