تعيش مدن وبلدات الضفة الغربية هذه الأيام، حالة من مشهد مربك خاصة في محطات الوقود، ويشهد الشارع الفلسطيني حالة من القلق المتصاعد، تجلّت في طوابير طويلة وتزاحم على محطات التعبئة، وصور ومقاطع فيديو اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، توثق حالة الارتباك الحاصلة في تزويد المركبات بالوقود، وذلك مع اشتداد المواجهة بين إيران واسرائيل، حيث برزت بشكل قوي الأزمة، ومعها غابت الحلول والمعلومات التي يحتاجها المواطن الفلسطيني ليطمئن قلبه.
لكن من يقرأ الأزمة من جميع جوانبها بعيون متفتحة وعقل مستنير، يرى أن ما يجري ليس نتيجة للنقص الحقيقي في كميات الوقود التي توردها إسرائيل الى الضفة الغربية، بل هو انعكاس لسياسة حكومية منظمة تهدف إلى إدارة التوزيع وتقليص الطوابير وتحقيق قدر من العدالة في التزود بهذه المادة المهمة لآلاف الناس، حيث أن انخفاض حجم المبيعات اليومية التي تشهدها محطات الوقود في الآونة الأخيرة، ليس بسبب نفاد الكميات، بل نتيجة توجه رسمي نحو ضبط الاستهلاك وتوزيع الكميات بطريقة أكثر توازنا.
هناك من سيسأل عن الهدف من هذه السياسة في ظل الوقت الراهن، لكن الهدف واضح وهو تجنب المشهد التقليدي للطوابير الطويلة، وإتاحة كميات صغيرة لكل مستهلك لضمان وصول الوقود إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين، مما يعني أن "أزمة الوقود" التي يلمسها المواطنون لا تعكس نقصا فعليا في الوقود، بل طريقة جديدة في التعامل معها، في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها الأراضي الفلسطينية، بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية.
ورغم حالة الذعر التي تسيطر على المواطنين، إلا أن الكثير من قادة الحكومة الفلسطينية أكدوا أنهم يبذلون جهودا مكثفة لاستئناف تدفق الوقود بكميات أكبر وأكثر انتظاما لمواجهة الأزمة، وذلك بالتنسيق مع الأطراف المعنية، وخاصة إسرائيل التي تتحكم في المنافذ والمعابر التي تمر عبرها الشحنات، حيث أعلن محمد أبو الرب، مدير مركز الاتصال الحكومي، أن اتصالات سياسية وفنية قد بدأت لإزالة العراقيل التي تؤخر عمليات التوريد، بما في ذلك تعزيز الرقابة على التوزيع الداخلي لمنع التهريب أو التخزين غير المشروع.
إن هذه السياسة تعكس تحوّلاً واضحا في كيفية تعامل الحكومة مع المواد الأساسية، حيث يُعاد تعريف مفهوم "الكفاية" في سياق اقتصادي ضاغط، يراعي توزيعا أكثر عدالة في ظل تراجع الموارد، بهدف ضمان حصول كل مواطن على ما يكفي من الوقود لحاجته اليومية وليس تخزينه بكميات كبيرة لدى فئة محدودة من المواطنين أو التجار.
ولو سلّمنا -جدلا- بصحة الرواية الرسمية حول "استقرار" سلسلة التوريد، فإن التوقعات بعد هذه السياسة، تشير الى أن الأيام المقبلة ستشهد انفراجة تدريجية في أزمة الوقود، خصوصا إذا نجحت الجهود السياسية في تأمين كميات إضافية من الشحنات، وهذا بحد ذاته مرتبط بعوامل خارجة عن الإرادة المحلية، من بينها الوضع الأمني عند المعابر، والتوترات السياسية القائمة في المنطقة.
إن نجاح هذه السياسة وانتهاء الأزمة الراهنة يعتمد على ضرورة استمرار وصول الوقود الى مصادره، وقدرة الحكومة الفلسطينية على ضمان التوزيع العادل، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في ظل واقع معقد ومركب، وإلا فإن هذه الأزمة، قد لا تكون سوى رأس الجبل الجليدي، أو الجزء الصغير الظاهر من سلسلة أزمات قد تكون أعمق وأكبر، الأمر الذي يتطلب من الجميع وخصوصا الحكومة الاستعداد لها جديا، والتعامل معها بكل حكمة وكفاءة.