تلوح في الأفق بوادر أزمة تهدد قطاع المحروقات في الضفة الغربية، في ظل الحديث عن مشروع قانون خفض استخدام النقد، في وقت تواصل البنوك تشديد قيودها على الإيداع النقدي وتغطية الشيكات، وسط أزمة فائض الشيكل المتفاقمة.
نقابة أصحاب محطات المحروقات والغاز حذرتا، من أن المضي في هذه السياسات سيدفع عشرات المحطات نحو الإغلاق القسري، ما يهدد بانهيار واحد من أكثر القطاعات الحيوية ارتباطا بحياة المواطنين والاقتصاد الفلسطيني.
أزمة الإيداع النقدي تتفاقم في قطاع المحروقات
وقال أمين سر نقابة أصحاب محطات المحروقات خالد سراحنة، إن مشكلة الإيداع النقدي في البنوك متفاقة منذ ثلاث سنوات، وعقد عدت اجتماعات بهذا الخصوص مع سلطة النقد وهيئة البترول لإلزام البنوك بإيداع قيمة مشتريات المحطات من هيئة البترول.
وأضاف في حديث خاص مع "الاقتصادي": "نحن كأصحاب محطات نعمل كنقاط بيع لهيئة البترول، حيث نشتري الوقود من الحكومة ونبيعه للمواطنين، ونقوم بدور الوسيط بين الحكومة والمستهلك. وكلما زادت معدلات السحوبات من المحطات، فإن ذلك يُسهم ذلك في زيادة دخل الخزينة العامة".
وأشار سراحنة إلى أن أي عوائق تواجه هذا القطاع تؤثر أولا على الخزينة العامة، مؤكدا أن العمل في هذا المجال أصبح صعبا للغاية، نظرا لضآلة هامش الربح وارتفاع العمولات البنكية بشكل كبير.
وأضاف أن رفض البنوك استقبال الإيداعات النقدية يُجبر الكثير من أصحاب المحطات على البحث عن الدولار أو الدينار في السوق لتغطية احتياجاتهم، كما تفرض البنوك على البعض فتح حسابات جارية مدينة أو الاقتراض لتتمكن محطاتهم من العمل.
ولفت إلى أن هناك عدة محطات أغلقت أبوابها الشهر الماضي، كونها لم تتمكن من الإيداع في البنوك، وبالتالي لم تتمكن من توريد البترول إلى محطاتها.
مشروع قانون جديد يزيد الضغط على المحطات
وتابع سراحنة: ما فاقم أزمة رفض البنوك للإيداع البنكي، مشروع قانون بتحديد سقف الإيداع في البنوك بـ20 ألف شيكل فقط، فهذا المبلغ لا يشكل أكثر من 3 آلاف لتر من المحروقات، فكيف يمكن أن تعمل المحطة بهذا الحجم الضئيل من المبالغ النقدية، في وقت أن أصحاب المحطات مطلوب منهم أن يوردوا الأموال والحوالات قبل يوم إلى هيئة البترول حتى يتمكنوا من الحصول على المحروقات، إلا أن البنوك ترفض الإيداع.
وقال سراحنة، إن هناك نقطة شديدة الأهمية يغفلها الجميع أن البنوك ترفض تغطية الشيكات، وترفض إصدار دفاتر شيكات جديدة، ففي عام 2024 كان حجم تداول الشيكات تقريبا 24 مليار شيكل، غير أنه بعد إجراءات البنوك الصارمة في عدم تغطية وإصدار الشيكات من 1-1-2025، حتى 1-8-2025 انخفض حجم التداول بشكل ملحوظ، وفق قوله.
ونوه، إلى أن الشيكات غير مغطاة في البنوك، أصبحت تشكل ثقلا على المحطات، فالكثير من الزبائن أضطروا إلى أخذ شيكاتهم واستبدالها بالدفع النقدي، كونهم غير قادرين على الإيداع في البنوك لتغطية شيكاتهم.
وشدد، أن أصحاب المحطات لم يعد أمامهم سوى الإغلاق، حيث أن هذا القرار لم يعد اختيارا بل قسرا، فمحطة لا يمكنها الشراء بسبب أزمة الإيداع حتما ستغلق أبوابها، مؤكدا أن أصحاب المحطات ليس هدفهم التهديد أو خلق المشاكل.
قرار بقانون جديد
وأضاف: "النقابة تفاجئت بقرار بقانون جديد تعمل عليه هيئة البترول ووزارة المالية حول جدول رسوم تجديد الرخص لمحطات المحروقات والغاز، حيث أن هذا القرار يعني أنه كلما زادت مشترياتك من المحروقات فإن جدول الرسوم على رخصتك سيرتفع، غير أننا نؤكد مجددا أن ربح المحطات لا يكاد يكفي، فالمحطة حتى تتمكن من الاستمرار في تقديم الخدمة، فإنها يجب أن تبيع ما لا يقل عن 10 آلاف لتر من المحروقات يوميا، وأقل من ذلك فهي معرضة للإغلاق".
