نهضة عمرانية في القدس الشرقية: مشاريع سكنية مرخصة تجذب السكان

jerusalem-skyline-1493633572.jpg

في الوقت الذي تعاني فيه مدينة القدس الشرقية مما تعانيه بين أهلها الأصليون والأغراب، يسعى المواطن الفلسطيني لتحقيق نهضة عمرانية جديدة وإنجاز واقعي حقيقي بالمدينة المعذبة، عن طريق زيادة المشاريع السكنية الفلسطينية المرخصة التي بدأت تتوسع في عدد من الأحياء، خاصة حي شعفاط، الذي بدأ يشهد مؤخرا مشروعا سكنيا جديدا يعكس التغير النوعي في نمط البناء والبنية التحتية في المنطقة، لتصبح ظاهرة البناء المرخص منتشرة بشكل كبير بعدما كانت محدودة لأسباب الكل يعرفها وعراقيل الاحتلال، ليتغير الواقع بشكل كبير وتميل كفة الميزان من جديد الى صالح الفلسطينيين أصحاب الأرض وأبناؤها الأوائل.

لقد شاهد الفلسطيني، العالم المصاب بسكتة الكلام، وشاهد العرب الذين يكتفوا بالخطابات والبيانات، حتى أنهم قرروا منذ احتلال المدينة إنشاء صندوق خاص بالقدس لكنه ظل فارغا، وظلت المدينة المقدسة وحدها تواجه قدرها وتتحداه وحدها وصمود أبنائها.

ولعل هذا التحول الفلسطيني أصبح مرتبطا بعوامل عدة، من أهمها تحسين جودة البناء، عبر اعتمادها على مواصفات حديثة تتماشى مع المعايير الهندسية العالمية، مما يمنح السكان شعورًا بالأمان والراحة، وبنية تحتية متطورة، وخدمات متكاملة تشمل شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي حديثة، فضلاً عن مواقف سيارات ومساحات عامة منظمة، بالإضافة الى الاستقرار القانوني والإداري، كونها مشاريع مرخصة رسميا من قبل بلدية القدس التابعة لإسرائيل.

والصحيح، هو أن مشروع شعفاط لم يكن مجرد إضافة عمرانية يتباهى فيها الفلسطينيون، إنما نموذجا للتخطيط السكني الحديث في القدس الشرقية، خصوصا وأن موقعه قريب من مركز المدينة ومن خطوط المواصلات العامة في زيادة جاذبية المشروع.

وكما قلنا من قبل، فإنه لم يبقَ للقدس سوى أهلها، ساكنيها الذين يقفون رأس حربتها في الدفاع عن مصالحهم الشخصية المعيشية اليومية في ظل استهداف مبرمج لكل شيء يتعلق بهم، فإن التحديات والصعاب موجودة في الأصل، ورغم الإيجابيات، فإن الأمر لم يكن ورديا كما يتصور البعض، فلا تزال هناك تحديات تعيق التوسع الكامل لهذه الظاهرة، من بينها القيود البيروقراطية المعقدة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على منح التراخيص، وارتفاع تكاليف البناء، وضعف التخطيط الحضري الشامل لبعض الأحياء.

لكن خطورة الأمر أنه يتم بشكل صامت من خلال إجراءات عديدة هدفها جعل حياة الفلسطيني مستحيلة، إذ يعمل جهاز الضرائب الإسرائيلي كذراع تنفيذية لمخططات الحكومة حيث تفرض إسرائيل نوعين من الضريبة على أصحاب البيوت والمحال التجارية، لكن رغم ذلك، يرى العديد من المراقبين أن هذه المشاريع قد تشكل بداية لمرحلة جديدة في القدس الشرقية، تسهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز الشعور بالاستقرار لدى السكان، وتفتح المجال أمام الاستثمار المحلي في قطاع العقارات والبنية التحتية.

في المقابل، لك أن تتخيل الواقع في القدس الشرقية في الوقت الذي تنفق فيه إسرائيل عشرة ملايين دولار يوميا على برامج التهويد أي مليار دولار كل مائة يوم، لك أن تتخيل ما الذي يمكن أن تغيره تلك الأموال وحين تستعمل ضد فئة فقيرة ذات امتداد عشوائي في السياسة لا يملك أي برنامج للقدس ولا مؤسسات في القدس ولا موازنات للقدس، ولا شيء سوى الخطاب والشعار الحماسي.

في الجانب المشرق من الواقع الصعب بالمدينة المقدسة، فإن مشروع شعفاط السكني يعتبر مؤشر على تطور تدريجي تشهده المدينة فيما يتعلق بالتنظيم العمراني وتوفير سكن لائق للسكان، لتبقى هذه المشاريع بارقة أمل نحو مستقبل عمراني أكثر استقرارا وتنظيما في المدينة.

لكن في النهاية، فإنه لا يكفي للقدس مشاريع موسمية ولا هبات عابرة، فالمدينة تحت الاستهداف الإسرائيلي اليومي المستمر، وهي بحاجة إلى برامج وسياسات رسمية منظمة ودعم يجب أن يتم توفيره حتى لو من "اللحم الحي" رغم راية الأزمة المالية التي ترفعها دائما السلطة الفلسطينية، وكأنها راية بيضاء أمام أي تقصير منها، يمكن عمل كل شيء لدعم صمود المقدسيين، وخصوصا برامج البناء العمراني والسكني، ولكن لا أن نترك المدينة على نمط "للبيت رب يحميه"، لأن هذا قمة العجز واليأس..