باحث : غزة تعيش “العصر الحطبي” في ظل انعدام غاز الطهي وارتفاع المخاطر الإنسانية

في مشهد يعكس عمق الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، تحوّل البحث عن الحطب من ممارسة تقليدية موسمية إلى معركة يومية من أجل البقاء، في ظل الانقطاع شبه الكامل لغاز الطهي منذ نحو عام، الأمر الذي أجبر آلاف الأسر على اللجوء إلى وسائل بدائية وخطيرة لتأمين احتياجاتها الأساسية.

ويقول الأكاديمي والباحث د. بسام سعيد إن غالبية سكان القطاع لم يحصلوا على حصصهم من غاز الطهي منذ أشهر طويلة، ما دفعهم إلى البحث عن الحطب كمصدر وحيد للطهي والتدفئة، إلا أن هذه المادة نفسها أصبحت نادرة وباهظة الثمن نتيجة الطلب المتزايد وشحّ مصادرها.

وأوضح سعيد أن قطاع غزة، الذي كان يُعرف ببساتينه وأشجار الحمضيات والزيتون، فقد ما يقارب 90% من هذه الأشجار بفعل عمليات التجريف، فيما بات الوصول إلى ما تبقّى منها في المناطق المدمّرة يشكّل خطرًا حقيقيًا على حياة المواطنين، حيث قُتل وأصيب عدد منهم أثناء محاولاتهم جمع الحطب من مناطق خطرة.

وأضاف أن ما يعيشه سكان القطاع اليوم يمكن وصفه بـ”العصر الحطبي”، حيث لم يعد الحطب يُستخرج من الأراضي الزراعية، بل من بقايا المنازل المدمّرة، مثل الأبواب والشبابيك والأثاث الخشبي، مشيرًا إلى أن بعض المواطنين اضطروا إلى تكسير أثاث منازلهم لتأمين الوقود اللازم للطهي.

ومع تفاقم الأزمة، يلجأ كثيرون إلى بدائل شديدة الخطورة، كحرق مخلفات البلاستيك أو نشارة الأخشاب إن توفّرت، رغم ما تسببه من أضرار صحية جسيمة، فيما اضطرت بعض الأسر إلى إحراق الكتب الدراسية والأوراق، في مشهد يعكس حجم الانهيار المعيشي والثقافي.

وذكر سعيد أن أحد الأكاديميين اضطر إلى إحراق أوراق رسالته العلمية لإعداد الطعام أو تسخين المياه.

ولم تعد الهدايا في غزة تحمل طابعها التقليدي، إذ تحوّلت حِزم الحطب إلى هدايا تُقدَّم في المناسبات الاجتماعية، كأعياد الميلاد والخطوبة والزواج، بعد أن باتت هذه المادة تُعد كنزًا نادرًا في ليالي الشتاء القاسية.

كما أشار إلى أن كثيرًا من الأسر تدفع أطفالها للبحث عن الحطب أو البلاستيك في الشوارع وبجوار الحاويات، في ظل برد الشتاء وطول الليالي، محذرًا من التداعيات الصحية والاجتماعية الخطيرة لهذه الظاهرة.

وفي ختام حديثه، انتقد د. سعيد ضعف إدارة أزمة غاز الطهي، سواء بذريعة شحّ الإمدادات أو بسبب انتشار السوق السوداء، مؤكدًا أن استمرار هذا الواقع ينذر بكارثة إنسانية وصحية متفاقمة في قطاع غزة.