مهما اختلفت التقديرات وتفاوتت حول عدد المصلين في المسجد الأقصى، منذ الأسبوع الماضي، والتي شهدت عودة الحركة في الحرم القدسي إلى طبيعتها في مشهد مهيب يبعث على الطمأنينة والأمل، لكن، اتّفقت على أن جموع المصلين تعاظم حضورها بوتيرة متصاعدة.
وبينما تراوحت تقديرات الجموع في يوم الجمعة الماضية فقط بين 50 - 60 ألف. لكن، حتى الإعلام الإسرائيلي أقر بأن العدد في ذلك اليوم فاق أي يوم في أي صلاة جمعة خلال الشهر الماضي، مؤكدا أن ثمة مغزى سياسي للسيطرة الفلسطينية على المسجد الأقصى، والحق يقال أن هذا المغزى اعتبره أنا شخصيا "فريضة سياسية" بل وفريضة وطنية فلسطينية.
ولك أن تتخيل جمعة مقبلة في الأقصى يصلي فيها ما بين 500 – 600 ألف مصل، بعد أن يتيح جيش الاحتلال لأهالي الضفة الغربية وصولا يسيرا إلى الحرم القدسي، كما هو حال مدينة القدس القديمة، وأهالي الداخل.
هذه القضية تعيد الى الذاكرة بكلمات قالها الشيخ الإسلامي الجليل سعد الدين العلمي رحمه الله الذي قال فيها: "أهل فلسطين هم حماة الأقصى. وإن مقدسات القدس بلا البشر عبارة عن حجر، كما آلت مساجد الأندلس الغابرة"، وهذا أمر جدير بالثقة في أن المسجد الأقصى ليس مجرد معلم ديني، بل هو رمز راسخ للهوية والروح والكرامة. مهما طال الإغلاق أو اشتدت الظروف، يبقى الأقصى حاضرا في ضمير الأمة، وتبقى قلوب المؤمنين معلقة به، تنتظر لحظة العودة إليه لتجدد العهد مع الله ومع الأرض المباركة.
نعم، لقد عاد الأقصى إلى روتينه الأصلي، المتمثل في استقبال المصلين الذين يأتون بشوق وإيمان وخشوع، ليملأوا فضاءه بدعائهم وسجودهم ودموعهم الصادقة، ويثبتوا مرة أخرى أن هذا المسجد سيظل عامرًا بأهله ومحبيه على مرّ الزمان.
وبالمناسبة، فإنه لو افترضنا أن 500 ألف مصل يصلون في الحرم القدسي في حال سمحت الظروف لهم بذلك وخصوصا تقييدات الاحتلال، فإن هذا يعني أن واحدا من كل عشرة فلسطينيين كان هناك، من دون احتساب الأولاد تحت العاشرة، وهؤلاء يشكلون شريحة ذات قاعدة معتبرة في الهرم العمري الفلسطيني، ودون احتساب اثنين مليون فلسطيني محاصرون في قطاع غزة. فمن الصعب أن يتجمع عُشْر شعب في مكان واحد ولمناسبة واحدة، إنه أمر مذهل يشبه الحج في المسجد الحرام.
هذا كله يقودنا إلى ضرورة أن تصدر دوائر الإفتاء في العالمين العربي والإسلامي اثنتين من الفتاوي، إحداهما عاجلة، وأخرى مؤجلة، فأما الأولى فهي ضرورة ربط شبكات البث المرئي بالشبكة الفلسطينية التي تنقل الصلاة من المسجد الأقصى أيام الجمعة من كل أسبوع، وأما الفتوى الثانية فهي: ضرورة قيام المسلمين بالحج إلى القدس استكمالا لحجة بيت الله الحرام، لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.