25 يوماً على إعلان وقف النار في قطاع غزة، لم تكن كافية بعد ليشعر المواطن الغزي بأي فرق، خاصةً ما يتعلق بالمساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، فالمتابع للسوق المحلي لا يجد سوى "كماليات" تغرق السوق، فيما ينقصه أصناف كثيرة بحاجة ماسة لها.
وعلى الرغم من أن أسواق قطاع غزة شهدت خلال الأيام الماضية، تكدساً نسبياً في البضائع والأصناف المختلفة من السلع التي غابت لأشهر طويلة، إلا أن بعض السلع الأساسية مازالت مفقودة أو متاحة بكميات شحيحة لا تكفي حاجة المواطنين..
فأسواق القطاع تمتلئ ببضائع وأصناف لا يمكن وصفها سوى بكونها كماليات الشوكولاتة والقهوة والأندومي والنسكافيه، فيما يفتقد للضروريات الهامة، والتي إن أُتيح بعضها فتدخل بكميات شحيحة للغاية وبأسعار مرتفعة، كالطحين والبيض واللحوم والفواكه والخضار.
إدارة التجويع
د. إسماعيل الثوابتة مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، أوضح أن الاحتلال "الإسرائيلي" يتعمّد إدخال أنواع محدودة من المواد الغذائية التي لا تمتلك قيمة غذائية حقيقية، وغالبها مواد مصنّعة عالية السعرات ومنخفضة الفائدة الصحية، في مقابل منع إدخال الأغذية الأساسية التي يحتاجها المواطنون فعلاً، مثل الحبوب والبقوليات واللحوم والألبان والخضروات الطازجة وبيض المائدة.
وبين د. الثوابتة في حديث لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أن ما يُسمح بدخوله لا يُسهم في تعزيز الأمن الغذائي أو التوازن الصحي للسكان، بل يُفاقم الأوضاع المعيشية ويُبقي العائلات في دائرة الجوع المقنّع وسوء التغذية المزمن، خاصة لدى الأطفال والنساء وكبار السن.
وأكد، أن هذه السياسة المقصودة تندرج ضمن إدارة التجويع الممنهج، حيث يستخدم الاحتلال الغذاء كأداة حرب للضغط السياسي والإنساني، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف التي تُجرّم حرمان المدنيين من الغذاء والدواء.
24% فقط من احتياجات المواطنين
وقدَر د. الثوابتة، أن الفترة ما بين 10 و31 أكتوبر 2025 شهدت دخول 3,203 شاحنات فقط إلى قطاع غزة، منها 2,564 شاحنة مساعدات و639 شاحنة تجارية، بمعدل 145 شاحنة يومياً من أصل 600 شاحنة يُفترض دخولها يومياً وفق الاتفاق، أي نسبة التزام لا تتجاوز 24%.
واستدرك:" لكن الأهم من العدد هو النوع والمضمون؛ فمعظم الشاحنات التجارية والمساعدات تحتوي على مواد ذات طابع استهلاكي أو كمالي، مثل القهوة والمشروبات الغازية والشوكولاتة وبعض الأغذية الجافة، في حين تم تقييد إدخال المواد الحيوية كالأدوية، والوقود، ومواد البناء، والمستلزمات الصحية."
وأضاف:" لقد بلغ عدد شاحنات المحروقات خلال الفترة المذكورة 115 شاحنة فقط من أصل 1,100 شاحنة يفترض دخولها، أي بنسبة 10% فقط، بينما لم يُسمح إلا بدخول 4 شاحنات للقطاع الصحي."
وشدد مدير عام المكتب الإعلامي على أن هذه المعطيات تكشف أن الاحتلال يمارس سياسة انتقائية ممنهجة في السماح بدخول السلع، حيث يضم السوق منتجات غير ضرورية ويمنع ما يرتبط بحياة الناس وصحتهم وغذائهم، في محاولة لتصوير الوضع على أنه "نشاط تجاري طبيعي"، بينما الواقع هو استمرار لحصار خانق وتجويع متعمد يفاقم الكارثة الإنسانية في القطاع.
تشوه اقتصادي
المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر، أوضح أن قطاع غزة يحتاج يومياً 1000 شاحنة لسد رمق جوع المواطنين من ملابس وخيام ووقود، فيما ينص البروتوكول الإنساني على إدخال 600 شاحنة، حيث لا تلتزم بها "إسرائيل"، فتدخل يومياً وفق الإحصاءات الرسمية 125 شاحنة فقط.
وبين أبو قمر في حديث لمراسلة "وكالة فلسطين اليوم الإخبارية"، أن الاحتلال يتعمد إغراق السوق بسلع معينة دون أخرى، فيُقلص إدخال الأسياسيات كالخضروات والفاكهة واللحوم والدواجن والخيام، فيما يكثف إدخال الكمليات كالبسكويت والشيبس و"الأندومي".
ونوه أبو قمر، إلى أن المواطنين بحاجة ماسة بالملابس الشتوية والخيام والكرفانات خاصةً مع قرب دخول فصل الشتاء، وهي مستلزمات تقلص دخولها "إسرائيل" وفي حال دخولها تكون أسعارها مرتفعة.
وأشار إلى الحاجة لألواح الطاقة والبطاريات والوقود، حيث يقلص الاحتلال دخولها، فما دخل منذ بداية الاتفاق 3200 شاحنة وقود منها 84 سولار، و31 غاز، في ظل الحاجة الكبيرة لغاز الطهي، والعمل بنظام السيستم العقيم الذي لا يعطي المواطنين حقهم، حيث أن أعداد محدودة من السكان حصلوا على غاز الطهي.
ووفق أبو قمر، فهذه السياسة تهدف من خلالها "إسرائيل" لخلق تشوه اقتصادي في السلع والأسعار، وهو ما يفسر ارتفاع الأسعار وتذبذبها حال تدهورت الأوضاع الأمنية والتهديد بإغلاق السوق والمعابر وعدم إدخال المساعدات، فالحرب الاقتصادية مستمرة رغم توقف إطلاق النار.
إسرائيل تُحدد الأصناف ومؤسسات تتواطئ
وحول الجهة التي تُحدد الأصناف، قال أبو قمر:" إسرائيل هي الجهة الوحيدة التي تحدد طبيعة الأصناف التي تدخل غزة، ولا يتدخل طرف آخر في الأمر، حتى القائمين على المساعدات كالمؤسسات الدولية أمثلة برنامج الأغذية العالمي لا يستطيع التدخل في ذلك..
وقال:" حتى البضائع التجارية التي قد يطلبها التاجر الفلسطيني، يتم تأخير شاحنتها ورفع تكلفة التنسيق لها، بالتالي يكون سعرها مرتفع في السوق المحلي للمستهلك.
وأشار أبو قمر، إلى أن المساعدات الداخلة للقطاع لا تزيد عن 20% من حاجة المواطنين، حتى المؤسسات الدولية التي توزع المساعدات لا تنوع فيما تقدمه للمواطن كمساعدة وأصنافها روتينية، في الوقت الذي بات المواطن فيه بحاجة لأصناف أخرى، فلماذا يتم تكرار الأصناف خلال فترة قليلة، ولا يتم توزيع ملابس أو مجمدات أو مستلزمات شتوية، لافتاً إلى أن بعض المؤسسات متواطئة في الحصار المستمر على قطاع غزة.
