غزة والمصير المجهول!

بعيدا عن تحليلات اللواء فايز الدويري الغير حقيقية، وكذب زياد سعيد وعدم واقعية قناة الجزيرة، وانقطاع مثقفي المقاهي المكيفة في الدوحة وإسطنبول عن الواقع المرير في قطاع غزة، لابد لأي عاقل يتابع الأحداث جيدا وبشكل منطقي، الادراك بشكل لا شك فيه، أن الشعب أدى ما عليه من صمود وتضحية وصبر لم يشهد له التاريخ طوال حرب الإبادة الاسرائيلية، فهو ضحى بدمائه حتى ارتوت الأرض به، وضحى ببيوته حتى أنه لم يعد هناك بيوت واقفة، وضحى بكرامته حتى بات في خيام لا تصلح للعيش الآدمي، وضحى بأبنائه حتى بات أغلبهم في سجون الاحتلال، فماذا تطلبون منه أن يقدم أكثر من ذلك؟

وهذا ما دفع الناس في الأيام الأخيرة، للقيام بموجة احتجاجات "نادرة" في الحقيقة ضد حكم حركة حماس، بمشاركة مئات الفلسطينيين، للتعبير عن استيائهم من استمرار الحرب والأوضاع المعيشية المتدهورة، حتى غمرت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وصور تظهر محتجين يهتفون بشعارات مثل "نريد أن نعيش" و"كفى للحرب"، و"حماس برا برا"، في إشارة واضحة إلى ازدياد حالة الإحباط واليأس بين الغزيين، الذين لم يروا يوما جميلا في حياتهم منذ سيطرت حماس على الحكم بقوة النار عام 2007، حيث واجه الناس تحديات اقتصادية وإنسانية هائلة، تفاقمت مع الحروب المتكررة والنزاعات المستمرة مع إسرائيل.

صحيح أن سكان القطاع بقوا صامتين على تفرد حماس بالحكم منذ 17 عاما، وفشلهم الذريع في إدارة القطاع، والفساد المالي والإداري، وحصار مشدد وفقر مدقع بسببها هي، التي كان عناصرها وقياداتها يعيشون حياة "رغيدة"، لكن الأكيد الآن هو أن الشعب بغزة لم يبق صامتا، ولم ولن يسمح لأي أحد من حماس، التي ليس لديها أي تجربة سياسية أو أفق بالسياسة والقيادة، بأن يحكم القطاع بعد الآن.

لن يصمت سكان غزة بعد الآن على حالة المزاجية التي تعاني منها حماس، ففي أي وقت تراه مناسبا من طرفها هي فقط، يطلقون صواريخ، ثم يقررون بكل عبثية أيضا اطلاق مسيرات العودة التي تسببت بقطع أطراف ألاف الشباب ومقتل المئات، لن يبق الشعب صامتا على دفع ثمن أخطاء حماس المغامرة بكل القضية وليس بشعب غزة فقط، لن يصمتوا أمام سياسات الحركة التي أدت إلى عزلة القطاع، وجعلته ساحة لصراعات عسكرية متكررة دون حلول حقيقية لتحسين حياة المواطنين، حتى بدأت أصوات معارضة نادرة ترتفع، رغم القبضة الأمنية الشديدة التي تفرضها حماس على أي تحرك مناهض لها.

وباعتقادي فإن الأمر لن يكون منفرادا في قطاع غزة، ففي الضفة الغربية، حيث تسيطر السلطة الفلسطينية، كان هناك الكثير من التحذيرات من خطر انتقال حالة الفوضى والدمار التي يشهدها قطاع غزة إذا استمر الدعم لحماس هناك، حتى باتت الخشية من أن يؤدي تصاعد نفوذ حماس في الضفة إلى اندلاع مواجهات جديدة مع إسرائيل، مما قد يجرّ المنطقة بأكملها إلى دوامة عنف لا تنتهي، خصوصا وأن الضفة الغربية تشهد توتراً متزايداً بالفعل، حيث تتكرر الاشتباكات بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والمسلحين الفلسطينيين، بالإضافة إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة، والأكيد أن دخول حماس على الخط قد يزيد من تعقيد الأوضاع، ويؤدي إلى تكرار السيناريو الغزي في الضفة.

ومع تزايد الاحتجاجات داخل غزة، يبدو أن الغضب الشعبي ضد حكم حماس بدأ يأخذ منحى غير مسبوق، مما قد يشكل ضغطاً على الحركة لتغيير نهجها. ومع ذلك، فإن استمرار الحرب مع إسرائيل، والعزلة الدولية المفروضة على القطاع، يجعل من الصعب تحقيق أي تغيير جذري في المستقبل القريب، فيما يكمن التحدي الأكبر في الضفة الغربية، في منع حدوث انهيار أمني مماثل لما يجري في غزة، وهو ما يتطلب استراتيجيات سياسية وأمنية حذرة لمنع تكرار السيناريو الكارثي هناك.

للأسف، في ظل هذا الواقع الأليم والمرير يبقى مصير الفلسطينيين رهينة للواقع السياسي والعسكري المعقد، وسط غياب أي أفق لحل حقيقي ينهي المعاناة المستمرة منذ عقود.. فهل من متعظ؟؟