تصريحات الرئيس.. صرخة في وجه نكبة جديدة

49750411_605.jpg

إن استخدام الرئيس محمود عباس كلمة "إبادة" في خطابه بالمجلس المركزي اليوم، تعبير واضح عن كرب شديد ليس في وصف الحرب الأخيرة والحروب السابقة فقط، إنما في وصف السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين في كل أماكن تواجده بالضفة وغزة والداخل المحتل، ومن دون الدخول فيما إذا كان الرئيس عباس يتمسك بهذا الكلام، أم أنه فهم أن عليه أن يعبّر عن مشاعر شعبه بصورة أفضل من الماضي، فإنه يمكن وصف الخطاب في مجمله بأنه "صرخة" في وجه نكبة جديدة تهدد القضية الفلسطينية بمجملها.

ونظرا إلى كون الرئيس غير قادر على الصراخ من على المنبر فقد استخدم كلمات عالية النبرة، وبعضها خارجة عن الخط الدبلوماسي المشهور فيه هذا الرجل، ولكن في ظل العدوان الوحشي المتواصل على قطاع غزة وحرب الإبادة المستمرة، اضطر الرئيس للخروج بتصريحات حادة ومباشرة، وُصفت بأنها من بين أقوى خطاباته في الفترة الأخيرة، ليؤكد أن ما يجري في غزة هو نكبة جديدة تهدد الوجود الفلسطيني برمته، وتنذر بتصفية القضية الفلسطينية نهائيا.

ليس وحده الرئيس يعاني من هذه الضائقة في استخدام العبارات، بل يشاركه فيها كل من لا يريد أن يصف الواقع من خلال التوصيفات الموجودة في الكتب والمقالات، وإنما يريد تغييره، ولماذا نصل إلى الصراخ وهذه العبارات الحادة؟ لأن هناك كثيرين يستفيدون من الوضع القائم ولا يريدون أيضا تغييره، وهم لا يريدون أن يسمعوا أن هذا الوضع لا يحتمل وظالم وغير عادل، لأن هذا لا يمسهم، في ظل تجاوز عدد الشهداء والجرحى 200 ألف.

الحقيقة أن كل قيادي فلسطيني ممن لا يريد استخدام الشعارات و"الكليشهات"، فإنه يواجه ضيقا في التعبير، لأنه لا يمكن التعبير عن إنسان يواجه القتل والدمار والتهجير على مدار الساعة بأنها مجرد "خسائر تكتيكية"، مثلما تعبر قيادات حماس، ليحمل الرئيس المسؤولية لكل من تسبب في هذا الواقع، ويؤكد أن الإنسان الفلسطيني ليس رقما يُختزل في تقارير الأخبار أو ساحات المعارك.

أبرز ما جاء في خطاب عباس هو رفضه القاطع لعمليات التهجير التي تُمارس بحق أهل غزة، مؤكدًا أن “الولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان تهجير الفلسطينيين من القطاع”، في خطوة وصفها بأنها “تصفية نهائية للقضية الفلسطينية”. وقال إن التهجير لا يمكن أن يكون طوعيًا تحت أي ظرف، وإن هذا المخطط يذكرنا بما جرى في نكبة عام 1948، محذرًا من أن التاريخ قد يعيد نفسه إذا لم يتم التصدي له بكل حزم.

كما أن الرئيس لم يغفل الحديث عن القدس، مشيرا إلى "محاولات الاحتلال فرض سياسة الأمر الواقع" هناك، وارتكابه انتهاكات مستمرة بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية، بما في ذلك الحرم الإبراهيمي، ما يشير إلى نية الاحتلال تكريس سيطرته الكاملة على المدينة المقدسة.

إن الرئيس الفلسطيني شدد على أن أولوياته هي “وقف حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة” وضمان “انسحاب الاحتلال من كامل القطاع”. كما أشار إلى الدعم الروسي الأخير، حيث تبرع الرئيس فلاديمير بوتين بـ30 ألف طن من القمح لصالح غزة، في خطوة تهدف لتخفيف آثار الحصار والمعاناة.

إن تصريحات الرئيس تمثل تحذيرا واضحا من مرحلة خطيرة تمر بها القضية الفلسطينية، في ظل استمرار العدوان والتوسع الاستيطاني، والضغوط الدولية الرامية إلى إعادة رسم خارطة الوجود الفلسطيني، ما بين التهجير والاستيطان والعدوان، تتجلى "نكبة جديدة" يجب مواجهتها بتماسك وطني وشعبي، وبموقف عربي ودولي حازم.

لقد نجح الرئيس عباس في هذه الأيام في "التكشير عن أنيابه" دون أن يكون ذلك صادما سوى لإسرائيل والولايات المتحدة وقادة حماس، فهو لم يلجأ إلى أي إجراء خارج ما تسمح به المنطقية والعقلانية، وبالتالي فهو يواجههم بنفس الدبلوماسية "المزيفة" التي لطالما شبعنا منها ووُجه إلى صدور الفلسطينيين لسنوات، كما يقول لحماس التي رفضت كل جولات المصالحة والدخول الى منظمة التحرير: "ذوقوا اليوم ما جنيتموه أنتم على أنفسكم".