في الضفة الغربية، تتطوّر خلال العقود الأخيرة ظاهرة فريدة ومعقّدة: الاعتقال الوقائي. وهو أن يقوم شخص بتسليم نفسه إلى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لكي تؤمن له الحماية – ليس لأنه ارتكب جريمة ضد السلطة الفلسطينية، بل لتجنّب اعتقاله أو اغتياله من قبل إسرائيل. وغالبًا ما يكون هؤلاء من النشطاء المرتبطين بتنظيمات المقاومة مثل حماس أو الجهاد الإسلامي، والذين، حسب معلومات استخباراتية، يُتوقّع أن يكونوا أهدافًا لعمليات إسرائيلية.
الهدف المُعلَن هو حماية المعتقل. لكن في الواقع، تعتبر هذه الوسيلة أداة بيد السلطة للحفاظ على النظام. فعندما تعتقل السلطة هذا الشخص، تُسقط عن إسرائيل الذريعة للتصرف ضده – وكأنّ السلطة "تشير" بأنها تتعامل مع الموضوع، ما يمنع دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى المدن الخاضعة لسيطرتها.
لكن هذه المنظومة تثير تساؤلات عميقة، سواء من الناحية الأخلاقية أو القانونية.
من يقرّر مدّة الاعتقال؟
مدّة الاعتقال ليست ثابتة، ولا تخضع لرقابة جهاز قضائي رسمي. يتم اتخاذ قرار بدء الاعتقال، مدّته وظروفه، في معظم الأحيان من قبل أجهزة الأمن – خاصة جهاز المخابرات العامة أو الأمن الداخلي – دون وضوح في المعايير المتبعة، وبما أن الشخص يُسلّم نفسه، فلا تُعقد محاكمة علنية، ولا يصدر لائحة اتهام.
عمليًا، قد تستمر فترة الاحتجاز من بضعة أسابيع إلى سنوات طويلة. وغالبًا ما يعتمد الإفراج على عاملين رئيسيين: تقييم بأن التهديد عليه قد تلاشى – أي أن إسرائيل لم تعد تنوي العمل ضده – أو ضغوط سياسية محلية ودولية. في بعض الحالات، يكون وسيط خارجي (مثل جهة في الشاباك أو دولة أجنبية) هو من يساعد في التوصل إلى تفاهمات للإفراج عنه.
هل هناك قيود على من يُعتبر معتقلًا وقائيًا؟
رغم أن "الاعتقال الوقائي" من المفترض أن يكون أقل تقييدًا من السجن، إلا أن المعتقلين وعائلاتهم يعيشون واقعًا صعبًا. فحياة المعتقلين تتجمد، يظلون مطلوبين ويعيشون في خوف ويختبئون من الاحتلال، بينما تعاني عائلاتهم من مداهمات ليلية متكررة من قبل الجيش لمنازلهم.
بين إسرائيل والسلطة: أيهما أفضل؟
هنا تظهر المعضلة الكبرى. هناك معتقلون ارتكبوا مخالفات بسيطة نسبيًا – مثل حيازة سلاح شخصي، أو المشاركة في مظاهرة غير مرخصة، أو الانتماء لتنظيم – ولو تم اعتقالهم من قبل إسرائيل، لتمت محاكمتهم وسجنهم لفترة قصيرة فقط، غالبًا لبضعة أشهر. لكن عندما يُعتقلون لدى السلطة الفلسطينية، قد يُسجنون لفترة غير محددة.
من جهة أخرى، تقدم إسرائيل إطارًا قانونيًا واضحًا: اعتقال، لائحة اتهام، إمكانية التمثيل القانوني، استئناف، ومرافعة أمام المحكمة. ورغم أن النظام ليس مثاليًا وغالبًا ما يكون صارمًا، إلا أنه يحافظ على مبادئ قانونية أساسية – منها وجود تاريخ إفراج معروف مسبقًا.
وهكذا، في حالات عديدة – خصوصًا عندما يتعلق الأمر بنشطاء "صغار" – فإن النظام الإسرائيلي قد يوفّر مسار عقوبة واضح، قصير، وأحيانًا أكثر عدالة مما هو الحال في سلطة الحكم الذاتي.
خلاصة ظاهرة الاعتقال الوقائي تكشف المفارقة في قلب النظام الفلسطيني: من أجل تجنب صدام مباشر مع إسرائيل، تقوم السلطة بسجن أبنائها. ومن أجل السيطرة على الأرض، تقمع المعارضين من الداخل. ومن يقع بين الكراسي – يجد نفسه محاصرًا بلا محاكمة، بلا أمل، وبدون مستقبل واضح.
وهذه رسالة تستحق أن تُسمع في أوساط الشباب في الضفة الغربية.