وتابع سراحنة: "عندما تضيف رسوم على هامش ربح ضعيف ومتهالك فأنت بذلك تثقل هذا القطاع الذي يعاني من عدة مشاكل، فيجب في البداية حل هذه المشاكل، فتكلفة النقل تضاعفت 5-6 مرات نتيجة الإغلاقات والطرق الالتفافية".
وأكد أن أن أصحاب المحطات يقضون يوميا في البنوك ما لا يقل عن 4-5 ساعات من أجل أن يتمكنوا من الإيداع في البنوك، ويؤمنوا الحوالة لهيئة البترول، مشيرا إلى أن صاحب محطمة البترول أصبح يعاني الأمرين حتى يتمكن من إنجاز عمله، مؤكدا مجددا أنه مع وجود قوانين جديدة مستحدثة فإن هذا القطاع سينهار بالكامل.
160 محطة مهددة بالإغلاق بسبب القيود البنكية
وأشار سراحنة إلى أن جميع محطات المحروقات الـ200 في الضفة الغربية تواجه نفس التحديات، غير أن بعض المحطات الكبيرة تمتلك حجم شيكات أكبر وقروضًا وأرصدة بنكية، وتشكل هذه نحو 20% فقط من إجمالي المحطات، أي حوالي 40 محطة حالتها أفضل نسبيا من بقية المحطات. أما الـ160 محطة الأخرى فتواجه صعوبات كبيرة، ومن بينها 20 محطة مهددة بالإغلاق لعدم قدرتها على الإيداع النقدي.
وأشار سراحنة إلى أن بعض المحطات، مثل محطة الزاوية في الخليل، لم تعمل سوى 17 يوما خلال الشهر الماضي بسبب هذه الأزمات.
وأضاف، أن القوانين والإجراءات المستحدثة قد تؤدي إلى إغلاق 80% من المحطات، فيما ستصبح الـ20% الباقية التي كانت تعاني جزئيا، عرضة للمعاناة الكاملة.
وأكد سراحنة، أن قطاع المحروقات ليس سببا للفوضى في السوق، بل يسعى لحل جذري للمشكلات، رغم أن عشرات الاجتماعات لم تثمر عن أي حلول حتى الآن.
ضعف تفاعل المواطنين مع الدفع الإلكتروني
أما رئيس نقابة شركات الغاز قال أسامة مصلح، قال إن تفاعل الموطنين مع الدفع الإلكتروني في شراء الوقود لا يزال محدوداً، موضحاً أن التزامات المواطنين البنكية ووجود مديونيات تمنع الكثيرين من استخدام البطاقات الإلكترونية.
وأوضح مصلح في حديث لـ"الاقتصادي، أن محطات المحروقات تواجه فائضاً كبيراً في الشيكل نتيجة القرارات الأخيرة، إذ قامت البنوك بتقييد إصدار دفاتر الشيكات، إلى جانب إحجامها عن استقبال الإيداعات النقدية من المحطات، ما خلق أزمة سيولة في القطاع.
وأضاف: "نحن لا نشتري من السوق الإسرائيلي، بل من هيئة البترول، والدفع يتم من خلال الحسابات البنكية لتحويل الأموال إلى خزينة الهيئة، ومن غير المنطقي أن تطلب البنوك الدفع الإلكتروني بينما ترفض استقبال الشيكل، فمن يتحمل مسؤولية تكدس الـ 15 مليار شيكل؟ البنوك هي من جلبت هذه الأموال من قطاعات أخرى، ولسنا نحن من تسبب بالأزمة".
وانتقد مصلح، إجراءات البنوك التي تُنفَّذ وكأن قانون خفض استخدام النقد أصبح نافذاً بالكامل، قائلاً: "بعض البنوك تعيد أصحاب المحطات عن الأبواب وترفض قبول الإيداعات، ما يهدد بتعطيل المحطات وبالتالي تعطيل القطاعات الحيوية كافة".
وشدد، على أن قطاع المحروقات خدماتي وحساس ويمس حياة المواطنين بشكل مباشر، وليس قطاعاً تجارياً لتحقيق أرباح كبيرة، معتبراً أن فرض عمولات وتقييد الإيداعات يفاقم الأزمة.
وكشف مصلح عن غياب أي تواصل مع النقابة منذ صدور بيانها الأخير، مؤكداً استعدادها لاتخاذ خطوات نقابية إذا لم تُعالج المشكلة قريباً عبر حوار جدي.
كما دعا إلى إنشاء بنك وطني قادر على خدمة هذا القطاع الحيوي، مشيراً إلى أن محاولات تطبيق نسبة 50% من الدفع الإلكتروني على المحروقات و80% على الغاز لم تنجح، لا من جهة المستهلكين ولا من جهة التزام البنوك.
واختتم مصلح بالقول: "المطلوب تسهيلات حقيقية للمواطنين ومنحهم القدرة على استخدام البطاقات الإلكترونية، لا فرض حلول معقدة تزيد الأعباء على الجميع".
