رام الله الإخباري
يترقّب أصحاب المتاجر الإلكترونية وبائعو "الأونلاين" صدور قانون التجارة الإلكترونية في الجريدة الرسمية، وذلك بعد مصادقة الرئيس ، محمود عباس، عليه مطلع الشهر الجاري.
ومن المقرر أن يدخل القانون حيّز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره، ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة لتنظيم النشاط التجاري عبر الإنترنت، وتحديد التزامات البائعين والمنصات الرقمية، واستحداث مصدر دخل جديد للحكومة التي تعمل أيضًا على تعديل قانون ضريبة القيمة المضافة.
وينصّ القانون في كثير من بنوده على أنّ الهدف منه "حماية المستهلك" وضبط العملية التجارية في هذا المجال، خاصّة وأنها تتم في كثير من الأحيان بين "بائع مجهول" ومستهلك معروف، ما يعني أنها بوابة واسعة لـ"الاحتيال".
غير أنّ آخرين يعتبرون القرار خطوةً تمهيدية من الحكومة نحو إيجاد مصدر جباية جديد، لا سيّما وأن شريحة واسعة من المجتمع، وكذلك المحلات التجارية، حوّلوا نشاطهم الاقتصادي إلى العالم الافتراضي (أي خارج الدائرة الرقابية للحكومة).
وينفي مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد، رشاد يوسف، أن تكون "الجباية" هي الدافع الأساسي وراء سنّ القانون، بل "حماية المستهلك"
قائلًا: "الهدف من القانون يتحدد في مادة رئيسية فيه توضح مقاصده، وتتمثل في حماية المستهلك، ويُرجّح أن أكثر من ثلثي مواده تصبّ في هذا السياق". ويتوقّع يوسف أن نشر القانون لن يستغرق وقتًا طويلًا، وأنه سيُنشر خلال أيام.
ينصّ قانون التجارة الإلكترونية الفلسطيني في كثير من بنوده على أنّ الهدف منه "حماية المستهلك" وضبط العملية التجارية في هذا المجال، غير أنّ آخرين يعتبرون القرار خطوةً تمهيدية من الحكومة نحو إيجاد مصدر جباية جديد
وسيتم إعداد نظام تفصيلي يتناول السجل الإلكتروني، ومتطلبات التسجيل، والرسوم، وسائر الأمور التي ستكون ضمن هذا النظام، ويتم العمل على إصدار المنصة الرقمية الرسمية الخاصة بالتسجيل قريبًا بالتعاون مع وزارة الاتصالات والاقتصاد الرقمي، الشريكة في إعداد القانون، وفق يوسف.
ويضيف: "جاء هذا المشروع بعد تراكم مشكلات وصلت إلينا منذ نحو أربع سنوات، تتعلق بالتجارة الإلكترونية، وكان من الضروري وضع إطار ينظم هذا القطاع الذي يسوده قدر كبير من الفوضى، سواءً من حيث الممارسات عبر مواقع التواصل، أو حالات الغش والنصب والخداع التي قد تُحدث ضررًا بالمستهلك". لافتًا إلى أنّ إحدى مواد القانون تتضمن قائمة بالمحظورات التي يُمنع بيعها أو تداولها عبر التجارة الإلكترونية، مثل الأدوية.
ورغم تشديد يوسف على أنّ جوهر القانون هو "حماية المستهلك"، يؤكد أن ذلك لا يُلغي وجود حقوق وواجبات أخرى من شأنها ضبط عمل السوق الإلكتروني. ويستند في ذلك إلى أن قطاع التجارة الإلكترونية بات ينافس التجارة التقليدية، التي يسدّد فيها التاجر التزاماته خاضعًا للقوانين، بينما يعمل التاجر الإلكتروني في فضاء مفتوح لا تترتب عليه التزامات واضحة.
وبالتالي فإن القانون يعود إلى مربع "الجباية" بشكل أو بآخر تحت بند "حقوق الدولة". ويقول يوسف: "يُفترض أن تُعامل التجارة الإلكترونية معاملة التجارة العادية، وما يترتب على الأخيرة ينبغي أن يسري على الأولى، وإن كان القانون لا يتضمن نصًا صريحًا يربط أهدافه بقضية الضرائب. وفي نهاية المطاف، لا بد من تنظيم القطاع الإلكتروني، وأن يطبق عليه ما يسري على القطاع التجاري التقليدي من حيث الضرائب".
