علاء مطر
انتهت الحرب بين حماس واسرائيل، كما كل شيء في هذه الحياة له بداية ونهاية، لكن يبقى السؤال الرئيسي الذي يدور في عقول الجميع في داخل فلسطين وخارجها، هل حققت حركة حماس انتصارا حقيقيا بعد 15 شهرا من طوفانها "المبجل"، أم أنها تروّج لصورة زائفة عنه؟
وعلى الرغم من تعقّد المشهد السياسي والعسكري في قطاع غزة، وكشف الواقع خسائرا هائلة وضخمة على مستوى القيادة الحمساوية أو السكان المدنيين، وتعرض الحركة لضربات قاسية، بعد مقتل العديد من قادتها البارزين في عمليات القصف الإسرائيلي، وتدمير بنيتها التحتية بشكل شبه كامل، إلا أن حماس تواصل تقديم نفسها كقوة صامدة ومقاومة، وتظهر نفسها على أنها قادرة على اطلاق الصواريخ حتى آخر أيام الحرب، واحتفاظها بهذه القدرة بعد أشهر من الحرب، وهذا يعتبر بحد ذاته تحديات لإسرائيل، لكن هل يعني ذلك نصرا حقيقيا؟
في الحقيقة، فإنه لا يبدو أن حماس حققت مكاسب ملموسة على المستوى الاستراتيجي، لأن إسرائيل أصلا لم تجبر على وقف الحرب بشروط حماس، وتعرضت غزة للقصف والحصار ومعاناة سكانها تتفاقم، حتى مع تبادل الاسرى فإن ما حصلت عليه حماس لا يرقى الى مستوى نصر استراتيجي بل هو اشبه بإعادة ترتيب للأوراق أكثر من كونه إنجازا حاسما.
لا يمكن تجاهل الثمن الباهظ الذي دفعه سكان غزة في هذه الحرب، فهناك عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، ومئات الآلاف من النازحين ومدن مدمرة بالكامل، وهناك من فقدوا منازلهم وأحبائهم، وهؤلاء لا ينظرون الى هذه الحرب على أنها انتصار بل مأساة مستمرة.
هنا يبرز السؤال، هل يرى سكان غزة أن حماس انتصرت، الجواب ليس موحدا، فهناك من يؤمن بموقف حماس باعتبارها المقاومة الوحيدة ضد الاحتلال، وهناك من يحملها المسؤولية عما حدث ويتساءل عن جدوى الاستمرار في هذه المواجهات التي يبدو أنها لا تؤدي الا إلى المزيد من الدمار.
في المقابل، تسعى حماس من الناحية الإعلامية إلى تصوير نفسها كقوة صامدة قادرة على ارغام إسرائيل على تقديم تنازلات، حيث رفعت الاعلام، وقدمت الاستعراضات، وروّجت لمشاهدة الاحتفالات، التي تهدف الى تعزيز الروح المعنوية داخليا، وارسال رسالة الى الخارج بأنها لم تهزم، لكن هذه الصورة تصطدم بالواقع القاسي على الأرض، حيث يعاني الفلسطينيون من أسوأ كارثة إنسانية في تاريخهم الحديث.
لا يمكن القول أن حماس انتصرت عسكريا لكنها لم تهزم بالكامل أيضا، استمرارها بالقتال رغم التفوق الإسرائيلي الكبير يعد نجاحا تكتيكيا، لكنه لا يغير حقيقة الدمار الهائل الذي حل بغزة، أما على المستوى السياسي فالمكاسب التي حققتها محدودة، ولم تصل الى تحقيق أهدافها الكبرى.
إن ما حدث في غزة ليس مجرد صراع بين طرفين، بل مأساة إنسانية لشعب مغلوب على أمره، دفع ثمن قرارات سياسية وعسكرية معقدة وغير مسؤولة..ليبقى السؤال المطروح هو ما الثمن الذي يجب دفعه قبل أن يتم البحث عن حلول حقيقية ومستدامة؟ كان الله بعون أهالي غزة، فالحرب العسكرية انتهت لكن اشتعلت حروبا أخرى هم أدرى بها.