داخل الجدار أم خارجه..معضلة السكن في القدس الشرقية!

521529197_18275415457302888_5957178952779370949_n.jpg

خيرا فعل المقدسيون عندما أصرّوا على البقاء في القدس الشرقية من الأساس، فهي نقطة الصراع المركزية بين الاحتلال الإسرائيلي والفلسطينيين منذ احتلال المدينة المقدسة في العام 1967، ومنذ ذلك الوقت يصارعون البقاء على هذه الأرض، لكن الأزمة تفاقمت منذ انشاء الجدار الفاصل الذي شقّ المدينة وقسم أحياؤها، لتزداد الأمور تعقيدا من الناحية السياسية والاجتماعية على حد سواء، ليصبح المقدسي بين خيارين أحلاهما مرّ، فهل يسكن داخل الجدار أم خارجه؟

ظاهريا يبدو السؤال المطروح عقاريا بحتا، لكنه يكشف عن بشكل واضح عن قلب الصراع في المدينة، ويعكس واقعا مركبا من الإهمال والتمييز، والتغيرات الديمغرافية التي بدأت ترسم معالم القدس خلال الفترة المقبلة، فمنذ إقامة هذا الجدار أوائل العقد الأول من الألفية، بدأ المشهد الحضري والسكاني للقدس بالتغيّر بشكل جذري.

لهذا السبب وجد الآلاف من الفلسطينيين الذين مازالوا متمسكين بحقهم بالعيش في القدس الشرقية أنفسهم خارج الجدار ماديا، رغم أنهم يحملون "الهوية الزرقاء" التي تمنحهم إقامة دائمة في المدينة، فالشراء داخل الجدار يُعد، ظاهريا، خيارا أكثر أمانا، خصوصا وأن هذه الأحياء مثل بيت حنينا، وادي الجوز، والشيخ جراح، مدعومة إسرائيليا خاصة بالخدمات البلدية، مثل شبكات المياه والكهرباء، والتنظيم، لكنها في المقابل تعاني من سياسة تمييز ممنهجة في توزيع الميزانيات، وتضييق مستمر على البناء الفلسطيني، بهدف تقليص الوجود العربي هناك، لتحقيق ميل ديمغرافي لصالح الإسرائيليين بشكل واضح وهو ما تسعى اليه إسرائيل منذ سنوات.

أما الأحياء التي وقعت خارج الجدار الفاصل مثل كفر عقب، السواحرة، ورأس خميس، فإن هناك ازدهارا سكانيا وعمرانيا عشوائيا واضحا للجميع، خصوصا وأن أسعار الشقق أقل بكثير من تلك التي تقع داخل الجدار، الأمر الذي يجذب الفلسطيني هناك، غير أن هذا كله له ثمن وهو الفوضى الإدارية، وانعدام التخطيط، وضعف البنية التحتية، وغياب شبه كامل لأي رقابة حقيقية من البلدية التابعة لإسرائيل بالطبع، مما يجعل السكن هناك خطر حقيقي.

والعجيب في الأمر أن إسرائيل تسعى ليل نهار للحد من الوجود الفلسطيني داخل الجدار، عن طريق القيود والتضييق وهدم المباني الفلسطينية هناك ورفض رخص البناء، لكنها تُبقي على ارتباط الفلسطينيين في الخارج بالمدينة كجزء من سياسة مدروسة هدفها الرئيسي هو تفريغ الداخل من سكانه الأصليين، دون أن تفقد قدرتها على التحكم فيهم.

لو دخلنا الى عقل الشاب الفلسطيني، فإن اختياره السكن داخل الجدار أو خارجه ليس قرارا عقاريا، إنما تموضع سياسي واجتماعي وصراع داخلي كبير، فهو إن قرر الشراء والسكن داخل الجدار فإنه سينزوي إلى الهامش مع بعض الاستقرار النسبي، أما ان اشترى خارج الجدار فإنه سيبقى في قلب المعركة على المدينة المقدسة.

وفي الوقت الذي يواصل فيه المقدسي صراع الأرض والعيش الآمن داخل مدينته المقسمة بين جدارين، فإن المطلوب من الكل الفلسطيني وخاصة شعبنا العظيم في مناطق الـ 48 وهو يقترب من مليوني مواطن دعم القدس وأهلها بكل الطرق الاجتماعية والقانونية، خاصة في حقه بالعيش بكل متر من أرضه بالمدينة المقدسة سواء داخل الجدار أو خارجه، كما أن الأحزاب العربية في اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل والحكومة الفلسطينية مطلوب منها الكثير للعمل على دعم الفلسطيني هناك في نقطة الصراع المركزية.. كلُ يعمل بما يمكنه رغم الضغط على الجميع.. لأن هناك في القدس معركة حقيقية الكل مدعو للتجنيد لها بما يملك، فهي القدس القدس.