نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقريرًا موسعًا بقلم المحلل العسكري روني بن يشاي، تناول فيه كواليس عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. ويعرض التقرير تفاصيل التحضيرات الميدانية والتكنولوجية التي سبقت العملية، والدور الذي لعبه جهاز الموساد والجيش الإسرائيلي، إضافة إلى النقاشات السياسية والعسكرية التي رافقت الحدث.
يقال إن التحضيرات لعملية “البيجر” كانت بسيطة مقارنةً بالتحضيرات للعملية التي نُفذت تحت نيران كثيفة وبمخاطرة بحياة عناصر ميدانيين. حدث ذلك في أيلول من العام الماضي، في خضم قصف سلاح الجو للضاحية الجنوبية ببيروت؛ حيث تسلل عدة أشخاص إلى حارة حريك حاملين طرودًا مموهة. كانوا يعلمون تمامًا أنه إذا قبض عليهم عناصر حزب الله فسيواجهون عقوبة الإعدام. ولو صودرت الأجهزة التي بحوزتهم، لكانت ستلحق أضرارًا أمنية كبيرة بإسرائيل.
تسللوا عبر الأزقة الضيقة، وتشبثوا بالجدران، آملين أن يكون من أرسلهم قد نسّق مع سلاح الجو حتى لا يقصف الطريق الذي سلكوه للوصول إلى المبنى السكني متعدد الطوابق الذي يقع تحته المقر السري لحزب الله. وأشارت المعلومات الاستخباراتية التي وصلت إلى شعبة 8200 والاستخبارات العسكرية آنذاك، إلى أن حسن نصر الله كان من المفترض أن يلتقي في هذا المخبأ مع قائد فيلق القدس الإيراني في لبنان، الجنرال عباس نلفروشان، ومع علي كركي، قائد الجبهة الجنوبية لحزب الله.
كان المطلوب من المجموعة أن تضع الأجهزة في مواقع محددة أسفل المبنى حيث يقع المخبأ. وقدّروا أن فرص العودة بسلام لا تتجاوز 50%، إما بسبب اكتشافهم من قبل عناصر حزب الله، أو بسبب شظايا القصف الجوي الإسرائيلي المكثف.
قبل ساعات من انطلاقهم، دار نقاش بينهم وبين مشغّلهم حول خطورة المهمة، وطلبوا وقف القصف مؤقتًا. لكن قيل لهم إن القصف سيستمر، بل وسيتكثف، لإجبار عناصر حزب الله على الاحتماء وإتاحة المجال للوصول إلى الهدف. وهكذا تمت العملية بنجاح دون إصابة المجموعة.
التقرير يذكر أن الأجهزة التي استُخدمت تم تطويرها عام 2022 بمشاركة وزارة الدفاع وسلاح الجو وشركتي "رافائيل" و"إلبيت"، وجرى تصميمها لتحقيق دقة عالية في توجيه الضربات الجوية للأهداف المحصنة تحت الأرض.
في مساء 27 أيلول، عند الساعة 6:20، ألقت عشر طائرات إسرائيلية 83 قنبلة زنة كل منها طن واحد على المخبأ، مستخدمة ذخائر موجهة بدقة مثل قنابل BLU-109 الأمريكية. وبحسب التقرير، أصر وزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت على مضاعفة عدد القنابل لضمان القضاء على نصر الله. وأسفر القصف عن مقتل نصر الله والجنرال الإيراني علي كركي إلى جانب المئات من عناصر حزب الله المتواجدين في المنطقة.
أعقب العملية رد من حزب الله تمثل في إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة باتجاه إسرائيل تحت مسمى “عملية خيبر”. وفي المقابل، واصل الجيش الإسرائيلي استهداف قادة حزب الله واحدًا تلو الآخر.
ويشير التقرير إلى أن العملية جاءت بعد نقاشات مطولة بين القيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل، حيث تباينت الآراء بين أولوية مواجهة حزب الله أو الاستمرار في التركيز على غزة. كما يوضح أن قرار نتنياهو النهائي بالتحرك نحو الشمال جاء بعد سلسلة هجمات تعرضت لها مناطق الجليل.
كما يسلط التقرير الضوء على دور الخداع العسكري الذي نفذه الجيش الإسرائيلي، من خلال تقسيم الضربات على مراحل، بدءًا باغتيال قيادات بارزة في يوليو، ثم مهاجمة أنظمة الاتصالات في سبتمبر، وصولًا إلى العملية الكبرى التي قُتل فيها نصر الله.
ويخلص بن يشاي في تقريره إلى أن اغتيال نصر الله كان نقطة تحول بارزة في مسار الحرب، لكنه لم يُنهِ وجود حزب الله أو قدراته العسكرية بالكامل، حيث لا يزال التنظيم يمتلك ترسانة صاروخية ومسيرات شمالي الليطاني، ما يجعله عاملًا مؤثرًا في المعادلة الإقليمية.