أكد مصدر خاص لـ"الترا فلسطين" أن السّاعات القادمة هي الحاسمة في مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وأن ما تبقّى هو الموافقة السياسية من الجانب الإسرائيلي. ويجيء ذلك بعد أن قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إرسال وفد تفاوضيّ بصلاحيات واسعة إلى العاصمة القطرية الدوحة، يضم رئيس الموساد ديفيد برنياع، ورئيس الشاباك رونين بار. وهذا يعني أنّ تفاصيل المفاوضات وصلت مرحلة متقدمة.
وتشارك بالمفاوضات غير المباشرة في الدوحة وفود أمريكية من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس المنتخب القادم دونالد ترامب، مع وجود الوسطاء الفاعلين القطري والمصري، ومشاركة وفد حماس الذي يرأسه مسؤول ملف المفاوضات، خليل الحيّة، وبمشاركة لجان فنية وسياسية إسرائيلية.
وبحسب المصدر، جرى الاتفاق بشكل كامل على المبادئ العامة لشروط المقاومة، ولم يتبقَّ سوى تفاصيل مرتبطة بتطبيق هذه البنود، خاصة فيما يتعلق بملف الأسرى، الذي يشهد تغييرات مستمرة خلال جولات التفاوض اليومية. وهذا يعني أنّ الاتفاق على مبادئ مثل تبادل الأسرى، عودة النازحين، انسحاب قوات الاحتلال، وإدخال المساعدات قد تم بالفعل ولا تغيير عليه. أمّا النقاشات الحالية فتدور حول القضايا التفصيلية المتعلقة بمرحلية هذه الملفات والجدول الزمني لتنفيذها.
تفاصيل المرحلة الأولى من الاتفاق
ووفقًا للمصدر الذي تحدّث لـ "الترا فلسطين" فإن المرحلة الأولى من الاتفاق، ستستمر نحو 42 يومًا، وستركّز على إتمام صفقة تبادل أسرى ذات طابع إنساني تشمل الأحياء والجثامين، مقابل عدد متفق عليه من الأسرى الفلسطينيين. ومن بين 33 أسيرًا إسرائيليًا سيتم الإفراج عنهم في هذه المرحلة، هناك 11 جنديًا عسكريًا كانت المقاومة ترفض إدراج أسمائهم ضمن الصفقة، إلا أنّها وافقت لاحقًا على ذلك بعد أن انتزعت بدورها تنازلات أكبر من الإسرائيليين.
ومن أبرز ما تم الاتفاق عليه مبدئيًا، أنّ مقابل الإفراج عن المجنّدة العسكرية هو 50 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم 30 أسيرًا محكومًا بالمؤبد و20 آخرين من ذوي الأحكام العالية. أمّا الإفراج عن أي أسير إسرائيلي من كبار السن أو النساء غير المجنّدات، فسيكون مقابله إطلاق سراح 30 أسيرًا فلسطينيًا من الأطفال، المرضى، النساء، ومن أصحاب الأحكام المختلفة وفق ما يتم الاتفاق عليه.
وفيما يتعلق بالأسماء الـ11 التي أضيفت لاحقًا للمرحلة الإنسانية الأولى (ومن بينهم أبراهام منغستو، من أصول إثيوبية، الذي أسر عام 2014، وهشام السيّد، الأسير منذ عام 2015)، فإن "إسرائيل" ترفض حتى اللحظة التعامل مع منغستو والسيّد كجنود عسكريين. ووفقًا للاتفاق، فإن الإفراج عنهما سيكون مقابل أسرى فلسطينيين اعتُقلوا بعد أن تحرروا من صفقة "وفاء الأحرار"، بحيث يتم تصنيفهم ضمن المرضى وكبار السن. وبذلك يبقى 9 أسرى إسرائيليين، يُقدّر مقابل الإفراج عن كل واحد منهم بـ60 أسيرًا فلسطينيًا محكومًا بالمؤبد، بالإضافة إلى عدد آخر يتم الاتفاق عليه من الأسرى الفلسطينيين من مختلف الأحكام، ومن أسرى قطاع غزة الذين اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر.
