قال الخبير الاقتصادي الإسرائيلي شير هيفر، المتخصص في دراسة الأبعاد الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أن الحرب على غزة لم تنقذ الاقتصاد الإسرائيلي كما تحاول الحكومة تصويره، بل أسهمت في إدامة ما وصفه بـ"اقتصاد زومبي" يبدو في حالة حركة ونشاط، لكنه يفتقر إلى أي مقومات استدامة أو آفاق مستقبلية حقيقية.
وفي مقابلة مطولة أجراها الكاتب الإسرائيلي أموس بريسون مع هيفر، أشار إلى أن الحرب تسببت بصدمات اقتصادية عميقة، في مقدمتها نزوح عشرات آلاف الإسرائيليين من المناطق الحدودية مع غزة ولبنان، وتعرض تلك المناطق لأضرار مباشرة نتيجة القصف، ما انعكس سلباً على الإنتاجية والنشاط الاقتصادي.
وأوضح هيفر أن تجنيد نحو 300 ألف من جنود الاحتياط لفترات طويلة أدى إلى نقص حاد في القوى العاملة، وخسارة الاقتصاد الإسرائيلي آلاف أيام العمل والتدريب، في وقت بدأت فيه الطبقة المتوسطة المتعلمة تفكر جدياً في الهجرة، فيما غادرت بالفعل عائلات وكفاءات مهنية نتيجة تدهور شروط الحياة وانعدام الاستقرار.
وعلى مستوى الثقة المالية، لفت هيفر إلى أن جزءاً كبيراً من الإسرائيليين نقلوا مدخراتهم إلى الخارج خشية التضخم وتراجع قيمة العملة، في ظل انخفاض التصنيف الائتماني وارتفاع مخاطر الاستثمار، مؤكداً أن تحويل الإيرادات العامة لتمويل الحرب أدى إلى تراجع جودة الخدمات العامة والتعليم العالي، واقتراب إسرائيل من الوقوع في فخ الديون.
وأضاف أن السمعة الدولية لإسرائيل تدهورت بشكل غير مسبوق، وأصبحت تواجه موجة واسعة من المقاطعة وسحب الاستثمارات، وهو ما يزيد الضغوط على الاقتصاد. واعتبر أن الحكومة الإسرائيلية مررت ميزانيات لا تعكس الحجم الحقيقي للنفقات العسكرية، الأمر الذي تسبب بانفلات الدين العام واعتماد متزايد على الإنفاق العسكري والائتمان الأجنبي دون وجود خطة اقتصادية مستدامة.
وحول ما يُروج له من قوة في قطاع التكنولوجيا، أوضح هيفر أن الصفقات الكبرى في هذا القطاع تعطي انطباعاً مضللاً بمتانة الاقتصاد، إذ يقوم العاملون ببيع أسهمهم لشركات أجنبية ونقل الأموال إلى الخارج، في وقت تشهد فيه الاستثمارات والابتكار التكنولوجي تراجعاً ملموساً.
وفي تفسيره لازدهار سوق الأسهم واستقرار سعر صرف الشيكل، قال هيفر إن زيادة رواتب جنود الاحتياط لعبت دوراً في خلق فقاعة مالية، إذ يتجه هؤلاء إلى استثمار أموالهم في الأسهم لعدم قدرتهم على إنفاقها، بينما يتدخل البنك المركزي عبر بيع كميات كبيرة من الدولار لإظهار أن الوضع تحت السيطرة، وهو ما وصفه بتلاعب مؤقت في السوق.
وأشار هيفر إلى أن الكلفة الاجتماعية للحرب تتجلى في تدهور مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر، حيث أظهرت تقارير إسرائيلية، من بينها تقرير منظمة "لاتِت"، ارتفاعاً حاداً في نسب انعدام الأمن الغذائي وتزايد ديون الأسر خلال فترة الحرب.
وختم بالتحذير من أن إعلان وزارة المالية الإسرائيلية عن التكاليف الحقيقية للحرب مقارنة بما ورد في ميزانية عام 2025 قد يدفع المستثمرين والمؤسسات الدولية إلى فقدان الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي، ما ينذر بمزيد من الاضطرابات في المرحلة المقبلة.

