هدم المنازل في القدس..معاناة مركّبة بين "التصريح والغرامات"!!

لا يخلو يوما من الأيام من أخبار هدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية، على أيدي القوات الإسرائيلية، فهناك عدد ليس بالقليل من الفلسطينيين يتعرض لبيئة قسرية تنطوي على خطر الترحيل القسري بسبب سياسة هدم المنازل والإخلاء القسري وسحب وضع الإقامة.

وكما هو الحال في المنطقة المصنفة (ج)، يجعل نظام التخطيط التقييدي والتمييزي حصول الفلسطينيين على تراخيص البناء التي تشترطها إسرائيل أمرا في حكم المستحيل، فهي تخصَّص نسبة لا تتعدى 13% من مساحة القدس الشرقية لبناء الفلسطينيين، غير أن معظم هذه المساحة مأهول في الأصل.

ويواجه الفلسطينيون الذين يبنون منازلهم دون الحصول على التراخيص خطر هدمها، إضافة إلى عقوبات أخرى، من بينها الغرامات الباهظة التي لا يعفي تسديدها صاحب المنزل من الشرط الذي يقضي عليه الحصول على ترخيص لبناء منزله، فيما تفتقر ما لا يقل عن ثلث المنازل الفلسطينية في القدس الشرقية إلى تراخيص البناء التي تصدرها إسرائيل، مما يعرّض أكثر من 100,000 فلسطيني من سكان المدينة لخطر التهجير.

وخلال الأيام الأخيرة، تشهد القدس الشرقية تصاعدا ملحوظا في عمليات هدم المنازل، حيث تبرز معاناة السكان المحليين الذين يجدون أنفسهم في مواجهة قرارات الهدم الصادرة عن السلطات الإسرائيلية، فخلال أيام فقط، اضطر سكان من حي جبل المكبر ومخيم شعفاط للاجئين إلى هدم منازلهم ذاتيا تفاديا للغرامات الباهظة التي تُفرض عند تنفيذ الهدم من قِبل السلطات الاسرائيلية.

ومن وجهة نظر إسرائيلية، فإن البناء دون تصاريح يُعد أحد أبرز التحديات التي تواجه سكان القدس الشرقية، حيث يتهم السكان السلطات الإسرائيلية بفرض قيود صارمة على منح تصاريح البناء، مما يجعلها شبه مستحيلة من الناحية العملية. في المقابل، يضطر الأهالي إلى البناء دون تصاريح لتلبية احتياجاتهم السكنية المتزايدة، خاصة في ظل الكثافة السكانية المتزايدة وندرة الأراضي المتاحة للبناء.

وبما أن "الهدم الذاتي" هو الخيار الأقل ضررا، قررت عائلتان من مخيم شعفاط وجبل المكبر مؤخرا هدم منازلهما بأيديهما لتجنب الغرامات الباهظة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية عند تنفيذ الهدم قسرا، وهذا يعتبر بحذ ذاته عبئا ماليا ثقيلا على السكان، إذ قد تصل إلى عشرات آلاف الشواقل.

ورغم الألم النفسي الناجم عن هدم المنزل بأيديهم، ترى العائلات أن هذا الخيار هو "الأقل ضررا" مقارنة بالخسائر المادية الباهظة التي يمكن أن تترتب على الهدم القسري.

ولا يقتصر تأثير عمليات الهدم على فقدان المنازل فحسب، بل يمتد ليشمل تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة، حيث تُترك العائلات بلا مأوى، ما يدفعها للبحث عن حلول بديلة في ظل ظروف معيشية صعبة أصلا، كما يُفاقم الهدم من الشعور بالعجز والظلم لدى السكان، إذ يرون في هذه الإجراءات سياسة تستهدف تقويض وجودهم في المدينة.

ورغم الصمت الدولي المريب، في مثل هذه الأحداث، إلا أن الدعوات تتصاعد لمنظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف عمليات الهدم وضمان حقوق الفلسطينيين في السكن، ووقف سياسة تهجير السكان الفلسطينيين وتقليص وجودهم في القدس الشرقية.

تُعد قصة العائلتين في جبل المكبر ومخيم شعفاط نموذجا حيا لمعاناة سكان القدس الشرقية الذين يعيشون في ظل واقع سياسي واجتماعي واقتصادي معقد، فيما يبقى الأمل معقودا على جهود المجتمع المحلي والدولي للحد من هذه الانتهاكات وضمان حقوق السكان في العيش بكرامة وأمان داخل مدينتهم.

وعلى الرغم من أن المادة 25/ 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 11/ 1 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 نصّتا على أن "هدم المنازل يُعَدّ خرقا واضحا لإعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان الدولية التي تكفل حق الفرد في السكن الملائم"، إلا أن إسرائيل مستمرة في فرض العقوبات الجماعية للسكان المدنيين المحميين ومعاقبتهم عن أفعال لم يرتكبوها والتعامل بطريقة الثأر منهم ومن ممتلكاتهم، حتى وصلت أفعالها إلى ما يمكن اعتبارها "جريمة حرب" وفق القانون الدولي.