في اليوم السابع من الاتفاق، ستبدأ مرحلة عودة النازحين إلى منازلهم من الجنوب إلى شمال قطاع غزة عبر شارع الرشيد الواقع غرب القطاع. أمّا في اليوم الثاني والعشرين، فسيُسمح بالعودة عبر شارع صلاح الدين الذي يمر من وسط القطاع. وستخضع المركبات العائدة للتفتيش باستخدام أجهزة فحص تُشرف عليها جهات دولية أو وسيطة، مع التأكيد على عدم تفتيش الأفراد العائدين مشيًا على الأقدام.
وفي الأيام الأولى من هذه المرحلة، ستبدأ المساعدات بالتدفّق إلى قطاع غزة عبر المعابر، لا سيما معبر رفح، حيث سيتم التحضير لإجلاء المرضى والمحتاجين للعلاج، إضافة إلى السماح بإدخال المواد الغذائية والأدوية بشكل خاص.
وقدّم الوسيط القطري مقترحًا يربط بين المراحل الأولى والثانية والثالثة من الاتفاق، وقد حظي بموافقة جميع الأطراف، بحيث يؤدي الاتفاق إلى وقف إطلاق النار. ومع ذلك، ما تزال هناك قضايا عالقة، لكنّها لن تشكّل عائقًا أمام إتمام الاتفاق، بحسب المصدر الذي تحدّث لـ الترا فلسطين.
ماذا عن القضايا العالقة؟
ومن أبرز هذه القضايا: عدم الاتّفاق على جزئية المنطقة العازلة، إذ يُصرّ الاحتلال على وجوده ضمن مساحة كيلومتر ونصف، بينما ترفض المقاومة ذلك. ويرجّح أن يتم التوصل إلى حلٍّ وسط بشأن مساحة محددة يتواجد فيها الاحتلال بشكل مرحلي. كذلك، لم يُحسم توقيت الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق؛ فقد تم الاتفاق على الانسحاب الكامل من محور نتساريم في المرحلة الثانية، بينما ما يزال التوقيت الخاص بالانسحاب من محور فيلادلفيا محل خلاف، إذ يُناقش أن يكون في اليوم الأربعين أو الخمسين من الاتفاق.
ولفت المصدر إلى أن المؤشرات تتزايد بشأن إمكانية الوصول إلى صفقة، خاصّة أن الاتفاق على ربط المراحل ببعضها البعض قد ساهم في تقليص العديد من الفجوات، مع وجود مقاربات متعددة لحل النقاط المحدودة العالقة.
التفاؤل الحذر.. المماطلة الإسرائيليّة سياسية بحتة
وأشار المصدر إلى أن الإرادة السياسية لدى بنيامين نتنياهو لا تزال محل شك، في ظل نهج مماطلة شبه متعمّد من الوفد المفاوض الإسرائيلي، دون أن يصل ذلك إلى مستوى التعطيل الكامل. إذ لا يبدي الوفد ملاحظات فنيّة جوهرية على العديد من القضايا، ما يشير إلى أن المماطلة "سياسية بحتة".
وأكد المصدر أن التفاؤل غير المسبوق، إلى جانب الإشارات الإيجابية التي قدّمها الوسطاء، والرسائل التي وصلت للوفد المفاوض الفلسطيني عبر الوسيط الأميركي ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، كل ذلك يبقى مرهونًا بقرار سياسي واضح من المستوى السياسي الإسرائيلي. وما لم يُعلن هذا الموقف، ستظل الصفقة خارج إطار التنفيذ.
وختم المصدر حديثه لـ الترا فلسطين قائلًا: "نحن بالمحصلة أمام أيام أو ساعات فارقة، لحسم مصير حرب الإبادة على شعبنا الفلسطيني ووضع حدٍّ لها، ونأمل أن تتكلل بالنجاح ووقف شلال الدماء".