تساؤلات حول أسباب غياب المغرب عن قمة شرم الشيخ للسلام

أثار غياب المغرب عن القمة التي عقدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مدينة شرم الشيخ بمصر، بمشاركة نحو ثلاثين رئيس دولة ووفد رسمي، تساؤلات في الأوساط السياسية والإعلامية، سواء داخل البلاد أو لدى المراقبين، حول خلفيات هذا القرار وأبعاده الدبلوماسية.

القمة التي وُصفت بكونها حدثًا عالميًا ضخمًا وحظيت بمتابعة إعلامية مكثفة، جاءت في سياق سعي الرئيس الأمريكي إلى تعزيز صورته كـ”صانع سلام” في الشرق الأدنى والأوسط، عقب عودة الهدوء إلى قطاع غزة بفضل خطته السياسية المثيرة للجدل. غير أن غياب الرباط أثار علامات استفهام حول أسباب هذا الموقف.

وتعددت الفرضيات بشأن خلفية الغياب المغربي، فبين من يرى أنه قرار فرضته الدبلوماسية الأمريكية، أو البلد المضيف مصر، ومن يعتبر أن المغرب اختار عدم المشاركة في قمة لا تراعي شروطه المبدئية، أو ربما لم يُدعَ إليها في الوقت المناسب.

غير أن مراقبين يجمعون على أن هذا الغياب لا يمكن قراءته إلا في سياق السياسة الخارجية المغربية الثابتة، القائمة على التوازن والاستقلالية، وعلى دعم الحلول الواقعية والعادلة التي تحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

الحضور ليس معيار الالتزام

في هذا السياق، أوضح الخبير في العلاقات الدولية عباس الوردي أن المغرب أيّد ورحب بوقف إطلاق النار مباشرة بعد اتفاق شرم الشيخ بمصر، وأضاف أن “عدم حضور المغرب لا يمكن تفسيره بكونه استبعادًا أو تقاعسًا من جانبه، فالمملكة المغربية معروفة بأنها شريك أساسي إلى جانب باقي دول العالم لإحلال السلام في المنطقة”.

وأكد الوردي، ضمن حديثه لـ”القدس العربي”، أن المغرب يلعب دورًا محوريًا في “لجنة القدس” و”بيت مال القدس الشريف”، وفي الوساطة بين مختلف الأطراف لتقريب وجهات النظر وشجب جرائم الإبادة الجماعية، مضيفًا أن هذا الموقف “يكرّس التوجه المغربي الدائم في مواكبة التحولات الدولية باعتباره منبرًا دبلوماسيًا فاعلًا”.

وشدد الخبير على أن “الحضور من عدمه ليس هو الأساس في تقييم الدور المغربي”، لأن المغرب، بحسبه، “يضطلع بدور أساسي في تأطير البنية الدولية التي ما فتئت تدعو إلى السلام ونداء القدس وإعلان الرباط، وغيرها من المبادرات التي تؤكد أن التعايش هو الأساس في السياسة المغربية، وأن حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم ثابت لا يقبل التنازل”.

وأضاف الوردي أن “الحضور اقتصر على رؤساء وزعماء الدول المحيطة، وهي إشارة إلى أن الهدف كان تقنيًا يتمثل في تقديم حلول ميدانية”، موضحًا أن “المغرب لا يمكنه التنازل عن مواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية”.

المغرب منسجم مع الإجماع العربي

من جانبه، أبرز الأستاذ الباحث في العلاقات الدولية حسن بلوان أن غياب المملكة المغربية عن مؤتمر شرم الشيخ للسلام لا يعكس خروجاً عن الإجماع العربي، الذي كان يهدف بجميع الطرق والوسائل إلى إنهاء حرب الإبادة الجماعية في غزة.

مراقبون يجمعون على أن هذا الغياب لا يمكن قراءته إلا في سياق السياسة الخارجية المغربية الثابتة القائمة على التوازن والاستقلالية

وأوضح بلوان أن موقف المغرب كان دائمًا داعمًا لجهود الوساطة التي تقوم بها قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء الحرب، مشيرًا إلى أن المؤتمر “اتخذ طابعًا تقنيًا أكثر منه سياسيًا، إذ جمع أساسًا الدول الوسيطة بين الطرفين والضامنة لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى دول داعمة لأحد طرفي الحرب”.

وأكد الباحث أن “المغرب، وإن لم يكن حاضرًا في المؤتمر، فقد دعم جهود الوسطاء والضامنين، وكان قد أعلن رسميًا، عبر وزارة الشؤون الخارجية، تأييده لخطة الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في غزة قبيل انعقاد المؤتمر”، ما يعني أن الغياب لم يكن موقفًا سلبيًا، بل تعبيرًا عن نهج دبلوماسي قائم على الفعل أكثر من الشكل.

وشدد بلوان على أن “غياب المغرب عن المؤتمر لا يمكن أن يُفهم بأي حال من الأحوال كإحجام أو إعراض عما يجري في منطقة الشرق الأوسط”، بالنظر إلى حجم الدعم الرسمي والشعبي الذي أبداه المغاربة طيلة الحرب التي استهدفت قطاع غزة.

وأضاف أن “أكبر وأضخم الفعاليات اليومية والأسبوعية المتضامنة مع الشعب الفلسطيني كانت مغربية بامتياز”، سواء من خلال المسيرات الشعبية أو المبادرات الإنسانية التي جسدت الموقف الثابت للمغرب، ملكًا وحكومةً وشعبًا في دعم الحق الفلسطيني.

إلى ذلك، تؤكد المعطيات أن الدبلوماسية المغربية اختارت أن تُعبّر عن موقفها الثابت بطرق أخرى غير الحضور البروتوكولي، انسجامًا مع فلسفة السياسة الخارجية التي تعتمد الواقعية والتوازن. فالمغرب، الذي يرأس “لجنة القدس” ويحتضن مؤسسة “بيت مال القدس الشريف”، ظلّ فاعلًا في مختلف المبادرات الإقليمية والدولية الداعية للسلام، ومتمسكًا في الآن ذاته برفض أي حلول لا تحترم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.