رغم الحصار والالم والجوع مخيم اليرموك يخرج من بين الركام ب " 150 عرسا " و عشرات المواليد

موقع مدينة رام الله الاخباري :

شهد مخيم اليرموك بدمشق أكثر من مئة وخمسين حفل زفاف منذ إطباق الحصار عليه في تموز عام 2013، فيما سجل ذات المخيم خلال الأشهر الأخيرة ولادة أكثر من عشرين مولوداً جديداً. والزواج لا يتم فقط لذات الأسباب التي تبرره في العالم أجمع، فالمخيم المحاصر خلق أسباباً جديدة له، فيما يعجز العاملون في المجال الصحي داخل اليرموك عن اقناع السكان بعدم الإنجاب لما يشكله في ظروف الحصار من مخاطر صحية تضاف إلى المخاطر الموجودة أصلاً في حالة الحصار الخانق.

فقط لأشعر أني طبيعي

تزوج أحمد، ويبلغ 25 عاماً، منذ أربعة أشهر. ويبادرك بالقول حين تسأله عن أسباب قراره الزواج في المخيم المحاصر \"مع كل هذا الضغط أريد أن أهرب من الواقع، أريد أن أشعر أني أعيش حياة طبيعية، أقوم فيها بتأسيس أسرة، على الأقل لم أشأ أن أبقى وحيداً. فاليوم يوجد من يشاركني حتى الحديث عن الكرتونة أو البرميل أو يلدا المليئة بالطعام\".

 لا يخطط أحمد لأن يصبح أباً في الوقت الحالي، مع أنه لا يستخدم وسائل الوقاية في حياته الزوجية، ويفسر عدم الرغبة بإنجاب الأطفال بأنها إحدى تبعات الحصار، فيقول \"إذا أنجبت طفلاً اليوم فأنه لن يسجل قانونياً، زواجي في الأساس ليس مسجل في دوائر النفوس، هو فقط زواج بورقة شيخ، من يريد طفلاً بهذه الظروف وبلا شهادة ميلاد؟\".

تقام الأعراس في المخيم في ما تبقى من صالات أفراح، ويتكفل العريس بتأمين الوقود اللازم لتشغل أجهزة الصوت فيها، بينما يحتفل البعض بالرقص الشعبي في حال تعذر تأمين الوقود. في ليلة الزفاف يبذخ الأقارب والجيران على العروسين بالطعام المتوفر.

وفي ليلة زفافه تناول أحمد مع عروسه طعاماً لم يعرفاه منذ أشهر، يقول وهو يضحك \" أكلت في ليلة الرفاف \"رز وبازيلاء ولبن\" كنت أخطط لوجبة من اللحم، لكن طريق بيت سحم البلدة المجاورة للمخيم، والتي نشتري منها عادة بعض الطعام أغلق في يومها، قدمت إحدى الهيئات الخيرية الطعام لي\".

زواج الحماية

ليست الوحدة أو الرغبة ما جعلت أيمن يتزوج، فالشاب، البالغ من العمر 28 عاماً، تزوج بعد أيام قليلة من اجتياج تنظيم الدولة \"داعش\" للمخيم في الأول من نيسان الماضي.

كان زفافاً مفاجئاً في أيام القلق الأمني الشديد، وأنباء الاجتياج والقصف والتهجير، لكن أيمن لم يكن يتزوج بقدر ما كان يحمي العروس، وهي إحدى فتيات اليرموك.

كانت العروس تعيش مع شقيقها الناشط الإعلامي الذي أضطر أن يغادر اليرموك هرباً من تنظيم داعش، فبقيت وحيدة في منزل العائلة. وقلق السكان عليها، كما قلق شقيقها الذي وصل يلدا عليها، ولم يكن من حل سوى أن يقوم أحمد بخطبة الفتاة والزواج بها في ذات اليوم، وهكذا لم تعد وحيدة في المنزل الذي يقع في منطقة يسيطر عليها التنظيم، فانتقلت إلى بيت الزوج في وسط المخيم وباتت آمنة نسبياً الآن.

\"20150527150326\"

الطبيب يقاوم

يصر أحد الأطباء في مخيم اليرموك، رفض الكشف عن اسمه، على أن الإنجاب في اليرموك اليوم يشكل خطراً كبيراً على صحة الأم والجنين، فعدا عن شح الغذاء وندرة المياه الصالحة للشرب، والظرف النفسي السيئ الذي تمر به الأم، يعاني السكان من انتشار الأمراض وغياب الأدوية، والكوارد الطبية المتخصصة بمراقبة الأم والجنين، لكنه يصطدم بجدار صلب كلما حاول نشر مخاطر الحمل.

يقول الطبيب إن \"أغلب السكان يعتقدون أنهم يقعون فيما حرم الله إذا امتنعوا عن الانجاب، وهذا وازع ديني صلب يجعلهم لا يسمعون نصائحنا الطبية، فيما يعتمد البعض الآخر على العادات والتقاليد التي تشجع على الإنجاب، آخرون يقولون لي إنهم ينجبون أطفالاً من أجل فلسطين\".

وتحت شعارات الصمود والبقاء في قلب الحصاريجرى الطبيب عمليات ولادة ناجحة، رغم أنه مختص بطب الأسنان، إلا أنه وجد نفسه مضطراً للعمل في غير اختصاصه في المخيم.

فارقت الحياة وعادت مع بيلسان

تبلغ بيلسان من العمر عاماً وثلاثة أشهر اليوم، ولا ينسى والدها أحمد الشريف يوم ولادتها أبداً، فقد استمر المخاض مع الأم لاثنتي عشر ساعة، وكادت تفارق الحياة \" توقف قلب زوجتي تماماً ثم عادت إلى الحياة، ظننت بأني فقدتها، كان حملها أيام الحصار الكامل ولا طعام في المخيم، كانت تأكل وجبة واحدة في اليوم تتألف من عشبة (رجل العصفور) أو شوربة البهارات، لكن الله يسر لنا الأمر، ووضعت بيلسان التي رضعت حليب والدتها ولم تحتاج للحليب المجفف\".

لا يزال أحمد ضد فكرة التوقف عن الإنجاب في المخيم، يقول إن الله يُيسر كل أمور السكان اليوم، ولا أحد يعلم كيف \"الله بيدبر\" فيما صحة بيلسان ممتازة، وقد كان وزنها ساعة ولادتها 2.4 كيلوغرام.

أقل من كيلوغرام

من مخيم السبينة لجأت عائلة علي، ويبلغ من العمر 38 عاماً، إلى مخيم اليرموك قبل أن تغلق الحواجز العسكرية المؤدية إليه.

أنجبت زوجته مؤخراً طفلاً خامساً للعائلة، ولأن الزوج عاجز تماماً عن الحركة بسبب مرض ألم به، فهي التي تتوجه إلى نقاط توزيع المساعدات الغذائية فى المخيم وخارجه لتقف ضمن الطوابير تنتطر دورها.

لم يكن المصطفون يعرفون من أين يأتي ذلك الصوت الخافت الذي يشبه البكاء  حتى كشفت عنما تحمل بين يديها. كان مولودها الجديد الذي لم يصل وزنه بعد إلى كيلوغرام واحد، رغم أن عمره شهر كامل، فهي لا تستطيع أن ترضعه فلا حليب في صدرها، تذيب له بعضاَ من السكر النادر في اليرموك، وتطعمه من زجاجة تحملها في رحلاتها اليومية.

المصدر : عربي 48