ويشير إلى أن كثير من الناس يتخوفون من القانون ويفكّرون في "الجانب السلبي"، لكنّ أحد أهداف القانون يرتبط بالواقع الاقتصادي الراهن. ففي ظل تفاقم البطالة التي بلغت 51% بالضفة وغزة، وتجاوزت في الضفة الغربية 35%، أصبحت التجارة الإلكترونية فرصة عمل لكثيرين، خصوصًا النساء، إذ يُقدّر أن أكثر من 90% ممن يروّجون للتجارة الإلكترونية يعملون من منازلهم، باعتبارها مصدر دخل وفرصة عمل. ونحن لسنا معنيين بالتضييق على الناس في ظل الظروف الصعبة ومعدلات البطالة المرتفعة. ويقول يوسف: "نحن معنيون بأن يعمل الناس، وأن نزيد عدد العاملين في هذا القطاع الذي نعدّه جزءًا من الاقتصاد الرقمي الواعد والمستقبلي، ولكن ضمن ضوابط محددة".
وعن المنصة الرسمية التي سيسجّل بها التجار الإلكترونيون، فسيُفتح العمل بها لاحقًا وستكون منصة موثوقة متاحة للجمهور، بحيث يتمكن أي شخص يتعامل بالتجارة الإلكترونية، سواءً كان زبونًا أو مستهلكًا، من الدخول إليها ومعرفة من هم المسجلون رسميًا
ليتم التعامل معهم بوضوح وشفافية. وتتضمن هذه المنصة مجموعة من البيانات التي يمكن الرجوع إليها لمعالجة مختلف القضايا، كما ستعمل الجهات المختصّة على تحفيز العاملين في هذا المجال الذين يفتقرون إلى الخبرة، من خلال التدريب والدعم.
ويضيف: "سيكون القانون فرصة للعاملين في هذا المجال، وخصوصًا الشباب والنساء، إذ سيُتاح لهم بعد التسجيل الاستفادة من برامج تدريبية ومشاريع ومنح لمبادرات ريادية، ليكونوا فئة مستهدفة في هذا القطاع.
كما أن التسجيل في المنصة سيمنحهم فرصة للترويج لأنفسهم، حيث سيتمكن الجمهور من الاطلاع على أسمائهم في المنصة، وهذا يُعدّ جانبًا إيجابيًا لهم. نحن معنيون بأن يكبر هذا القطاع وينمو، وأن تكون هناك حوافز ضمن ضوابط وأصول محددة".
وحول سؤال ما إن كان القانون سيطبق على الفئات التي لا تسجّل في المنصّة الإلكترونية، يجيب يوسف: "الأمر يُشبه ما هو قائم في التجارة التقليدية، إذ يبلغ عدد المنشآت الاقتصادية في الضفة وغزة نحو 176 ألف منشأة
فيما أكثر من نصفها غير مسجل. وهناك كثير من العاملين خارج الإطار الرسمي. لكننا سنعمل على الجانب التوعوي لشرح الطرق المحفّزة على التسجيل وتسديد الالتزامات".
ويضيف: "لن تكون بداية تطبيق القانون قائمة على العقوبات، إلا في الحالات التي تمسّ حياة الناس، كبيع المكملات الغذائية ومستحضرات التجميل أو ما يضر بالصحة، وقد أُحيلت بعض القضايا منها سابقًا إلى النيابة العامة. وستكون العقوبات في هذا القانون على مستويين: إغلاق الموقع المخالف، وفرض غرامات مالية".
ويلفت مدير السياسات في وزارة الاقتصاد إلى وصول عشرات الشكاوى سنويًا ضد مواقع التجارة الإلكترونية، تتعلق بالغش في المواصفات، أو بقضايا تمس الصحة، أو بمشكلات في التوصيل والإرجاع. ويتم معالجتها عبر إدارة حماية المستهلك. أما المواقع التي يصعب الوصول إليها، فننسّق بشأنها مع وزارة الاقتصاد الرقمي والشرطة الفلسطينية وجهات أخرى لمعالجتها، سواء كانت مسجلة أم غير مسجلة في المنصة.
أما عن كيفية إثبات المخالفات الإلكترونية على صفحات غير فلسطينية خارجية، يوضح يوسف أن نطاق تطبيق القانون يقتصر على من يمارس النشاط التجاري الإلكتروني داخل فلسطين. وفي حالات مثل متجر "شي إن" أو "علي بابا" وغيرها
إن كانت تمارس أعمالها داخل البلاد ولها مندوبون أو ممثلون محليون يتابعون عمليات البيع الإلكتروني، فسيُطلب منها التسجيل رسميًا في المنصة، باعتبارها تمارس نشاطًا تجاريًا داخل فلسطين، ويُطبق عليها القانون.
ويشير رشاد يوسف في ختام حديثه إلى أنّ من يشملهم القانون، كل من يمارس التجارة أو التسويق الإلكتروني، سواء كان لديه محل أو شركة مسجلة في وزارة الاقتصاد الرقمي، أو كان فردًا يمارس النشاط عبر الإنترنت
جميعهم مطالبون بالتسجيل في المنصة الرسمية. كذلك، فإن الأفراد الذين يمارسون التجارة الإلكترونية دون وجود عنوان فعلي لمتاجرهم، إضافة إلى المواقع الإلكترونية غير المرتبطة بمكان على أرض الواقع، جميعهم ملزمون أيضًا بالتسجيل في المنصة الإلكترونية الرسمية.
وفي حين يرى عضو الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة، مؤيد عفانة، أن القانون يأتي بصيغة تميل إلى حماية المستهلك، يوضح أن في جوهره شكل من أشكال "الجباية" عبر التسجيل ودفع الرسوم.
ويوضح أن الائتلاف الأهلي عقد جلسة مساءلة في وقت سابق مع الجهات الرسمية ذات العلاقة، لمطالبتهم بتنظيم هذا القطاع، الذي ظل يعمل دون إطار قانوني واضح منذ سنوات.
ويعتقد عفانة "أن الحكومة لن تُشدّد في البداية على الجباية؛ بهدف تشجيع العاملين على التسجيل".
وسيكون ذلك مرحليًا من صالح المستهلك الذي سيُصبح قادرًا على معرفة الجهات التي يتعامل معها وتجنّب الغش.
وعن سؤال ما إذا كان القانون يُمهّد لجباية أوسع، يقول عفانة: "المفترض أن تخضع الجهات المرتبطة بالقانون للمعايير الضريبية السارية بما يضمن العدالة الاجتماعية.
وستكون التجارة الإلكترونية، شأنها شأن أي نشاطٍ تجاري آخر، خاضعة لمبدأ الضريبة وفق القوانين الناظمة، وهو جزء من استحقاقات المواطنة الصالحة".
ويتابع: "من غير المنطقي أن يُلزم صاحب محلٍ لبيع الفلافل الصغير بدفع الضرائب، بينما يُعفى من يعمل عبر الإنترنت ويُحقق أرباحًا دون أي التزامات مالية".
ويضيف: "الأصل أن تُقرّ الحكومة حوافز وإعفاءات ضريبية للمشاريع الصغيرة، لا سيما تلك التي تديرها النساء أو ذوو الإعاقة أو الشباب، فمبدأ العدالة يتطلّب عدم التعامل مع جميع الفئات بمعيار واحد.
ينبغي تصنيف المشاريع وفق طبيعتها وحجمها، بحيث تخضع المنشآت الكبيرة التي تحقق أرباحًا عالية للالتزامات الضريبية الكاملة، بخلاف المشاريع الصغيرة".
ويشير عفانة إلى وجود شركات كبرى تعمل في مجال البيع الإلكتروني وتُحقق نسب مبيعات مرتفعة دون أن تدفع ضرائب، وهؤلاء لا يمكن مساواتهم بالمشاريع الصغيرة المنزلية أو الفردية.
لذا يجب أن يُبنى المنظور الضريبي للتجارة الإلكترونية على مبدأ "التدرّج"، بحيث تُعزّز التسهيلات للفئات المهمشة، وتُطبّق العدالة والمساواة تدريجيًا على الفئات الأخرى.
وعن سؤال "الترا فلسطين" حول الطريقة الأمثل للرقابة على السوق الإلكتروني، يجيب عفانة: "في حال صدور القانون بالجريدة الرسمية وإقرار لائحته التنفيذية
\وجرى العمل على إجراءات واضحة لضبط السوق، وإن توفّرت الإرادة السياسية، فسيُصبح بالإمكان تتبّع النشاط التجاري الإلكتروني عبر شركات التوصيل، ومن خلالها تتم الرقابة على الجهات المسجّلة، بحيث يُعامل كل من لم يُسجّل رسميًا باعتباره متهرّبًا ضريبيًا".
الترا فلسطين
